رحلة رغيف الخبز..كيف كسرت حكومة الأسد تدريجياً “الخط الأحمر”؟
اتبع مسؤولو حكومة الأسد، طرقاً وأساليباً مختلفة، كسروا من خلالها قاعدة “الخط الأحمر” المتعلقة بدعم الخبز وعدم التلاعب بأسعاره، منذ انقلاب حافظ الأسد وسيطرته عسكرياً على السلطة، واعتباره “الخبز قوت الشعب، يجب تثبيت سعره في إطار الدعم”.
لكن القاعدة التي ظن كثير من السوريين أنها لن تُكسر، بعدم اقتراب حكومة الأسد من رغيف الخبز، تغيرت منذ العام 2013، إذ لم تكتف حكومات الأسد برفع أسعاره، بل فرضت شرائح حددت من خلالها كمية الخبز للعائلات التي يشملها الدعم الحكومي، وأجبرتهم على شراء حاجتهم من الخبز في حال لم تكفيهم مخصصاتهم بالسعر الحر.
كيف كُسرت القاعدة؟
آخر الأساليب التي اتبعتها حكومة الأسد، ما جاء في تصريح رئيس الحكومة، حسين عرنوس، بتغيير مفهوم “الخط الأحمر”، بالنسبة لمادة الخبز الأساسية.
وقال عرنوس في حديثه لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، اليوم الخميس، إن “الخبز لا يزال خطاً أحمراً، لكن ليس بمفهوم سعر ربطة الخبز، بل بمفهوم استمرار دعم الزراعة، وتأمين القمح والدقيق إلى الأفران بحيث تبقى هذه المادة متوفرة وبسعر مقبول للمواطن”.
وعزى عرنوس إعادة تهيئة المفهوم، إلى الحالة و”الظرف الاستثنائي” الذي تعيشه سورية.
وحسب قوله، فإن أغلبية الناس لا تعرف كيفية تأمين القمح والدقيق، و”وعلينا التذكير بأن خزان القمح السوري مسلوب نتيجة الاحتلال الأميركي، وكذلك النفط، وأن الحكومة تستورد وتدفع بالعملة الصعبة لتأمين متطلبات المواطنين وضمان استمراره”.
تصريحات عرنوس السابقة حول الخبز، كانت ضمن الإطار العام وديدن الحكومات المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن مع إدخال بوادر تغيير.
إذ أكد في تشرين الأول 2020 خلال كلمة له أمام المجلس المركزي للاتحاد العام لنقابات العمال، أن “الخبز خط أحمر ولن يتم المساس به، إلا في الحدود البسيطة”، رغم تصريحه حينها بأن مخزون القمح يكفي شهر ونصف فقط.
وفي نفس الجلسة، أوضح وزير التجارة وحماية المستهلك السابق، طلال برازي، أن “المهم هو ضمان توفر وجودة الرغيف”.
ويبدو أن “الحدود البسيطة” التي تحدث عنها عرنوس، أصبحت حالياً تغيير المفهوم ككل.
كما أن تصريحه الأخير جاء بعد ثمانية أيام من تشديد ما يسمى “مجلس الشعب”، على أن “الخبز خط أحمر ولا يجوز أن ينحرم أحد منه تحت أي ظرف”.
وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق عاطف النداف، قال في أيلول 2020، إن “الخبز خط أحمر ولا يمكن زيادة سعره على الإطلاق”.
كيف تغير وزن وسعر ربطة الخبز؟
الالتفاف على الخط الأحمر وكسره بدأ في آب 2013، برفع سعر ربطة الخبز (8 أرغفة بوزن حوالي 1550 غراماً) من 15 ليرة سورية إلى 19 ليرة، وفي تموز 2014 إلى 25 ليرة، وفي كانون الثاني 2015 إلى 35 ليرة، وإلى 50 ليرة في تشرين الأول 2015 مع تخفيض عدد أرغفة الربطة إلى سبعة بدلاً من ثمانية (الوزن أصبح 1300 غراماً).
وبقي سعر ربطة الخبز ثابتاً حتى تشرين الأول 2020، لكن مع صدور تعديلات وقرارات، منها خطة اقترحها وزير التجارة السابق عبد الله الغربي، لجعل الرغيف أصغر حجماً (بقطر 25 سم) وزيادة عدد الأرغفة (11 رغيفاً).
ثم أدخل الخبز ضمن “البطاقة الذكية”، في نيسان 2020، وحُدد عدد الربطات المسموح بها للعائلة بأربعة ربطات، تبعها تحديد شرائح حسب عدد أفراد العائلة في أيلول من العام ذاته.
وتطبيق مبدأ “توطين الخبز”، الذي تحصل بموجبه العائلات على مخصصاتها اليومية، يقوم على ارتباط مجموعة منهم بنقطة بيع معينة، ليحصلوا على مخصصاتهم منها.
وبحسب التعميم الصادر في تموز 2021، عن وزارة التجارة الداخلية، يحق للشخص الواحد ربطة واحدة (7 أرغفة) كل ثلاثة أيام، والعائلة المكونة من ثلاثة أشخاص ربطة يومياً، والمكونة من أربعة أشخاص ربطتين يومياً.
وفي 29 كانون الأول 2020، تضاعف سعر ربطة الخبز ليصبح 100 ليرة (مع كيس نايلون 100، دون كيس 75) مع تخفيض وزنها ليصبح 1100 غراماً.
ثم تضاعف سعرها مرة أخرى في تموز 2021 ليصبح 200 ليرة.
يشار إلى أن الأسعار وتحديد الشرائح هي للخبز المدعوم، أما الشرائح المستثناة من الدعم حديثاً، فهي مجبرة على شراء الخبز الحر.
ويبلغ سعر ربطة الخبز الحر 1300 ليرة، حسب القرار الصادر من التجارة الداخلية في 1 شباط الحالي.
ولم يقف الأمر عند هذا الخبز فقط، إذ استبعدت حكومة الأسد مئات آلاف المواطنين من شرائح وفئات الدعم الحكومي، للمواد الأساسية (الخبز- البنزين- الغاز- المازوت- المواد التموينية… ).
وعزت الحكومة قرارها بـ”الوصول للشرائح الأكثر هشاشة”، بحيث يتعين على المستبعدين دفع ثمن تلك المواد بالسعر الحر.