رغم خطة الأسد “اللاتقليدية”..الليرة تتهاوى بين “المضاربة” وتخبط القرارات
بعد استقرار دام أكثر من أربعة أشهر لليرة السورية أمام الدولار عند حدود 2200 و2400 ليرة سورية، يعود سعر الصرف مجدداً للارتفاع مقترباً من حدود ثلاثة آلاف، لتبدأ التحليلات الاقتصادية ودراسة الأسباب، ترافقاً مع زيادة الأسعار وعجز حكومة الأسد بالتدخل وإيقاف نزيف العملة.
وعلى مدى السنوات الماضية ومع تراجع وتدهور سعر الصرف حيناً وثباته حيناً آخراً، صدرت مئات المقالات التحليلية الاقتصادية حول الأسباب وذكر العوامل التي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في انخفاض قيمة الليرة، وربطها بالعقوبات الاقتصادية والأزمة اللبنانية وتراجع إنتاج السوق المحلية.
لكن رغم بقاء هذه العوامل إلا أن ذلك لم يمنع الليرة من الثبات لفترات تصل عدة أشهر، قبل أن تعود إلى التدهور مجدداً، لتبدأ التساؤلات عن السبب الرئيسي الذي يتحكم بسعر الصرف، والذي حددته وزيرة الاقتصاد الأسبق في حكومة الأسد، لمياء عاصي، بـ”المضاربة”.
وتساءلت عاصي في منشور لها في فيس بوك”، الجمعة الماضي، “إلى متى سنبقى ندور حول أنفسنا، ونعلق في فخ المضاربة على العملة الوطنية؟”.
وقالت عاصي “معروف أن المضاربة تسبب ارتفاع معدل التضخم، وبالتالي ارتفاع الأسعار، وتؤثر سلبًا على العملية الإنتاجية وعلى قيمة الإيرادات العامة للدولة وتآكل مدخرات الأفراد، وينخفض الإنتاج ويرتفع معدل التضخم مرة أخرى، ونبقى ندور في نفس الدائرة “.
وفي معرض ردها على التعليقات، اعتبرت عاصي أن “ألعاب المضاربة خطيرة جداً، وقد تودي باقتصاد البلد”، مشيرة إلى أنه “يوجد كميات من الذهب (في سورية) وهي تشكل غطاء جزئي، ولكن الدول عادة تعتمد على الإنتاج الصناعي والزراعي والأصول التي تملكها، المشكلة في كفاية الغطاء وفي عمليات المضاربة”، مؤكدة أن “الحل عند أصحاب القرار”.
ما هي المضاربة؟
تعرف المضاربة بأنها شراء أصل من الأصول قد يكون سندات أو سلع والاحتفاظ بها على أمل أن يصبح سعرها أعلى في وقت لاحق بسبب قلتها في السوق، ثم بيعها لتحقيق ربح سريع.
وتتنوع أنواع المضاربات في الاقتصادي لكن أشهرها في سورية، هو المضاربة على الدولار، إذ يعمل أشخاص قد يكونوا تجار أو رجال اعمال على سحب الدولار من السوق، ما يؤدي إلى زيادة الطلب عليه، كما يزيد عرض الليرة السورية دون الطلب على شرائها.
ونتيجة زيادة الطلب على الدولار وتهافت الكثيرين لشرائه لأسباب عدة، منها يتعلق بالاستيراد أو بداعي السفر، تزامناً مع كثرة عرض الليرة السورية مع قلة شرائها، فإن ذلك يؤدي إلى تدهورها بشكل مستمر وارتفاع في سعر الصرف.
خطة الأسد أين؟
على مدى الأيام الماضية بدأت الليرة السورية بالتراجع بشكل ملحوظ، فقد سجلت في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي 2600 ليرة للدولار الواحد، وبعد خمسة أيام 2770 ليرة، قبل أن تسجل، اليوم الأحد، 2975 ليرة، بحسب ما ذكره موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات الأجنبية.
ويأتي التدهور رغم إعلان رئيس النظام، بشار الأسد، عن وجود خطة وصفها بأنها “غير تقليدية” لضبط سعر الصرف.
وقال الأسد، خلال خطابه أمام أعضاء مجلس الشعب في 12 أغسطس/ آب الماضي:“بكل تأكيد لدينا خطة، ولو لم يكن لدينا لكنا اليوم في مكان آخر منذ عام 2012، وهذه الخطة خطة غير تقليدية”.
وحدد الأسد حينها عوامل تؤثر في سعر صرف الليرة وأبرزها من وجهة نظره “الهلع الشعبي لشراء الدولار”، بعدما فقد السوريين الثقة في عملتهم، قائلاً إن “العوامل لم تتغير، سعر الصرف كان يخضع للمضاربة من الخارج بحكم الحرب ومن الداخل بحكم الجشع، فإذاً لم تكن هناك تغيرات طارئة والاقتصاد نفسه والتصدير المحدود كان هو نفسه، فإذاً العامل الوحيد كان هو الهلع الشعبي”.
لكن رئيس النظام اعتبر خلال كلمة له خلال زيارته لمعرض “منتجين” في التكية السليمانية في دمشق مطلع الشهر الحالي، إن “سبب الأزمة الاقتصادية ليس الحصار على سورية، وإنما المشكلة هي الأموال التي أخذها السوريون ووضعوها في المصارف اللبنانية”.
وأضاف أن “المصارف اللبنانية أغلقت ودفعنا الثمن، وهذا هو جوهر المشكلة التي لا أحد يتحدث بها”.
وقال أنه لا يعرف قيمة الأموال المودعة في المصارف اللبنانية، لكن “في الحد الأدنى يقال أنه يوجد 20 مليار دولار أمريكي، وفي الحد الأعلى يقال 42 مليار دولار”، واصفاً الرقم بـ”المخيف” بالنسبة لاقتصاد سورية.
ويأتي تدهور الليرة الأخير في ظل غياب أي تصريح من قبل مصرف سورية المركزي أو حكومة الأسد، حول الأسباب والخطط والقرارات التي يمكن اتخاذها لمواجهة التدهور، وسط واقع معيشي صعب في المناطق التي تخضع لسيطرة حكومة الأسد من ارتفاع الأسعار.