روسيا تخلط أوراق “الدستورية”.. رسائل عابرة أم مؤشرات للمستقبل؟
ست جولات “مخيبة للآمال” من عمل “اللجنة الدستورية السورية” دارت بعيداً عن مقصدها بمناقشة الدستور الحالي “الإشكالي”، ووضع بنود لدستور جديد يفتح صفحة انتقال سياسي في سورية، لتأتي تصريحات مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، وتعزز تلك الخيبات ناسفةً جميع الجهود المبذولة على مدى عامين من تأسيسها.
وفيما فقدت شريحة كبيرة من السوريين أملها بنتائج مصيرية قد تتمخض عن تلك اللجنة، اعتبر كثيرون أن التصريحات الروسية قد تخفي وراءها دلالات ورسائل تنوي روسيا إيصالها للمجتمع الدولي من جهة، ولوفد المعارضة من جهة أخرى، وسط ترقب لما ستحمله الجولات المقبلة.
تصريحات لافرنتيف كانت خلاصتها أن أي دستور قد يتمخض عن اللجنة الدستورية، يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة، معتبراً أن “الحكومة السورية راضية عن الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديلات”، ما أحدث بلبلة وتساؤلات في الأوساط السياسية حول أهداف وتوقيت التصريح.
تصريح عابر أم مؤشر للمرحلة المقبلة؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي، أن تصريحات المبعوث الروسي جاءت نتيجة لمقدمات بدت معطياتها واضحة منذ البداية، ذلك أن الروس سعوا منذ مطلع العام 2017 إلى الالتفاف على القرارات الأممية، ومن ثم ابتدعوا فكرة مؤتمر “سوتشي” نهاية عام 2018 الذي أفضى إلى اللجنة الدستورية، حسب تعبيره.
وأضاف النيفي في حديثه لموقع “السورية نت” أن اختزال القضية السورية بلجنة دستورية بالنسبة للروس، هو في أفضل الأحوال وسيلة لكسب الوقت، بغية “ترويض” المعارضة ومن ثم تعويم وإنتاج نظام الأسد من جديد.
واعتبر الكاتب والمحلل السوري أن تصريحات لافرنتيف هي إفصاح صريح عن الهدف الروسي من مسار المفاوضات، والتي لا يمكن أن تفضي إلى تغيير السلطة في دمشق أو المساس بصلاحيات بشار الأسد، وفق الرؤية الروسية.
وأضاف: “أعتقد أن لافرنتيف لم يكن مازحاً أو مهرجاً ولا صاحب رسائل يريد توجيهها إلى أطراف محددة كما يتوهم البعض، بل يتحدث بغاية الصراحة. يريد إفهام المعارضة أو إخبارها بضرورة معرفة السقف الذي يفاوضون تحته، وهو بذلك منسجم تماماً مع كافة تفاصيل السياسة الروسية حيال القضية السورية”.
أما المحلل السياسي المقرب من روسيا، رامي الشاعر، رأى أن تصريح المبعوث الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، هو تصريح شكلي عابر، جاء بمبادرة شخصية منه بعد المباحثات التي أجراها في جنيف و”أستانة” مع الشخصيات السورية المختلفة.
وقال الشاعر في حديثه لموقع “السورية نت” إن التصريح لا يحمل أي دلالات جديدة للمرحلة المقبلة، وأنه ليس أمام روسيا سوى السير في التهيئة لعملية انتقال سياسي سلمي في سورية، بموجب قرار مجلس الأمن رقم “2254”.
وأضاف: “البعض يعتقد أن روسيا حققت أهدافها في سورية ولم تعد تهتم بالتسوية السياسية، وهذا غير صحيح. الجميع مهزومون طالما أن الشعب السوري يعاني ظروفاً إنسانية مأساوية”، مشيراً إلى أن الموقف الرسمي الروسي يؤكد على أهمية عمل “اللجنة الدستورية” باعتبارها مفتاح تطبيق القرار “2254”، حسب قوله.
أما العضو في الهيئة المصغرة لـ “اللجنة الدستورية”، حسن الحريري، فسّر تصريحات لافرنتيف على أنها “إعلامية” تهدف لإيصال رسائل إلى دول أخرى تواجه روسيا في الملف السوري أو ملفات أخرى.
وقال الحريري لموقع “السورية نت” إن “العملية الدستورية لم تصل بعد إلى مناقشة باب السلطات في الدستور، ولا تزال بمرحلة صياغة المبادئ الأساسية، ما يشير إلى أن تصريحات لافرنتيف عابرة وتدل على وجود نقاشات بدوائر أخرى حول ملفات مختلفة”.
وأضاف: “مثل هذه التصريحات ليست غريبة عن الروس المحتلين لسورية، فقد سمعنا تصريحات أشد على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وغيره من المسؤولين”.
لماذا لم تنسحب المعارضة؟
وضعت تصريحات لافرنتيف المعارضة السورية في موقف حرج، خاصة أن الوفد الممثل لها في “اللجنة الدستورية” يقول إن مشاركته تأتي في إطار خطوات وضع الدستور، والذي من شأنه أن يفضي إلى تغيير جذري في هيكلية النظام السوري، لكن التصريحات الروسية تخالف الصورة العامة للمسار الذي تأسست من أجله اللجنة.
وسادت انقسامات في الأوساط السياسية السورية حول ضرورة انسحاب وفد المعارضة من اللجنة الدستورية بعد سبع جولات “أضاعت الوقت”، فيما يرى البعض أن التصريح الروسي يجب ألا يؤثر على سير المباحثات بما يفضي بالنهاية لحل ينهي معاناة السوريين.
وتعليقاً على ذلك، رأى العضو في “اللجنة الدستورية”، ممثلاً لوفد المعارضة، حسن الحريري، أن الانسحاب “ليس حلاً ولن يكون حلاً بيوم من الأيام”، مشيراً إلى الأمر برسم “هيئة التفاوض العليا” كونها المرجع للجنة الدستورية، حسب وصفه.
وأضاف: “من غير المنطقي أن يتسبب تصريح كهذا بانقسام المعارضة، خاصة أن الروس غير قادرين على إنتاج حل للملف السوري”.
وكذلك، اعتبر المحلل السياسي المقرب من موسكو، رامي الشاعر، أن استمرار المعارضة باللجنة الدستورية هو “أمر ضروري جداً رغم العقبات التي يضعها وفد النظام”، مضيفاً أن “اللجنة الدستورية إنجاز وملك كل السوريين ومن خلالها تستطيع كل مكونات الشعب المشاركة بمستقبل سورية”.
وبحسب الشاعر فإن لتصريح لافرنتيف “أثر إيجابي” كونه حرّك الركود حول أهداف “اللجنة الدستورية”، ودفع السوريين للاهتمام مجدداً بعمل اللجنة، في وقت لا نسمع عنها شيء سوى كل ستة أشهر، حسب قوله.
أما المحلل السياسي، حسن النيفي، رأى أن استمرار المعارضة بالمشاركة في “اللجنة الدستورية” وراءه سببان، الأول استمرارها في الحفاظ على مصالحها.
أما السبب الثاني فهو أن “دورها بات وظيفياً وليس دوراً وطنياً منبثقاً من قرار وطني يمثل مصالح السوريين”، مضيفاً أن “مشاركتها أو عدم مشاركتها في المفاوضات مرتبط بأوامر الدول أو الجهات أو الأجندات التي تعمل وفقاً لها”.
“عند النقطة صفر”
منذ بدء أعمالها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عقدت “اللجنة الدستورية” ست جولات في جنيف لم يخرج فيها المشاركون من الوفود الثلاثة بمخرجات ملموسة على صعيد كتابة الدستور في سورية، بل على العكس تركز النقاش على عدة مسائل ونقاط بعيدة كل البعد عن المبادئ الدستورية، التي تشكلت اللجنة من أجلها.
بالعودة إلى الجولة الأولى التي لم يتصافح خلالها وفدا النظام والمعارضة، قال المبعوث الأممي إلى سورية، جير بيدرسون، حينها إن الجولة “كانت أفضل من المتوقع” رغم الأجواء “المشحونة” بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بقضية “الإرهاب”، وهو مصطلح يستخدمه نظام الأسد، ويسعى لضمه إلى مشروع إصلاح الدستور، لكن المعارضة ترفض ذلك.
أما الجولة الثانية شهدت انسحاباً رسمياً لوفد النظام ثلاث مرات، بعد طرحه مقترحاً لجدول الأعمال رفضته المعارضة، يتضمن “بنوداً وطنية للاتفاق عليها كأساس لعمل اللجنة ككل”، وتشمل هذه البنود إدانة “العدوان” التركي والتدخل الأمريكي ورفع العقوبات وغيرها، حسب رواية النظام.
وشهدت الجولة الثالثة في أغسطس/ آب 2020 خلافات عميقة، حسب بيدرسون، الذي صرح حينها بوجود “اختلافات عميقة بين الأطراف في عدة قضايا- لم نصل لمرحلة كتابة الدستور، نعمل على بناء الثقة بين الأطراف”.
وكذلك، كان الجولة الرابعة المنعقدة في ديسمبر/ كانون الأول 2020، شبيهة بسابقاتها، باستثناء طرح وفد النظام السوري لقضية عودة اللاجئين إلى سورية، وهو أمر يعتبره وفد المعارضة ملفات فوق تفاوضية ودستورية، وتشابه ملف المعتقلين.
وبعد أربع جولات “فاشلة”، أحيت الجولة الخامسة آمالاً لدى السوريين، كونها كانت ستناقش ولأول مرة البذور الأولى للدستور الجديد، والمتمثلة بـ”المبادئ الدستورية”.
إلا أنه بعد انتهاء الجولة خرج بيدرسون بتصريحات “صادمة” حين تحدث عن نتائج “مخيبة للآمال”، قائلاً: “مع الأسف لم نحققها، لأنه ليس هناك فهم واضح بشأن كيفية التقدم في أعمال اللجنة”.
الجولة السادسة والأخيرة لم تختلف عن باقي الجولات من ناحية خيبات أمل بيدرسون، الذي تحدث بنبرة حادة عن عدم وجود رغبة لدى الأطراف السورية بالتوافق، إلا أنها تميزت بأنها انعقدت بعد إجراء نظام الأسد “انتخابات” رئاسية، في رسالة منه إلى أن مسار اللجنة لا علاقة له بالانتخابات.
وتتجه الأنظار حالياً نحو الجولة السابعة المزمع انعقادها في يناير/ كانون الثاني 2022، خاصة بعد تصريحات لافرنتيف التي خلطت الأوراق على طاولة هذا المسار.