مع اشتداد “أزمة المحروقات” في مناطق سيطرة النظام، وإقراره بعدم وجود حل لها في الأفق القريب، تحوم الشكوك حول أهمية الدور الروسي “المنقذ” لنظام الأسد في الملفين السياسي والعسكري، وغيابه عن الملف الاقتصادي، الذي أثقل كاهل السوريين ووضع رأس النظام بموقف محرج.
لماذا لا تتدخل موسكو؟
الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، محمد العبد الله، يقول إن موسكو تدرك عجز حكومة النظام عن تأمين سداد فواتير شحنات النفط والغاز، ولا ترغب بتحمّل المزيد من الكلفة الاقتصادية فيما يرتبط بالملف السوري.
ويشير في حديثه لـ “السورية.نت”، إلى وجود “إحجام روسي عن هذه الخطوة”، وله مبرراته الاقتصادية من وجهة نظر موسكو، خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها الحكومة الروسية مؤخراً بعد غزو ي أوكرانيا، الذي قد يلقي بتبعاته على أي خطوة روسية بهذا الصدد.
وبحسب الباحث الاقتصادي، لم تُقدِم موسكو الحليف الأساسي للنظام، على أي خطوات خلال الأعوام الماضية لانتشال نظام الأسد من الأزمات الاقتصادية المتعاقبة التي تعصف به، ويمكن تفسير ذلك بالمقاربة الاقتصادية لموسكو في تعاملها مع حكومة النظام، وإدراكها لمستوى الفساد المستشري ضمنها، والذي يعد المتسبب الأكبر في هذه الأزمات.
إلا أن المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر، يرى أن روسيا تقدم لحكومة النظام المساعدات الاقتصادية “حسب إمكانياتها”، متحدثاً عن دور “اللجنة الاقتصادية السورية- الروسية المشتركة”، والتي يتم خلالها تأمين احتياجات النظام اقتصادياً، بما يضمن استمرار عمل الخدمات العامة.
ويعتبر الشاعر في حديثه لـ “السورية.نت”، أن أبرز ما يعيق الدعم الاقتصادي الروسي لحكومة النظام، هو العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية المفروضة عليه منذ سنوات، حسب قوله.
وأردف: “تجد موسكو صعوبات كبيرة بنقل شحنات الغاز والنفط للنظام، خاصة أن شركات النقل ترفض نقل البضائع لسورية لعدم قبول شركات التأمين إعطاء أي ضمان لها”.
“مقاربة” روسية للعلاقات
رغم وضوح علاقة موسكو بنظام الأسد سياسياً وعسكرياً، وتبلورها في المحافل الدولية المتعلقة بالملف السوري، يغيب الفهم الواضح للعلاقات الاقتصادية التي تجمع النظام بحليفه الأساسي، وهو السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الحاضنة الشعبية الداعمة للنظام، في كل أزمة معيشية تعصف بهم.
وبهذا الصدد، يقول الباحث في “مركز عمران”، محمد العبد الله، إن العلاقة الاقتصادية بين موسكو وحكومة النظام، يمكن فهمها من خلال تحليل المقاربة الروسية في سورية بشقها الاقتصادي، والتي تتجسد في سعي موسكو المتواصل إلى استثمار تموضعها التدريجي في الملف السياسي، وتحصيل ما أمكنها من مكتسبات اقتصادية آنية ومستقبلية.
ويقول: “بدا واضحاً سعي موسكو المتواصل منذ بدء تدخلها في سورية لدعم نظام الأسد وتثبيت سلطته إلى الاستئثار بجميع الفرص الاقتصادية الاستراتيجية في العديد من القطاعات، من خلال عقود ذات آجال طويلة تكفل لها استمرارية استثمار هذه الفرص بشكل مطلق”.
وبالتالي تحاول موسكو، بحسب العبد الله، استعادة كلفة الدعم العسكري المقدم لنظام الأسد بأقصر فترة زمنية، ومن ثم السيطرة على الموارد الاقتصادية عبر مجموعة من الشركات الروسية التي مهدت لوجودها عبر إصدار حكومة النظام سلسلة من القرارات الموجهة لمصلحتها.
وقد بدا هذا واضحاً حين عيّنت موسكو مبعوثها الخاص لسورية منذ عام 2016، في خطوة تؤشر إلى دخول سورية تحت الوصاية الروسية بشكل كامل، والسيطرة على مقدراتها الاقتصادية وقرارها السياسي، بحسب العبد الله.
“ليست كباقي الأزمات”
تشير تصريحات مسؤولي النظام، إلى عجز واضح في احتواء “أزمة المشتقات النفطية”، التي اشتدت منذ أيام، لأسباب تتعلق بـ “ضعف التوريدات”، وفق الرواية الرسمية.
إذ يجد المواطنون صعوبة في توفير البنزين والمازوت وغيرها من المشتقات النفطية، ما أدى إلى شلل حركة النقل وتعطيل الجهات العامة ورفع الأسعار في السوق السوداء، إلى جانب انعكاس ذلك على قطاع الكهرباء عبر زيادة ساعات التقنين، في أزمة وُصِفت بـ “الأسوأ” منذ سنوات.
يقول الباحث محمد العبد الله لـ “السورية نت”، إن تلك الأزمات الاقتصادية ليست وليدة اللحظة، ولكن تفاقمها بهذا الشكل هو نتيجة لـ “الحقن التسكينية” التي لجأ إليها النظام للتخفيف من حدة تلك الأزمات خلال الأعوام الماضية.
ويضيف: “ربما تكون سياسة ممنهجة من النظام لإثارة هذا النوع من الأزمات ورفع حدتها لإكسابها بعداً إنسانياً، من أجل رفع العقوبات الدولية عنه، وإنهاء حالة الجمود في الملف السوري بما يتفق ومصالحه”.
وبحسب العبد الله لن تدخل البلد بحالة “شلل تام” خلال هذه الأزمة، متحدثاً عن تدخل معين من حكومة النظام وداعميه وشبكاته الداخلية لمعالجة مؤقتة، قبل الانزلاق إلى حالة الفوضى الشعبية والاحتاجات الواسعة.
من جانبه، قال المحلل السياسي المقرب من موسكو، رامي الشاعر، في حديثه لـ “السورية نت”، إن على جميع الدول والجهات الدولية مساعدة الشعب السوري للتخلص من هذه الحالة، التي وصلت لحد “الفقر الكارثي”، وعدم وضعه رهينة لتغيير النظام، حسب تعبيره.
وأضاف: “هناك بعض الدول التي ترغب بمساعدة الشعب السوري، وليس النظام، لكن العقوبات المفروضة عليه تحول دول ذلك”.
ومنذ إعلانها عن أزمة جديدة في توفير المشتقات النفطية، أصدرت حكومة النظام جملة قرارات، عكست عجزها عن احتواء هذه الأزمة في المنظور القريب، وسط تشاؤم في أوساط المواطنين الذين يعانون ظروفاً معيشية سيئة.
ومن بين هذه القرارات، تعطيل الجهات الرسمية يومي الأحد 11 و18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ورفع أسعار المازوت والبنزين المباع للفعاليات الاقتصادية بنسبة 100%، وتوكيل ذلك لشركة تابعة لمجموعة “القاطرجي”.