استهدفت قوات النظام السوري فجر الاثنين نقطة مراقبة تركية في محافظة إدلب، ما أدَّى إلى استشهاد ثمانية أتراك أحدهم مدني. وقام الجيش التركي مباشرة بالرد على الهجوم، وقصف 54 هدفا تابعة للنظام السوري، ليقتل 76 جنديا من قوات النظام السوري، كما أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار.
التصعيد التركي ضد قوات النظام السوري التي تتحرك تحت المظلة الروسية للسيطرة على محافظة إدلب كان متوقعا، بعد أن أعلن المسؤولون الأتراك مرارا أن الجيش التركي لن يتردد في الرد على تعرض جنوده المتمركزين في نقاط المراقبة لأي هجوم تقوم به قوات النظام السوري.
العلاقات التركية الروسية شهدت عبر التاريخ صعودا ونزولا، وكلما تحسنت العلاقات بين أنقرة وموسكو، كانت أهداف الطرفين وتطلعاتهما وقراءتهما لكثير من الأحداث والتطورات مختلفة. وفي التقارب الأخير، على سبيل المثال، أرادت تركيا أن تحقق توازنا بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وعلاقاتها مع روسيا، لتضمن استقلالية مواقفها وتحمي مصالحها الوطنية، فسعت روسيا إلى دفع تركيا باتجاه الابتعاد عن حلفائها الغربيين كي تضطر في نهاية المطاف للانضمام إلى حلفاء روسيا أو تقترب، على الأقل، من موسكو قدر المستطاع لتدور في فلكها في بعض الملفات.
وفي الملف السوري، هدف روسيا غير هدف تركيا، كما أن توصل الطرفين إلى اتفاق في آستانا وسوتشي لا يعني أن تطلعاتهما متطابقة. بل التطورات الأخيرة تشير إلى أن تفسير موسكو للاتفاق يختلف عن تفسير أنقرة، وأن الأولى من خلال الاتفاقين تسعى إلى إعادة سيطرة النظام السوري على المناطق المحررة بما فيها محافظة إدلب. وتدل دعوة كل من الطرفين الطرف الآخر بعد التصعيد الأخير، إلى الالتزام ببنود اتفاقي آستانا وسوتشي وتعهداته، على أن الخلاف في تفسير الاتفاقين ما زال قائما بينهما.
قوات النظام السوري تقوم بالهجوم على محافظة إدلب، إلا أن الكل يعرف أن هذا النظام لا يمكن أن يتحرك ويتقدم شبرا واحدا دون موافقة موسكو. ولإفشال لعبة دفع قوات النظام السوري إلى الواجهة والتستر وراءها، بدأت تركيا ترد على هجمات تلك القوات، وتقول إنها تستهدف قوات النظام السوري لا القوات الروسية.
رئيس الجمهورية التركي في تصريحات أدلى بها بعد رد الجيش التركي على قوات النظام السوري، ذكر أنه لا داعي في هذه المرحلة للدخول في نزاع مع روسيا، مشيرا إلى أن أنقرة وموسكو لديهما مبادرات استراتيجية جادة للغاية، إلا أنه أكَّد في ذات الوقت أن الجيش التركي سيستمر في الرد على قوات النظام السوري بقوة كلما قامت الأخيرة بالهجوم على القوات التركية المتمركزة في نقاط المراقبة بمنطقة خفض التصعيد.
تصريحات أردوغان هذه ترمي الكرة في الملعب الروسي، وتترك الباب مفتوحا لعدة احتمالات. فالاحتمال الأول أن تنجح الجهود الدبلوماسية ليتم لجم قوات النظام السوري من قبل روسيا، والاحتمال الثاني أن يستمر رد الجيش التركي على تلك القوات كلما قامت باستهداف نقاط المراقبة. وأما الاحتمال الثالث فهو اشتباك القوات الروسية مع القوات التركية لحماية قوات النظام السوري، لتضطر تركيا في تلك المرحلة للدخول في نزاع مع روسيا.
هجوم قوات النظام السوري على نقطة المراقبة التركية جاء قبيل زيارة أردوغان لأوكرانيا. وخلال استقباله في كييف، حيا جنود حرس الشرف الأوكراني قائلا: “المجد لأوكرانيا”، وشدد على أن تركيا ستواصل دعم سيادة أوكرانيا ووحدة ترابها، ولن تعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم. كما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره التركي، أن جيش بلاده سيحصل على مساعدة من تركيا بموجب اتفاق التعاون العسكري بين البلدين. ومن المؤكد أن هذه الزيارة لها دلالات، منها أن أي نزاع ينفجر بين تركيا وروسيا في الملف السوري لن يبقى مقتصرا على ذاك الملف، بل يمتد إلى ملفات أخرى، مثل أوكرانيا والقرم.
الرد التركي على قوات النظام السوري رسالة بعثتها أنقرة إلى موسكو، مفادها أن تركيا شاركت في مباحثات آستانا وسوتشي، ليتم الاتفاق على نقاط يجب أن تلتزم بها جميع الأطراف، وأن محاولة فرض أمر واقع جديد بعد التوصل إلى اتفاقٍ هو سلوكٌ غير مقبول أبدا، وأن تركيا لن تنسحب من نقاط المراقبة، ولن تتخلى عن حماية مدينة سراقب ومحافظة إدلب على الإطلاق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت