قدر البنك الدولي كلفة إعادة الإعمار في سوريا بما يفوق 254 مليار دولار، رقم يبدو أشبه بالخيال لكن هذه هي الكلفة الحقيقية للتدمير الذي صنعه الأسد وآلته الحربية على مدى عشر سنوات، يجب أن يكون واضحا أن مساهمة المجتمع الدولي ستكون ضئيلة للغاية، وأن العبء الأكبر سيقع على السوريين أنفسهم، كما أن إعادة الإعمار لن تبدأ حقيقة إلا بعد تحقيق الانتقال السياسي فلا يمكن تخيل بدء هذه العملية وطائرات الأسد ما زالت تقصف المدن والقرى السورية.
أحد أهم التحديات في إعادة الإعمار النفسي والبشري هو العدد الضخم للمهجرين واللاجئين السوريين المبعدين عن مدنهم الأصلية المهدمة بفعل الحرب والراغبين بالعودة لمدنهم بعد انتهاء الحرب، هذا العدد الكبير يشكل تحديا بالتخطيط، وأيضا الخراب الكبير في المدن والبنية التحتية يشكل تحديا لسبل الوصول لاستقرار هؤلاء العائدين في مدنهم وبلداتهم الأصلية.
الفرصة هي بنفس هذا العامل فالمهاجرون واللاجئون هم قوة بشرية هائلة يمكن توظيفها في فترة إعمار المدن؛ لتقليل كلفة الإعمار، وإشراك هذه الشريحة في عمليات البناء سيساهم في بناء السلم الأهلي بالوصول بالجميع خلال الحرب نحو أهداف مشتركة في مرحلة البناء.
فالتحدي الرئيسي فيما يتعلق بإعادة الإعمار بعد الحرب هو في إعادة الاستقرار والأمل.
التحدي الثاني هو بتأمين الأموال اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار خصوصا مع الدمار الكبير الذي جرى بسوريا، والذي كانت أهم أسبابه الاستخدام المكثف لسلاح الجو من قبل نظام الأسد، فنحن نتحدث عن عشرات المليارات من الدولارات. هذه الميزانيات الضخمة مطلوبة لدولة صغيرة نسبيا ومحدودة الموارد كسوريا، وبالتالي فإنّ ذلك سيجعلها تعتمد على المساعدات من الدول المانحة آخذين بالاعتبار أنّ الوضع الاقتصادي الدولي حاليا ليس بأفضل حالاته بسبب انخفاض أسعار النفط وبطء نمو الاقتصاد العالمي، هذا الأمر يعطينا مؤشراً أولياً أنّ الأموال التي ستمنح لإعادة إعمار سوريا ستكون هزيلة للغاية، وقد لا تغطي التكاليف الأساسية.
التحدي الآخر والمتعلق بالاستقرار هو انتشار الميليشيات المسلحة من الطرفين سواء من قبل نظام الأسد الذي أعطى الضوء الأخضر للميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية للعمل على الأراضي السورية. وأيضا من طرف المعارضة المسلحة من جهة تعدد الفصائل وتفرقها. وبالتالي فإن جلب الاستقرار وإعادة الأمان تبدو مسألة معقّدة وتحتاج لكثير من الجهود الدولية والمحلية.
أمر مهم آخر، وقد ذكرته مرات عديدة، أنه بالنسبة لإعادة الإعمار ليس المهم هو الدمار البنياني لسوريا بل الأهم هو دمار النسيج الاجتماعي السوري، والذي باستمراره وعدم معالجته سيمنع عودة الاستقرار والأمل، وأيضا سيمنع عودة الوحدة السياسية بين الأطراف المجتمعية، من أجل الاتفاق على سوريا المستقبل.
تحدٍ آخر هو العدد الكبير من المهجرين الذين تركوا بيوتهم وأحياءهم حيث نتحدث اليوم عن أكثر من 8 ملايين لاجئ و 10 ملايين نازح داخليا، وبالتالي فإن ثلثي سكان سوريا تقريبا هم من المهجرين عن بيوتهم الأصلية، وعودة هؤلاء جميعا لبيوتهم وأحيائهم ومدنهم الأصلية، سيكون أمرا يمكن وصفه بالمعجزة.
وبالتأكيد هنالك تحديات أخرى، إنما هي أقل أهمية مثل إدارة التوقعات العالية للمواطنين السوريين، من عملية الإعمار ونتائجها خلال المراحل المقبلة.
فإنه وبسبب حجم الأزمة فإن الفرص تبدو شبه منعدمة. ولكن من هذه الفرص، فرصة إعادة تنظيم البناء العمراني في سوريا بشكل أفضل وأحدث مثل التخلص من الأحياء العشوائية.
أيضاً فإنّ مشاريع إعادة الإعمار ستشكل فرص عمل كبيرة للسوريين في الداخل والخارج.
كل هذه تبدو فرصا جيدة وبالتأكيد هنالك مزيد، ولكنني غير متأكد بأننا كسوريين وبالتشارك مع المجتمع الدولي قادرين على تجاوز التحديات الخطيرة التي ذكرت سابقاً والتي تمنع التقدم باتجاه الحل والبدء بالإعمار.
إنّ التحدي الأكبر أمام إعادة الإعمار المادي هو إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي السوري. فنظام الأسد خلال السنوات الست الماضية عمل بشكل رئيسي على تفريق وتفتيت السوريين والتحريض طائفيا بين الطوائف المختلفة ليستفيد من ذلك تحت مبدأ فرّق تسد، وأنّ بقاءه في الحكم هو الضمان الوحيد لوحدة سوريا الأمر الذي لم يعد صالحاً للتصدير أبداً بعد اليوم بل بعدما تدمر النسيج الاجتماعي السوري بفعل ممارسات ومنهجية تعامل هذا النظام مع الشعب.
لذلك وجب على النظام السياسي الجديد خلق سياسات موازية ترافق إعادة الإعمار من أجل التخلص من السياسات الطائفية السابقة بهدف إعادة اللحمة الوطنية للمجتمع السوري.
إنّ حجم الجرائم التي حصلت في سوريا تحتم القول إنّه لا يمكن تحقيق السلام من دون العدالة لذلك فإنّ منظومة العدالة الانتقالية هي أداة رئيسية ولا غنى عنها لشق الطريق نحو المصالحة. ونقول ببساطة إنّ سد باب العدالة الانتقالية في المجتمع سيفتح الباب المقابل له وهو سياسة الانتقام الفردي بل والانتقامات الجماعية والتي أضحت أحد سمات الحرب في سوريا اليوم بسبب غياب آليات وتطبيق العدالة بين السوريين.
وبالتالي فإنّ العمل بمبدأ العدالة الانتقالية خلال الفترة الانتقالية من خلال عملية محاسبة رؤوس النظام الملطخة أيديهم بالدماء، وأيضا عملية بناء وتقوية مؤسسات الدولة المختلفة وكذلك القيام بالتعويضات الضرورية كل ذلك ضروري من أجل تحقيق السلام المستدام.
إنّ من أهم هذه القيم الجمعية هي إيمان السوريين بوحدتهم وإنّ ما حدث بينهم في هذه الحرب كان بسبب سياسات مدبرة من نظام الأسد. فإنْ استطاع جميع السوريين من وضع هذه السياسات المفرقة خلفهم والانطلاق لما سيجمعهم لبناء سوريا معا من جديد فسيكون أمرا ممتازا. عكس ذلك إذا استمرت الخلافات والصراعات حول من يتحمل المسؤولية وأيضا تصاعد للتوترات الطائفية.
أنا اعتقد أنّ القيم الجمعية المشتركة بين السوريين جميعها كثيرة بل وكثيرة جداً. ولعل من أهم هذه القيم المتعلقة بإعادة الإعمار هو امتلاك السوريين لقيمة حب العمل مما سيجعلنا نعتقد أنّ مشاريع إعادة الإعمار ستتم بسواعد السوريين وخلال فترة قصيرة نسبياً.
أما عن الوسائل لبناء القيم الجمعية فيأتي بمقدمتها النخب والتي تقع عليها مسؤوليات سياسية واجتماعية كبيرة جداً خلال الفترة القادمة حيث مطلوب منها تنحية الخلافات الإيدولوجية والسياسية و الطبقية ومن ثم اعتماد المصلحة الوطنية العليا كمشترك وبوصلة لهذه النخب مجتمعة والتي بدورها ستحدد الاتجاه الذي ستسلكه سوريا المستقبل.
عندما نتحدث عن النخب فهم ليسوا القادة السياسيين بل هم أيضا القادة الدينيين والإعلاميين البارزين والقاعدة هنا أنّ كل من له تأثير بالرأي العام بشكل أو بآخر مهما قل هذا التأثير ومهما اتسع، كلهم مؤثرون بالوعي الجمعي والذي بدوره سيحدد شكل وتوجه سوريا المستقبل.
إنّ عملية بناء الوعي الجمعي للمجتمعات هي عملية تراكمية ومستمرة ولا تحصل بين ليلة وضحاها ولكن بالحالة السورية سيكون من الصعب جداً بل نوع من الترف التركيز على عملية بناء الوعي الجمعي في ظل الصراع العسكري وعدم الاستقرار السياسي. لذلك الأمر الأهم الآن لبدء عملية الوعي الجمعي هو وقف الحرب والبدء بعملية التسوية السياسية مما سيتيح لجميع السوريين صنع التاريخ الجديد لسوريا.
وعندما نتحدث عن السوريين فإننا نتحدث عن جميع المواطنين السوريين دون استثناء وذلك يتضمن حتى من ارتكبوا جرائم من أي طرف وذلك بمثولهم أمام العدالة لطي صفحة الإفلات من العقاب وثقافة اللامسائلة لعصر جديد قائم على سيادة القانون على الجميع والمحاسبة والمسائلة لأي مواطن سوري.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت