على الطريق الواصل بين مدينة حلب ومدينتي الرقة والحسكة، مروراً بمدينة منبج الاستراتيجية، تقع مدينة الباب كبرى المدن التي يسيطر عليها “الجيش الوطني”، وتديرها “الحكومة المؤقتة”.
مدينةٌ لا يلبث أن ينقطع ذكرها عن وسائل الإعلام، حتى يتردد مُجدداً، بأحداثٍ توصف بأنها “فريدة”، قياساً بجاراتها في منطقة “درع الفرات”.
سياراتٌ ودرجاتٌ مفخخة، واغتيالات ضربت الباب بصورة متواترة، واستحوذت على مشهدها الداخلي منذ سنوات مضت، وإلى جانبها هجمات تأتي من خارجها، كالقصف الجوي الذي تنفذه روسيا بين الفترة والأخرى، وما يرافقه من حشود عسكرية لقوات الأسد تأتي جيئةً وذهاباً إلى خاصرتها من الجنوب، المتمثلة ببلدة تادف، والتي لا تبعد عنها سوى كيلومتر واحد.
جميع ما سبق من تطورات هزّت استقرار مدينة الباب، وجعلتهُ متأرجحاً حتى اليوم، وما زاد على ذلك سلسلة الإشاعات التي تنشر بين الفترة والأخرى، ويزعم مرددوها، بأن المدينة تحكمها “اتفاقيات روسية- تركية” قد لا تدوم، وبالتالي هناك إمكانية لشن أي عمل عسكري من جانب قوات الأسد في سبيل السيطرة عليها.
في المقابل، قد لا تكون فرضية زحف قوات الأسد إليها بدعم روسي، قابلة للتحقيق حسب ما قال مراقبون وعسكريون لـ”السورية.نت”، ويرتبط ذلك بخصوصية المدينة الأهم ضمن منطقة عملية “درع الفرات” التركية.
وبهذا باتت مدينة الباب كما يرى محللون، أشبه بصندوق رسائل تحاول موسكو تمرير ما تريده من خلالها، وخاصة للمناطق الواقعة على طول الحدود مع تركيا، والتي تحاول الأخيرة تثبيت الاستقرار فيها.
“بوابة حلب ودرع المنطقة الآمنة”
هناك تسميات عدة توسم بـ”الباب”، حيث توصف بأنها “حلب الصغرى”، و”بوابة حلب الشرقية”، وأيضاً “درع المنطقة الآمنة في الشمال السوري”.
تلك التسميات لم تكن من فراغ، بل ترتبط بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي تتموضع عليه في الشمال الشرقي لحلب، إذ لا تبعد عن المدينة مسافة 30 كيلومتراً فقط، كما تبعد عن الحدود التركية المسافة ذاتها أيضاً (30 كليومتراً).
يضاف إلى ما سبق، طبيعة القوة المسيطرة في محيطها، فهي على خلاف باقي مناطق “درع الفرات”، ترتبط خطوط تماس المدينة مع جبهتين طويلتين نسبياً، الأولى مع “قوات سوريا الديمقراطية”، والأخرى مع قوات الأسد والميليشيات المساندة لها.
أما فيما يخص التسمية الأخيرة، وهي “درع المنطقة الآمنة” فارتبطت بالحديث التركي منذ قرابة أربع سنوات، أي ما قبل طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من الباب، مطلع عام 2017.
وفي ذلك الوقت كانت وسائل إعلام تركية قد حذّرت على لسان مسؤولين، بأن قوات الأسد و”قسد” وفي حال زحفهم باتجاه مدينة الباب، فإن مشروع “المنطقة الآمنة” في الشمال السوري سيكون مهدداً.
ضربات “نادرة” مُريبة
في مطلع فبراير/شباط 2020 تعرضت الباب لخمس غارات جوية من الطائرات الروسية، وذلك للمرة الأولى منذ السيطرة عليها من قبل “الجيش الوطني” بدعم تركي، في 23 فبراير/شباط عام 2017، وهو هجومٌ كسر هدوء المدينة و “ندرة” القصف الروسي على مناطق “درع الفرات”.
استهدفت الغارات حينها الأحياء المكتظة بالمدنيين وسط المدينة، وترافق معها قصفٌ بالهاون وقذائف المدفعية من جانب قوات الأسد المتمركزة على الجبهات القريبة منها.
هذه الحادثة لم تقف عند الحد المذكور، بل كانت بوابة لضربات جوية أخرى شهدتها المدينة على فترات متقطعة، كان أبرزها في يوليو/تموز 2020.
غارتان جويتان أكد “الائتلاف الوطني” بأن الطائرات الروسية هي من نفذتها، وأسفرت عن مقتل عدد من المدنيين، بينهم أطفال في تلك الفترة، وفي المقابل رجحت مصادر عسكرية أن القصف جاء كرد من موسكو، على الحزم التركي في ملف محافظة إدلب، وخاصة فيما يتعلق بملف الطريق الدولي حلب- اللاذقية.
ومع الدخول بالعام الجديد لم تسلم الباب من القصف أيضاً، لكنه لم يكن جوياً بل صاروخياً، حيث تعرضت المدينة في مطلع فبراير/شباط 2021 لقصف بخمسة صواريخ، أوقعت ضحايا مدنيين، وتقاطع حديث عدة مصادر آنذاك بأن مصدرها المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الأسد.
“محط خلاف تركي- روسي”
الصحفي ماجد عبد النور المقيم في ريف حلب، يرى أن لمدينة الباب “رمزية منذ انطلاقة عملية درع الفرات أواخر 2016″، ويقول إنها كانت “محط خلاف بين الروس والأتراك. الجيش التركي سيطر عليها في الرمق الأخير”.
ويضيف عبد النور في حديثه لـ”السورية.نت”:”الباب تقع على طريق حلب- اللاذقية، وهي أقرب لمدينة حلب، وهذه النقطة مهمة”، مؤكداً خصوصية المدينة، كونها محط صراع روسي- تركي، ما تزال تداعياته مستمرة حتى الآن.
ويمكن تفسير القصف الذي تتعرض له المدينة بين الفترة والأخرى، لكون الباب الجبهة الوحيدة ضمن مناطق “درع الفرات” المرتبطة مباشرة مع مناطق سيطرة قوات الأسد، في الريف الشمالي والشرقي لحلب.
وشبّه عبد النور مدينة الباب بنظيرتها إدلب، إذ اعتبر أن الروس يحاولون من خلال القصف والتصعيد المتفرق، إيصال رسالة وحيدة على أنها منطقة “غير آمنة”.
ويتابع: “تحاول موسكو القول: بإمكاني زعزعة المنطقة الحدودية كاملةً، بعيداً عن حديث الجانب التركي بأنها خط أحمر”.
“خاصرة رخوة”
من جملة التطورات العسكرية المحيطة بمشهد الباب، شهدت جبهاتها الجنوبية في الأيام الماضية (20 شباط 2021)، تحركات من جانب قوات الأسد، إذ استقدمت تعزيزات إلى عدة مناطق، حسب ما تحدث لـ”السورية.نت”، الناطق باسم “الجيش الوطني”، يوسف حمود.
وقال حمود في حديثٍ سابق، إن التعزيزات تمثلت برتل كبير من الفرقة 16 المنضوية بـ”الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا، مضيفاً: “انتشرت القوات في الجهة الجنوبية من الباب، في قرية العويشية وتل عرن وقرية أبو جبار، بالإضافة إلى منطقة قريبة من بلدة شعالة”.
لكن “الجيش الوطني” وعقب يوم من الإعلان عن وصول التعزيزات، قال إن تشكيلاته العسكرية في المنطقة “تراقب على مدار الأربع والعشرين ساعة دون انقطاع التطورات الميدانية، ونحن في حالة جاهزية تامة”.
المحلل العسكري، العقيد زياد حج عبيد، استعرض عدة نقاط تتميز بها الباب، في مقدمتها بأنها المركز التجاري الأكبر في المنطقة، وعقدة الوصل بين مناطق الشمال السوري.
ويقول عبيد لـ”السورية.نت”، إن “النظام وحليفته روسيا يحاولان دائماً زعزعة استقرارها، كونها تقع في منطقة جغرافية حساسة، بجوار مدينة منبج، وفي مدخل مناطق درع الفرات”.
وحسب العقيد المنشق عن قوات النظام، فإن الكثافة السكانية في مدينة الباب التي تؤوي عشرات آلاف السكان، تدفع النظام ليحاول مع روسيا “الضغط على تركيا بها، كونها تحوي العدد الأكبر من المهجرين أيضاً”.
ويرى عبيد، أن القصف الصاروخي من جانب قوات الأسد بالتزامن مع القصف الروسي، يمكن تفسيره من ناحية أن الباب تعتبر “خاصرة رخوة وضعيفة، كونها منطقة سهلية لا توجد فيها تضاريس أو جبال”.
ويضيف:”قد يفكر النظام مع روسيا بالاقتحام في المرحلة المقبلة، أو يستمرا بعمليات جس النبض، لكن الصورة العامة تفيد بأنهم سيصطدمون بالقوة العسكرية الموجودة لفصائل الجيش الوطني”.
ويلفت المحلل العسكري إلى أن “الباب تقع ضمن مرمى مدفعية النظام ودباباته، المنتشرة من مطار كويرس إلى بلدة تادف الواقعة على بعد كيلومتر عنها”.
فلتان أمني مختلف
بالعودة إلى المشهد الداخلي لمدينة الباب، بعيداً عما تشهده حدودها الجغرافية، فمنذ سنوات تعيش حالة فلتان أمني، كالتفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والدراجات المفخخة.
كذلك فإن المدينة شهدت عمليات اغتيال باتت تطال المدني والعسكري، والنشطاء الإعلاميين، والذين قتل منهم مؤخراً الناشط الإعلامي حسين خطاب، الملقب بـ”كارة السفراني”، على يد مسلحين مجهولين أطلقوا عشر رصاصات عليه في أحد أحياء الباب.
الصحفي ماجد عبد النور يرى أن هناك عدة أسباب تقف وراء حالة الفلتان الأمني، أبرزها وجود خلايا تتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وهي خلايا كانت قد عادت كما يقول إلى المدينة، بعد السيطرة على آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز بريف دير الزور.
ويقول عبد النور: “الخلايا محمية من شخصيات في الفصائل وبعض العائلات”.
وكانت فصائل “الجيش الحر” قد سيطرت على الباب مطلع عام 2012، وشاركت فصائل المدينة في دخول مدينة حلب بعد نحو عام، في وقت اشتد فيه عود تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي أخضع مدينة الباب لسيطرته مطلع عام 2014، قبل طرده منها في عملة “درع الفرات” مطلع 2017.
ويقول ماجد عبد النور، إن من خصوصية مدينة الباب، أن “هناك أسباب تتعلق بطبيعة السيطرة العسكرية على المدينة، حيث تحكمها عدة فصائل على خلاف باقي مناطق ريف حلب كإعزاز ومارع مثلاً”.
ويضيف أن “هناك أسباب أخرى تتعلق بكون الباب طريقاً للتهريب ولعبور المفخخات من مناطق قوات الأسد وقوات سوريا الديمقراطية”.
من جانبه يشير العقيد زياد حج عبيد، إلى أن “النظام ووحدات حماية الشعب يخترقان الباب من عدة مناطق، كونها قطاع جبهة كبير، مطل على جبهات القوتين المذكورتين”.
المزيد عن مدينة الباب: مدينة الباب..مبادرات اجتماعية ونقاشات ثقافية تحاول تجاوز التحديات
“المنتدى الشبابي” في مدينة الباب..عينٌ على الشباب والثقافة والهوية