منذ شهر تموز/يوليو 2018 وحتى الآن تعيش محافظة درعا في الجنوب السوري حالة من “روتين الاغتيالات”، ففي كل يوم تسجل حادثة هنا وأخرى هناك من الريف الشرقي إلى الريف الغربي.
ولا تقتصر على فئة دون غيرها، بل تطال مدنيين وعسكريين وأشخاص في مناصب إدارية في المؤسسات الحكومية التابعة لنظام الأسد.
واللافت أن الجهة المسؤولة عن هذه الحوادث لم تعرف هويتها، في ظل شكوك عن مسؤولية الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد، وأيضاً خلايا تتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، والذي كان له نشاط عسكري في منطقة حوض اليرموك “الاستراتيجية”، حتى أواخر 2018.
ومنذ عودة سلطته العسكرية إلى جنوب سورية بعد “اتفاق التسوية” الذي رعته موسكو اتبع نظام الأسد سياسة إعلامية “خاصة” بشأن تحركاته أو تحركات الأطراف العسكرية الأخرى التي فضت البقاء بسلاحها.
ولا يعلّق نظام الأسد عن الأطراف المسؤولة عن حوادث الاغتيال، وتقتصر تغطية إعلامه الرسمي على تلك التي تطال قواته أو عناصر الميليشيات المساندة له، مع اتهامات لما تسميها بـ”المجموعات الإرهابية” بالوقوف ورائها.
“مستويات خطيرة”
وفق إحصائية حصلت عليها “السورية.نت” من “مكتب توثيق الشهداء في درعا” فقد شهدت المحافظة منذ مطلع أيار / مايو الحالي 20 حادثة اغتيال، أسفر عنها مقتل 19 شخصاً، وإصابة 3 آخرين.
وتوضح الإحصائية أن 18 من عمليات الاغتيال تم تنفيذها عبر إطلاق الرصاص المباشر، إلى جانب حادثتين بالعبوات الناسفة. وتنقسم هذه الحوادث وفق الإحصائية بين 8 استهدفت قوات الأسد، أما الأخرى فطالت مدنيين أو من وقعوا سابقاً على اتفاق “التسوية”، في أواخر عام 2018.
ومن الأرقام المذكورة يكون معدل القتل بالاغتيالات في درعا بنسبة حادثة ونصف في كل يوم، وهو مستوى “خطير”، لكنه ليس جديداً بالمطلق قياساً بالأشهر الماضية، بحسب ما تقول مصادر حقوقية لـ”السورية.نت”.
وتضيف المصادر أن شهر نيسان / أبريل الماضي شهد أكثر من 60 حادثة اغتيال، طالت مدنيين وعسكريين ومقاتلي فصائل المعارضة السابقين، والذين انضووا في “اتفاق التسوية”.
وتشير المصادر إلى المعدل الشهري لعمليات الاغتيال في درعا ومنذ توقيع “اتفاق التسوية” يتراوح ما بين 30 إلى 50 حادثة.
“خبير يتوقع الأسوأ”
في سياق ما سبق وبينما تنسب الحوادث إلى خلايا ذات نفس معارض لنظام الأسد، يراها آخرون أنها ترتبط بخلايا تتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، والذي كان يسيطر على منطقة حوض اليرموك بشكل كامل.
في حين تغيب أي تعليقات من جانب نظام الأسد عما يجري على الأرض، والذي كان لسيطرته على محافظة درعا طابعاً خاص، اختلف عن سيطرته على باقي المناطق السورية، سواء في ريف حمص الشمالي أو الغوطة الشرقية.
المحلل والخبير العسكري، العقيد إسماعيل أيوب يقول إن عمليات الاغتيال في الجنوب السوري باتت “روتينية” منذ دخول قوات الأسد بدعم من روسيا.
ويؤكد أيوب في حديث لـ”السورية.نت” المعدل الوسطى الذي أوردته المصادر الحقوقية، مشيراً إلى أن النسبة تزيد عن 40 حادثة اغتيال بمعدل شهري.
ويضيف الخبير العسكري: “كافة الشبان الذين حملوا السلاح ضد النظام سواء ضمن الجيش أو فصائل معارضة أخرى هم مدرجين على قائمة الاغتيال”.
واعتبر أيوب أن قوات الأسد ليست في عجلة من أمرها على تصفية حملة السلاح في درعا، حيث “وضعت أجندة خاصة بشأن الاغتيالات، وتقوم بها الأجهزة الأمنية من المخابرات الجوية والأمن العسكري وأمن الدولة وغيرها”.
ويتوقع الخبير العسكري “الأسوأ” على صعيد عمليات الاغتيال في محافظة درعا، مشيراً “لن تتوقف عمليات الاغتيال مادام هناك شخص واحد دخل في اتفاق التسوية سابقاً مع النظام السوري. هؤلاء سيقتلون جميعا وهذه هي الحقيقة”.
من يسيطر على الأرض؟
السيطرة العسكرية على أرض درعا وطبيعة الأطراف النافذة، تصب بشكل أو بآخر في حالة الفوضى التي تشهدها المحافظة.
وفي تصريحات سابقة لـ”السورية.نت” قال عمر الحريري عضو “مكتب توثيق الشهداء في درعا” إن اتفاق “التسوية” أوجد قوة موالية لروسيا تسيطر على مساحة مهمة من ريف درعا الشرقي، لا يمكن لنظام الأسد دخولها، وهي مدينة بصرى الشام، الخاضعة لسيطرة “الفيلق الخامس”.
وبحسب الحريري أتاحت اتفاقية “التسوية” أيضاً لنظام الأسد الدخول بشكل جزئي إلى محيط درعا البلد وبلدة طفس في الريف الغربي، أي أن كلا المنطقتين، وغيرهما، ما زالتا خارج السيطرة المباشرة لقوات النظام عملياً.
ومما سبق أصبحت درعا أمام مشهد يتكون من مناطق خارجة عن السيطرة الكاملة وانتشار واسع للسلاح المتفلت، لتضاف إليها الانتهاكات التي ارتكبها النظام وعمليات الاعتقال، والتنصل من الوعود بتعزيز الخدمات والإفراج عن المعتقلين.
وأوضح الحريري أن ما سبق عزز من حالة الاحتقان وظهور المجموعات التي تتملكها الرغبة بـ “إزعاج” نظام الأسد في درعا، دون إغفال الحديث المتكرر عن تعدد الولاءات بين الأطراف المسلحة المختلفة، لافتاً إلى “معادلة كاملة الأركان لظهور الفوضى المسلحة وعمليات الاغتيال التي تشهدها درعا اليوم”.