طوال السنوات الخمس الماضية، وعد الاشقاء السوريون ، المعارضون طبعا، الذين لا ينتمون الى جبهة النصرة وأخواتها، بشن حرب تحرير شعبية لطرد الاحتلالين الروسي والايراني من أرضهم، لكنهم لم يفوا بوعدهم. فتحول الروس الى مقيمين دائمين في سوريا، وتجذر الايرانيون في المجتمع السوري، وباتت الصعوبات التي تواجه روسيا وإيران تقتصر فقط على ما تفرضه أميركا من عقوبات مالية على البلدين وعلى شركائهما السوريين واللبنانيين.
لمناسبة الذكرى الخامسة للتدخل العسكري الروسي، والذكرى التاسعة للتدخل الامني الايراني، لم يعد بالامكان تصور موعد خروج آخر جندي روسي، وآخر أمني إيراني من الاراضي السورية.. وهو شأن لم يعد يرتبط ببقاء نظام الرئيس بشار الاسد، الذي يخضع الآن لتنافس حاد بين الروس والايرانيين على إنتزاع الحد الاقصى من المكاسب والصفقات والمغانم من سوريا، وبسرعة شديدة توحي بان الجانبين في سباق محموم مع الزمن.
حفلت بداية السنوات الخمس الماضية بالكثير من الالتباسات، أهمها أن الغرب وافق بتحفظ على التدخل الروسي، متوقعاً أن يؤدي ذلك الى إخراج إيران من سوريا. حصل العكس. وتبين مع الوقت ، أن الحلف المقدس الذي أرساه الرئيس حافظ الاسد قبل أربعين عاماً مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، كان وسيبقى واحداً من أهم الثوابت الاستراتيجية السورية، وواحداً من أقوى الروابط السياسية بين البلدين. وقد سبق لكثيرين من العرب والغربيين أن إستخدموا مختلف أنواع الضغوط والمغريات لفضه، من دون جدوى.
قبل التدخل الروسي، كان الجيش السوري “في وضع خطر جداً”، حسب الاعتراف الاخير لبشار في مقابلة مع إحدى محطات التلفزة الروسية بثت ليل الاحد. وهو لا يزال في ذلك الوضع. فالسنوات الخمس الماضية لم تشهد نجاحات روسية تذكر في إعادة بناء ذلك الجيش، ولا في إعادة بناء الدولة السورية. كما لم تشهد أي جهود إيرانية في هذا الاتجاه، وإستمر اعتماد النهج الذي يبحث عن بدائل للجيش وللدولة في سوريا، وفي كل مكان يدخله الايرانيون.
لا حرب في سوريا، الآن سوى تلك التي تخوضها تركيا دفاعاً عن حدودها الجنوبية، في مواجهة مشروع الانفصال الكردي، وفي مواجهة إحتمال أن تقرر روسيا دفع نحو مليون لاجىء سوري جديد الى داخل الاراضي السورية. الادوات السورية التي يستخدمها الاتراك لا تصلح لأي مشروع بديل في الشمال السوري، وفي تلك المنطقة الحدودية، التي كان يفترض ان تظل معبراً لعلاقات متينة بين البلدين والشعبين. العرض الوحيد الذي يناقش الآن على اي طاولة تفاوض تعني بالشأن السوري، يقوم على مبادلة الانفصاليين الاكراد بالاسلاميين السوريين.
عدا ذلك لا يمكن العثور على أي بحث جدي في مستقبل سوريا. روسيا ليست مؤهلة لمثل هذا البحث، وهي لا تدعي حتى أنها تسعى الى حل سياسي في سوريا، أو الى نظام مختلف مستقر ومتطور ، كما يتوهم بعض المعارضين السوريين. بقاء النظام الحالي كان وسيبقى شرطاً لبقاء الاحتلال الروسي، ولحصول الروس على الحد الاقصى من الغنائم. والانتخابات الرئاسية المقررة في صيف العام 2021، ستجري في موعدها، بغض النظر عن مسار التفاوض المتعثر في اللجنة الدستورية السورية، حسب تأكيد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في زيارته الاخيرة الى دمشق. وبشار الاسد يمكن ان يكون مرشحاً وحيداً.
لم تحتفل روسيا في مناسبة إنتهاء حملتها الخمسية الاولى، بالنصر في سوريا. كما لم تشهد إيران أي إحتفال. كانت العقوبات الاميركية مصممة منذ البداية لمنع مثل هذه الاحتفالات. لكنها لا تزال مصحوبة بنوايا وخطط أميركية للانسحاب من سوريا ومن العراق ومن المنطقة العربية كلها، وتكليف الاسرائيليين بسد الفراغ.. وتغطية المأزق الذي يواجهه الجميع في تحديد وجهة السنوات الخمس المقبلة، التي قد تشهد بعض التوسع الروسي نحو لبنان والعراق، لكنها لن تمهد لأي مخرج سوري.. طالما أن الوعد الأول، لم يحترم حتى الآن.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت