بصرف النظر عن بيان الرئاسة السورية، لم يختلف مضمون البيان السعودي الذي صدر في أعقاب زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان وروحيته عن البيان الذي صدر من جدة الأسبوع الماضي، في ختام زيارة وزير خارجية سوريا فيصل المقداد، ولا عن البيان الذي صدر في أعقاب اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن، فعودة النظام السوري إلى “الحضن العربي” خيار مطروح ومرغوب، لكنه يحتاج إلى توافر شروط تضمنها بيانا جدة بشيء من التفصيل.
فالأزمة في سوريا لم تنته، ولن تنتهي قبل وقت طويل نظراً إلى تشابك المصالح على الأرض السورية. كما أن الرهان على النظام وحده ليقدم شيئاً ملموساً على المستوى الجماعي أو على المستوى الثنائي يحتاج إلى تدقيق كبير يتجاوز الرغبة في استيعاب النظام ووضعه على الطريق السليم. طبعاً، وبعيداً من تدبيجات البيانات الرسمية، يعتبر الرئيس بشار الأسد أنه انتصر على خصومه العرب الذين قاطعوه لأكثر من عشرة أعوام. أكثر من ذلك، إنه يعتبر أنه ليس من يعود إلى “الحضن العربي” بل العرب هم من يعودون إلى سوريا. بمعنى أنه لم يتغير بل العرب تغيروا. وما يدل إلى هذه العقلية نص البيان الذي صدر عن الرئاسة السورية.
لكن بصرف النظر عن الجدل البيزنطي حول من عاد إلى من، لا بد من الاعتراف بأن العرب يقدمون تنازلاً مسبقاً للنظام في دمشق، في وقت لم يتبين للمراقبين إن كان النظام سيضع شيئاً على طاولة العلاقات مع العرب. فالحديث عن تغليب العلاقات الثنائية على العلاقات ضمن الجامعة العربية معناه اختيار طريق العلاقة “على القطعة”. بكلام آخر، أنت تعطيني شيئاً وأنا أعطيك في المقابل شيئاً! إنها مقاربة جديدة في العلاقة مع نظام نجح راعياه، الروسي والإيراني وبكلفة باهظة على السوريين، في منعه من السقوط، وإن انتهى بأن أصبح من الناحية العملية رجل الشرق الأوسط المريض، الذي بقي، كما السلطنة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر، على قيد الحياة بسبب خلافات خصوصه وعدم الاتفاق على مرحلة ما بعده.
لكنّ ثمة معطى مهماً سيكون حاضراً في ثنايا علاقات الأسد بمطلق أي دولة عربية، وفي المقدمة السعودية. فهو جزء من منظومة محور ما يسمى “المقاومة” التي تقودها إيران. ولم نسمع لغاية الآن كلاماً من داخل إيران أو خارجها على أي مستوى يوحي بأن طهران تجري عملية مراجعة لسياساتها الإقليمية، وفي مقدمتها مشروعها التوسعي الذي تديره الدولة العميقة المتشكلة من تحالف رجال الدين الأصوليين والمؤسسة الأمنية العسكرية المتمثلة بـ”الحرس الثوري”. لم نلمس سوى حركة على مستوى الأزمة اليمنية التي تعني الكثير للسعودية تجلت بخفض التوتر وتبادل الأسرى وزيارة وفد عماني – سعودي مشترك صنعاء والحديث عن خريطة طريق لحل سياسي مستدام ينهي الحرب تماماً ويصبح في مقدور الرياض الخروج من اليمن وأزماته.
ورغم الزيارات المتبادلة على المستوى الفني بين الرياض وطهران لإعادة افتتاح السفارات والقنصليات، وتوجيه دعوات رسمية للملك سلمان بن عبد العزيز إلى زيارة طهران، من جهة، ومن جهة ثانية، للرئيس إبراهيم رئيسي إلى زيارة الرياض، لم نلمس مؤشرات إلى أن ملفات أخرى وضعت على طاولة البحث في إطار مراجعة إيران مشروعها التوسعي الذي دمر العالم العربي، من العراق إلى سوريا ولبنان وصولاً إلى غزة. وأبعد من ذلك، تمدد التدخلات الإيرانية إلى قلب المغرب العربي ومنطقة الساحل.
كل ما تقدم يشي بأن العبرة في هذه المرحلة ليست في ما تقدمه دمشق، بل في ما يسمح لها بأن تقدمه، هذا إذا رغبت بذلك في إطار ضوابط النفوذ الإيراني الكبير على الأرض. وهذا الأمر ينطبق على الوضع في لبنان إلى حد كبير.
إن سوريا تحتاج إلى حل سياسي شامل، والعلاقات الثنائية مع دمشق ستكون علاقات “بالقطعة” ما دامت الأزمة معلقة هناك، وما دام الحل الدولي والإقليمي الشامل لم يوضع على السكة بعد في انتظار جلاء الموقف الروسي في ضوء نتائج حرب أوكرانيا، وليس قبل حصول تراجع ملموس لنفوذ إيران التي تزعم أنها لن تتنازل في المدى المنظور عن شبر واحد، من العراق إلى سوريا ولبنان. فعقل النظام في طهران الذي يسمم الفتيات في المدارس في طول البلاد وعرضها لم يتغير بعد.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت