بصورة مفاجئة، أعلن الاحتلال الإسرائيلي والنظام السوري، اكتمال صفقة تبادل أسرى بينهما، برعاية روسية، بموجبها تم إطلاق سراح أسيرين سوريين من محافظة القنيطرة، كانا معتقلين في السجون الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح فتاة إسرائيلية دخلت بطريق “الخطأ” إلى الأراضي السورية حيث منطقة القنيطرة، وتم اعتقالها من قبل الأمن السوري.
صحيح أنه تم فرض تعتيم إعلامي مشدد حول طبيعة هذه الصفقة، حقيقتها ودوافعها، والأهم الأثمان المدفوعة من قبل الجانبين، لكن المعلومات الشحيحة تحدث أن الإسرائيلية اجتازت الحدود السورية قبل أيام عدة، دون نشر تفاصيل كاملة بشأن هويتها ودوافعها.
لكن بدا واضحا أنه فور وقوع هذا الحدث الغريب في جغرافيته وتوقيته، دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية للحديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرتين، وطلب منه مساعدته في استعادتها، فيما عقد اجتماع طارئ لحكومة الاحتلال دعا إليه بشكل مفاجئ نتنياهو، لبحث مسألة متعلقة بسوريا.
في وقت لاحق، سافر مساعدان لنتنياهو إلى موسكو لإعادة تلك “الإسرائيلية”، وهما مستشار الأمن القومي مائير بن شبات ومنسق شؤون الأسرى والمفقودين يارون بلوم، وإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الروس بشأن تفاصيل هذه “الصفقة”، والأثمان المتوقعة.
رغم انقضاء الأمر، وتبادل أسرى الجانبين، فلا زالت عملية تبادل السجناء بينهما بمساعدة روسية، وسط غموض ما زال قائما يحيط بدخول تلك الفتاة الإسرائيلية إلى سوريا، ولم يتم الكشف عن هويتها بسبب أمر أمني يمنع تحديد هويتها، رغم أنها وصفت بأنها من عائلة متدينة، وهي في العشرينات من عمرها، وأقامت سابقا في مستوطنة “موديعين عيليت” بالضفة الغربية المحتلة، ولم يعرف سبب اجتيازها الحدود مع سوريا، حيث أوردت الصحافة الإسرائيلية تقارير متناقضة.
هناك من قال إنها حاولت مقابلة مواطن سوري التقطت صورته عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقال آخرون إنها تعاني من مشاكل نفسية، وحاولت مرة العبور إلى قطاع غزة، وألمحت تقارير أخرى إلى ارتباط المسألة برمتها بوجود عمليات حفر في مقابر سورية بحثا عن رفات العميل الإسرائيلي إيلي كوهين الذي اخترق النظام السوري، ثم ألقي القبض عليه، وأعدم عام 1965، ودفن في مكان مجهول، وزعمت أطراف رابعة أن تلك السيدة رغبت بالتحاور مع سوريا للمساعدة في السلام.
أياً كانت حقيقة اجتياز الإسرائيلية للحدود السورية، لكن التقارير المتواترة تتحدث أن الحدث حصل عند الجولان المحتل قبل أسبوعين، من منطقة لم يقم فيها سياج، وفشلت كاميرات المراقبة باكتشاف حركتها، ونظرا للشدة في الرقابة والحراسات الأمنية القوية، فربما كانت تعرف مقدما مكامن الضعف، حتى أن رواية إسرائيلية خامسة تضع فرضية أن الإسرائيلية ربما وصلت إلى سوريا عبر دولة ثالثة، من تركيا أو الأردن، وتم اعتقالها بعد وصولها إلى سوريا بفترة قصيرة، فيما علمت القوات الروسية باعتقالها، وقامت بإعلام إسرائيل.
الحقيقة أن هناك الكثير من المعطيات التي تفند الروايات الإسرائيلية بصورة لا تخطئها العين، لأن إسرائيل حاولت التغطية على حقيقة تلك الشابة التي أطلق سراحها النظام السوري، فقد قالوا إنها تجاوزت الحدود عند منطقة لا يوجد فيها جدار أمني، في حين أن الإسرائيليين الذين خدموا كجنود احتياط في الجولان يؤكدون أنه يستحيل أن يتجاوز أحد الحدود دون أن يكشفه جيش الاحتلال.
هذا يعني أنه في حال تجاوزت هذه الشابة الإسرائيلية الحدود السورية، فإن هذا يتطلب مساعدتها بطائرة بدون طيار، مما يرجح احتمالا كبيرا بأنها كانت في مهمة استخبارية إسرائيلية، لاسيما في ظل الاهتمام الكبير الذي أبدته إسرائيل لضمان الإفراج عنها، فضلا عن الاستنفار الروسي لضمان هذه النتيجة، مع أن الجيش الإسرائيلي يبدو مطالبا بأن يفحص كيفية عدم ملاحظته لعبور تلك الإسرائيلية للحدود السورية في مثل هذا المكان الحساس، وما هي إجراءاته لمنع تكرار هذا الإخفاق في مرات قادمة.
خرجت معلومات إسرائيلية، لم تؤكدها الأوساط الرسمية، مفادها أن النظام السوري أبلغ الروس باستعداده لتبادل السجناء، بعد أن تم التحقيق مع المرأة للتأكد من عدم ارتباطها بالمخابرات الإسرائيلية، وهي على خلاف مع بقية الإسرائيليين، فقد أبلغت محققيها السوريين بأنها لم تخدم في الجيش الإسرائيلي، وأقنعتهم أنه لا يوجد أي داع للإبقاء عليها رهن الاحتجاز، أو المطالبة بثمن عال لتسليمها.
الآن، وقد تم طي صفحة صفقة جديدة بين الاحتلال الإسرائيلي والنظام السوري، فقد فرضت الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية تعتيما كاملا على تفاصيلها، خاصة الثمن الذي طلبوه مقابل الإفراج عن الشابة الإسرائيلية التي عبرت الحدود معهم، لكن تسريب جلسة مجلس الوزراء بشأن هذه المسألة مثير للقلق، وربما كان يهدف لتعزيز صورة بنيامين نتنياهو على أنه يتمتع بعلاقات دولية، وقد تعني أن فلاديمير بوتين يقدم مساهمته في حملة نتنياهو الانتخابية.
منح تزامن هذه الصفقة مع الحملات الانتخابية الإسرائيلية أهمية إضافية، خاصة في ظل الفضول الطبيعي غير المرضي لوسائل الإعلام، بجانب السياسيين، عشية الانتخابات، بهدف إخراج عصير الليمون لأنفسهم، ومن المحتمل أنه لو لم يكن هناك مثل هذا التداعيات الداخلية، فإن الانشغال الشديد من السياسيين والإعلام في هذا الموضوع كان أقل مما هو عليه الآن.
يزعم الإسرائيليون أنه ليس لدى النظام السوري الكثير ليطالب إسرائيل من أجله في مجال إطلاق سراح الأسرى، إلا أن رفع الرقابة منعهم من المبالغة في تقدير ما يمكن أن تقدمه إسرائيل مقابل إطلاق سراح الشابة الإسرائيلية، ولذلك فضل وزير الحرب بيني غانتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يوضحوا للروس أن هذه قضية إنسانية بحتة من وجهة نظر إسرائيلية.
بدا الموقف الإسرائيلي واضحا بعدم إثارة مطالب سياسية عسكرية كوقف العمليات الإسرائيلية في سوريا لمنع تواجد إيران وحزب الله، أو على الحدود في هضبة الجولان وفي عمق سوريا، مع أن الروس أثاروا مثل هذا الاحتمال في تلميح خلال الاتصالات مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لكن ردها لم يترك مجالا لمزيد من النقاش حول هذه القضية، بزعم أن الحديث يدور عن قضية إنسانية لن تقدم إسرائيل أي تنازلات استراتيجية مقابل حلها.
الآن وقد انتهى أمر الصفقة، يجدر توضيح مسألتين مقلقتين: الأولى كيف عبرت شابة إسرائيلية الحدود إلى سوريا في وقت خضع فيه هذا النظام الحدودي لتحديث أمني كبير في السنوات الأخيرة، لأنه من المفترض مراقبته وحراسته بسبع عيون، وبكل الوسائل التكنولوجية المتاحة لإسرائيل، وقد كشف عبورها الحدود إلى سوريا عن ثغرة في المنظومة الأمنية يجب سدها، لئلا تستغلها عناصر معادية لإسرائيل.
لقد انتقلت الشابة الإسرائيلية إلى الأراضي السورية عند نقطة على الحدود حيث لا يوجد سياج، لكن ظروف المنطقة بالكاد تسمح بمرور شخص واحد، ولذلك يجب فحص كيف لم يتم ملاحظتها في تلك المنطقة، وما إذا كان أشخاص من المنطقة نقلوها عمدا إلى الأراضي السورية لأسباب “أمنية وسياسية”.
وكشف أن “الجيش وأجهزته الأمنية بدأت بالفعل التحقيق بالقضية، والتوصل إلى استنتاجات أولية حول المكان المحتمل الذي عبرت فيه الحدود، وكيف، لكن التفاصيل لن تُعرف إلا عند استجوابها عند عودتها لإسرائيل، على أي حال، فإن المكان الذي مرت فيه على الحدود الإسرائيلية هو خرق أمني يستدعي الخطر”.
المسألة الثانية أنه لماذا لم يتم تداول هذه المعلومات لوسائل الإعلام، حول ما يسمى بالاجتماع السري للحكومة الذي وافق على تنفيذ صفقة تبادل مع سوريا عبر الروس، مع العلم أنه من التسريبات حول اجتماع مجلس الوزراء غير المخطط له، خاصة تصريحات نتنياهو بعده، ظهر شك واضح أن شخصا ما كان مهتما بتضخيم القضية ليوضح للجمهور، أنه يستطيع إقناع بوتين للعمل من أجل قضية إسرائيلية، مما أظهر أن بوتين عمل من أجل نتنياهو عشية الانتخابات.
أخيراً.. من الواضح أن نتنياهو هو المستفيد الرئيسي من هذه الصفقة، بحيث أظهر مجددا قدراته على الساحة الدولية، الأمر الذي قد يساعده في الانتخابات المقبلة، ولعل هذه مساهمة متواضعة من بوتين، لكنها مهمة، في الحملة الانتخابية لصديقه نتنياهو.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت