روسيا تحاول خنق إدلب إنسانياً.. وإغاثيون يخشون “سيناريو الغوطة”
ثلاثة أشهر فقط تفصل ملايين السوريين في الشمال السوري عن قرار تجديد تمرير المساعدات الإنسانية إليهم عبر الحدود في مجلس الأمن الدولي، والذي بات التصويت عليه في كل عام بمثابة “هاجس” تحاول فرضه روسيا لتحقيق مآربها السياسية من جهة، ولدعم “شرعية” النظام السوري من جهة أخرى.
وتبلغ المدة الزمنية للقرار عام واحد لإدخال المساعدات، وفي السنوات الماضية وبصورة متواترة كانت موسكو ومعها بكين قد استخدمتا حق النقض الفيتو ضده، الأمر الذي قلّص المعابر التي تستهدفها عملية إدخال المساعدات من خمسة أولاً ومن ثم ثلاثة، ومؤخرا في العام الماضي إلى معبر واحد، وهو “باب الهوى” الواصل بين تركيا ومناطق سيطرة فصائل المعارضة.
في الأيام الماضية ساد تخوف من قبل ناشطين إنسانيين وإغاثيين من عرقلة روسيا لقرار تمرير المساعدات في الأشهر المقبلة، لاسيما في ظل التحركات التي بدأتها الأخيرة، بطرحها لاتفاق يقضي بفتح 3 معابر داخلية بين مناطق النظام السوري والمعارضة، في كل من إدلب وريف حلب.
وبينما لم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب التركي حول اتفاق المعابر الذي طرحته موسكو على العلن، تحدثت مصادر أمنية تركية لوكالة الأناضول منذ أيام أن هذه الفكرة “لا تبدو جيدة في الوقت الحالي”.
ومع ذلك ماتزال الصورة ضبابية حتى الآن، لاسيما بعد توجه روسيا منذ يومين لسحب الإعلان عن “اتفاق المعابر”، دون أن تقدم أية تفاصيل إضافية، تتعلق بما سيكون عليه مشهد الشمال السوري في المرحلة المقبلة، من الناحية الإنسانية.
“تخوف من سيناريو الغوطة”
المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج” الإنسانية، المهندس هشام ديراني يرى أن التقارير المتداولة والسلوك العام للأمم المتحدة وما تعمل عليه موسكو حاليا يفيد بإمكانية عالية استخدام الأخيرة للفيتو عند التصويت على تجديد قرار تمرير المساعدات عبر الحدود، الأمر الذي يؤدي إلى إغلاق معبر “باب الهوى”.
يقول ديراني في تصريحات لـ”السورية.نت”: “ستكون هناك نتائج كارثية على العمل الإنساني، ولن يكون هناك أي حل بديل، حتى ولو فتحت موسكو المعابر الداخلية، والتي تخضع لسيطرة النظام، وبالتالي سيكون متحكماً بها بشكل كامل”.
“مناطق شمال سوريا ستتحول إلى منطقة محاصرة يسكنها أربعة ملايين مدني”، وحسب ديراني: “حتى الآن هناك احتمالات كبيرة ومرجحة بعدم تجديد قرار تمديد المساعدات. هناك نقاشات وكأنه أمر مفروغ منه”.
من جانبه يشير الطبيب زاهر سحلول مدير منظمة “ميدغلوبال الإنسانية” إلى حديث السفير الروسي الأخير في الأمم المتحدة، والذي ذكر عدة مرات سابقة أن بلاده ستستخدم حق النقض الفيتو في يوليو المقبل.
يوضح سحلول المقيم في ولاية شيكاغو الأمريكية وكان قد زار شمال سورية في الأيام الماضية أن موسكو تحاول أن تمرر المساعدات عن طريق النظام، وهو ما بدا بالاتفاق الذي طرحته مؤخراً بشأن فتح ثلاثة معابر داخلية.
واعتبر الطبيب السوري إلى أن المعابر الداخلية وفي حال فتحها ستؤدي إلى خنق الشمال السوري وبالأخص محافظة إدلب إنسانياً، كما كان الحال في الغوطة الشرقية والزبداني ومضايا.
وجميع المناطق المذكورة، تعرضت لحصار طويل، وعندما كان نظام الأسد يُتيحُ إدخال قوافل الإغاثة الدولية إليها، بعد ضغوطات، كانت تصل بكميات قليلة غير كافية لعدد السكان المتواجدين، حسبما يقول سكان محليون عاشوا الحصار بهذه المناطق.
ويضيف سحلول: “النظام كان يمنع دخول المساعدات إلى الغوطة الشرقية بنسبة 90%. بمعنى أنه يمررها مثل القطارة. يستولي على المساعدات الأساسية كحليب الأطفال واللقاحات ويدخل الشيء الضئيل”.
كيف تمر المساعدات عبر الحدود؟
ويحمل قرار تمديد المساعدات إلى سورية رقم “2165”، وكان قد صدر في تموز /يوليو من عام 2014.
وبموجب القرار الذي صدر في مجلس الأمن الدولي أُذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها عبره باستخدام الطرق العابرة لخطوط التماس والمعابر الحدودية، كـ”باب السلامة، باب الهوى، اليعربية، الرمثا”، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك اللوازم الطبية والجراحية إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سورية.
ولم تخفِ روسيا معارضتها لنص القرار ومضامينه منذ البدء به، لكن استخدامها “حق النقض” لتعطيله في كانون الأول/ديسمبر 2019، مثّل “سابقة” باتت تتكرر في كل عام.
وتتذرع روسيا في محاولاتها عرقلة تمديد القرار، بأن إدخال المساعدات عبر الحدود، دون موافقة النظام، يعتبراً خرقاً لـ”سيادة سورية”.
في المقابل يرى ناشطون ومسؤولون إغاثيون أن موسكو تحاول أن تجعل من قرار تمديد عبور المساعدات “بطاقة تفاوضية مع الأتراك، وبالتالي الأمريكان، حول مستقبل المنطقة”.
ودائماً ما تستخدم موسكو بطاقات القوة، والضغط من أجل خلق وزن أكبر في المنطقة، وهو ما بدا في الأسابيع الماضية بسلسلة ضربات نفذتها على الشمال السوري، واستهدفت بها أسواق حيوية للمحروقات وأخرى لأماكن تجمع القوافل الإنسانية في ريف سرمدا الحدودية.
“من الحدود إلى الخطوط”
لم يكن التصعيد الروسي على شمال سورية وما تبعه من اتفاق المعابر الداخلية عن عبث، بل هناك ربط كبير بين هذين التطورين، ويراه المسؤولون الإغاثيين الذين تحدثت إليهم “السورية.نت” خطوة للضغط من أجل تمرير المساعدات من الحدود إلى الخطوط، بمعنى من “باب الهوى” إلى الوصلات التي تربط مناطق النظام بإدلب وريف حلب.
وتحاول تحاول استغلال فتح المعابر الداخلية التي تكلمت عنها في الوقت الحالي، حسب ما يقول المهندس هشام ديراني.
ويضيف ديراني: “المعابر هي تجارية بحتة، ويتحكم بها النظام بشكل كامل، وبالتالي مرور أي مساعدات إنسانية عبرها سيشكل تفاصيل سيناريو يشبه مرور المساعدات إلى الغوطة الشرقة، في أثناء المجاعة”.
بدوره يوضح الطبيب زاهر سحلول أن موسكو “تستخدم موضوع التهديد بالفيتو لابتزاز المجتمع الدولي ومجلس الأمن، من أجل إخضاعهما لإرادتها فيما يتعلق بالملف السوري”.
ويقول سحلول: “تحاول روسيا جعل قرار تمرير المساعدات كورقة للمفاوضات مع المجتمع الدولي”، مضيفاً: “يقطن في إدلب وشمال سورية أكثر من 4 ملايين مدني. نصفهم من نازحي الغوطة وحمص وحلب وبقية المناطق، والوضع الإنساني مرتبط بشكل كامل بمعبر باب الهوى”.
وتحاول المؤسسة الإنسانية التي يرأسها الطبيب السوري في أمريكا مع بقية المؤسسات الإنسانية الأخرى الاستمرار بالضغط والتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تمرير المساعدات عبر الحدود، ولمنع الروس من استخدام الفيتو.
أمريكا تدخل على الخط
أمام ما سبق لاحت في الأيام الماضية بوادر خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، بشأن التجديد لقرار مجلس الأمن حول إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود، دون موافقة نظام الأسد.
وفي تصريح للخارجية الأمريكية، الأربعاء قال المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، إن واشنطن “ستواصل العمل لإيصال المساعدات إلى السوريين، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه”.
وأضاف: “سنعمل مع مجلس الأمن لتجديد تفويض الأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى السوريين المحتاجين”.
وجاء ذلك تأكيداً لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خلال ترأسه لجلسة في مجلس الأمن، أمس، والتي حث فيها على وقف تحويل المساعدات الإنسانية في سورية إلى قضية سياسية.
وطالب الوزير الأمريكي، بفتح 3 معابر حدودية من أجل إيصال المساعدات إلى سورية، بموجب قرار مجلس الأمن “2165”، هي معبر باب الهوى وباب السلامة الحدوديين مع تركيا، إلى جانب معبر اليعربية الحدودي مع العراق.
في المقابل اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أن “المساعدة العابرة للحدود تنتهك مبادىء القانون الدولي، لأن الحكومة السورية القائمة لا تناسب الغرب”، مشيراً إلى أن هناك “ثمة تسييساً متزايداً للمساعدة الإنسانية”.
ووفق ما يقول مدير منظمة “ميدغلوبال الإنسانية” الطبيب زاهر سحلول فإن الأمم المتحدة تعمل على الضغط من أجل تمديد قرار المساعدات إلى الشمال السوري، في جلسة تموز/يوليو المقبل.
وأضاف الطبيب في سياق حديثه: “اجتمعت مع منسق الأمم في غازي عنتاب مارك كاتس وذكر أن نسبة احتمال الفيتو الروسي 50% حسب رؤيته”.
وأشار كاتس إلى أنه “يوجد إمكانية لإقناع الروس بعدم استخدام الفيتو، لكن الأمر يتعلق بسياسات مختلفة وبالوضع الاقتصادي والإنساني التي تمر به مناطق سيطرة النظام السوري”، حسب ما ذكره سحلول.