لكل عائلة أسرارٌ، لا تُكشف إلا بإذن أو بإنشقاق. وهو ما لا ينطبق حتى الآن على فضيحة رامي مخلوف، الذي أعلن تمرده، لكنه لم يحصل كما يبدو على تشجيع من أحد، ولم ينشق لكي يصبح معارضاً، ولم يلتحق بمتمردين من العائلة أو من محيطها القريب يعيشون اليوم في المهاجر.
كشف الابن المدلل للعائلة الذي يحفظ الكثير من أسرارها السياسية والمالية والامنية، عن خلاف بسيط نسبياً ، مثل أي خلاف يحصل بين أقارب، يدور حول مبلغ مالي متواضع حسب معايير الاسرة، يتمثل بضرائب غير مدفوعة..مع أنها كانت تذهب للفقراء!
الخروج الى العلن، عبر الفايسبوك، هو الخطأ الوحيد، الذي يمكن التسامح معه، عندما يسدد ما عليه من متوجبات، فتعود الامور الى سابق عهدها، لأن الظرف لا يسمح بالتمرد ولا بالاجتهاد في سبل إدارة ثروة العائلة وأموالها وممتلكاتها.. ولأن روابط الدم لا تبيح التعامل مع إبن الخال وفق التقاليد المروعة والمتبعة في مثل هذه الحالات.
هذا وجه من الفضيحة التي فجرها إبن الخال المعروف بحرصه الشديد على صون الاسرار، وعدم الكشف عن بعضها إلا بإذن، كما فعل في العام 2011 عندما خاطب إسرائيل جهاراً نهاراً. يومها كانت العائلة كلها في حالة رعب شديد، وكان لا بد من ذلك النداء، الذي لم يفاجىء الاسرائيليين لكنه أمدهم بالثقة والأمل في النظام. وهو ما زال سارياً حتى اللحظة.
لكن للفضيحة التي ربما إنتهت بتدخل وجهاء العائلة وبدفع ال200 مليون دولار المطلوبة لمصلحة الضرائب، وجوهاً أخرى مستعصية، تمس صورة النظام، وتسلط الضؤ على بنيته الداخلية المستندة الى مزيج من القبضة الحديدية والسطوة المالية.. من دون مسوغات الشرعية السياسية التي كان النظام يتمتع بها في السنوات الثلاثين الاولى من عمره.
في موسكو، كما في واشنطن، ذهول وإرتباك، وتحفظ شديد في تفسير تلك الفضيحة، العابرة. ليس هناك سند للقول ان مصدر الفضيحة روسي. نصف أموال العائلة موجود في المصارف، او في الممتلكات الروسية التي جهزت لاستقبال أفراد العائلة عندما يحين موعد الرحيل من دمشق. الباقي من الاموال موجود في الامارات، وفي لبنان، او في جنات ضريبية بعيدة لا تصلها العقوبات الدولية.
لو شاءت موسكو الضغط على العائلة لكانت طلبت من أحد كبارها، محمد مخلوف، والد رامي، المقيم في موسكو القيام بدفع “الضريبة”. أما الاستنتاج ان الفضيحة هي تتمة لما كشفه “طباخ بوتين” أخيراً عن فساد النظام وضعف رئيسه، وعن لوحة الثلاثين مليون دولار، فهو بحاجة الى الكثير من التدقيق. ثمة في واشنطن من يلمح الى أن الضغط على رامي وجناحه في العائلة يصيب موسكو مباشرة. وثمة في دمشق أيضاً همس مسموع جيداً عن سؤ العلاقة بين النظام وبين الكرملين، أفصح عنه بطريقة كاريكاتورية البرلماني السوري خالد العبود!
ما سُرب في واشنطن عكس بعض العطف على موسكو في موقفها الصعب في سوريا، الذي يعبر عن نكران الجميل من قبل النظام لما فعلته روسيا لحمايته والمحافظة عليه. لكنه لم يصل حتى الآن على الاقل الى حد الشك في أن ثمة يداً إيرانية خفية تحرض النظام على الروس وتوجهه نحو تحجيم النفوذ والدور الروسي.. فالحاجة الايرانية الى روسيا تزيد اليوم أكثر من أي وقت مضى، لا سيما في ضؤ الحملة العسكرية والسياسية الاميركية والاسرائيلية على ايران، والمصلحة في التعاون وتقاسم الادوار والعقود أقوى من ذي قبل، وإن كان المردود ضعيفاً جداً.
كان النظام وسيظل يعتمد على الحليفين الروسي والايراني، اللذين يكرران في كل مناسبة أنهما لا يعتمدا عليه، ولا يثقا به، ولا يراهنا عليه، لكنهما في مأزق البحث الشاق عن البديل، قبل ان يتسبب الابن الضال بفضيحة جديدة.. وقبل ان يحل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت