كشف المصاب الكبير الذي حلَ بسكان شمال غربي سورية نتيجة الزلزال المدمر، الذي أدى الى أضرار كارثية في آلاف الأرواح والممتلكات، عن صورة تكاتف لافتة من مختلف فئات المجتمع، التي لم تمنعها مأساتها المستمرة منذ نحو 12 سنة، عن المسارعة في مدّ يد العون والتعاضد مع المتضررين في إدلب وريف حلب.
ولعل سكان المخيمات البالغ عددها نحو 1400 في شمال غربي سورية، هي أضعف فئات المجتمع من ناحية القدرة على يد العون للمنكوبين، كون غالبيتهم أساساً يعتمدون على مساعدات تعينهم على توفير احتاجاتهم اليومية، ولكن رغم ذلك فمنذ الساعات الأولى للكارثة، بدأ سكان مخيمات كثيرة بتنظيم حملات استجابة سريعة لايواء واغاثة المنكوبين.
شاكر عجاج (ثلاثيني مهجر من جنوبي حلب)، كان أحد الشاهدين على الزلزال الذي ضرب مدينة جنديرس بريف عفرين، ونجا كما قال من الموت بأعجوبة، إذ لحقت أضرار عدة بمنزله بفعل الهزات القوية.
يصف عجاج لـ “السورية.نت” اللحظات التي تلت الزلزال بقوله:”بعدما تفقدت عائلتي، بدأت أسأل عن إخواني وأعمامي وأخوالي في مدينة جنديرس، فعلمت أنَ البعض نجا والآخر تحت الأنقاض، إذ توفيت زوجة أخي الكبير وأصيب جميع أولاده”.
وبحسب عجاج، خسرت منطقته في جنوبي حلب قرابة 100 شخص بفعل الزلزال، مضيفاً أنه لجأ وأقربائه (30 عائلة) إلى منزله الواقع في منطقة متطرفة، ثم قامت الفرق التطوعية ببناء الخيام لهم ومساعدتهم.
أما أحمد المشيعل لم يقف مكتوف الأيدي بعد نجاته من كارثة جنديرس، إذ يقول لـ”السورية.نت”، أنه بدأ مع رفاقه بجمع التبرعات من نقود وخيام ومواد إغاثة منوعة، وإعادة توزيعها للمتضررين الذين يبيتون في العراء، واصفاً المأساة بأنها “خارج عن استطاعة الجميع وعملهم هو بالحد الأدنى”.
ويقول أحمد في حديثه لـ “السورية.نت”، إن الناس باتت تتسابق للمساعدة، رغم أن ظروف الجميع تقريباً متشابهة في مأساويتها، مضيفاً: “يُقال أن فاقد الشيء لايعطيه، لكني رأيت رجلاً نازحاً يملك أربع اسفنجات في خيمته فتبرع باثنتين للمشردين في العراء، وهذا حال الكثير من الناس”.
“سباق للعطاء”
سارع كثيرون، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الـ “واتس أب”، إلى إبداء استعدادهم للمساعدة والتطوع لخدمة متضرري الزلزال، حيث توافدت قوافل المساعدات التي تحمل أسماء قرى ومخيمات، قام أهلها بجمع المساعدات لنجدة المنكوبين.
ورغم حالة الفقر المدقع لسكان المخيمات في شمال غربي سورية، لم يمنع ذلك سكان هذه المخيمات من مد يد العون لمن تضرر من الزلزال واستقبلوهم في خيامهم التي أضحت المكان الأكثر أمناً من الهزات القوية، كما عرض عدد من مدراء المخيمات استعدادهم لاستقبال المتضررين في مخيماتهم وتقديم المساعدة لهم.
يقول طبيب الأطفال محمد خلف، الذي يقطن في منزله بقرية بسنيا بريف حارم لـ “السورية نت”، إنه و”مع دقائق الزلزال الأولى حملت أطفالي بكل طاقتي وأدخلتهم للسيارة، لأصاب بالذعر عندما رأيت كارثة عظيمة حلَت بقرية بسنيا، وكأنها مُسحت عن وجه الأرض، لم أعرف ماذا أفعل، ثم تذكرت مخيماً بقرب القرية ولجأت إليه”.
تدمرت قرية بسنيا بشكل كامل، عدا بناء واحد تم هدمه بسبب عدم صلاحيته للسكن، وكان يقطنها قرابة 130 عائلة مهجرة من مناطق جنوبي حلب وإدلب، توفي فيها 400 شخص نتيجة الزلزال، منهم 70 شخصاً من جنوبي حلب وأصيب المئات، ولم يبق منها سوى الركام.
من جهة أخرى، عمل عمار الهجيج، مدير مخيم النعيمية في منطقة الدانا شمال إدلب، على تشكيل فريق تطوعي من أبناء المخيم، حيث قاموا بالتبرع بالدم للمراكز والمشافي القريبة، بالإضافة لإرسال قافلة مساعدات للمشردين بين الأشجار جراء الزلزال في منطقتي سلقين وحارم.
ويقول عمار لـ “السورية نت”: “علمنا بوجود 150 عائلة في العراء في منطقة سلقين، فقمنا بتوجيه نداء لأبناء المخيم بجمع ما يمكن جمعه من التبرعات، وجهزنا عدداً من الخيام والأغطية والإسفنجات والمواد الغذائية بسرعة، وأرسلناها مباشرة لمنطقة الاحتياج”، مضيفاً أنهم في المخيم يحتاجون أساساً للمساعدة “لكن اليوم هناك أولويات، حيث توجد عائلات تنام بالعراء وواجب علينا مساعدتهم”.
“نقاسمهم رغيف الخبز”
باتت مخيمات الشمال السوري التي يقطن فيها قرابة 1.8 مليون نسمة، ملجأً لكثير من العوائل الهاربة من الزلزال رغم ضعف الإمكانيات وضيق الحال وانتشار الفقر، حيث أكد مدراء عدد من المخيمات، أن سكانها لم يتوانوا عن تقديم المساعدة، كل حسب استطاعته.
ويقول خالد العمر، مدير مخيم “الراحمون” بمنطقة حربنوش شمال إدلب، إنه عرض المساعدة على متضرري الزلزال وأبدى استعداده لاستقبال العوائل في مخيمه “المتواضع”، مردفاً: “بعد أن عرضنا استقبال المتضررين من الزلزال الذي ضرب منطقة حارم ومحيطها، استقبلنا فوراً سبع عوائل من منطقة حارم تهدمت منازلهم وأرزاقهم وخرجوا بأمتعتهم، فقمنا بإعطاء بعض الخيم لهم والبقية شاركونا السكن، وسط حالة مأساوية تجمع بين الخوف والبرد والتعب”.
ويضيف لـ”السورية نت”: “لم يبخل سكان المخيم بما عندهم، فجمعوا لهم بعض الإسفنجات والأغطية والطعام ووسائل التدفئة ليساعدوهم قدر الإمكان، وقاسمناهم رغيف الخبز، رغم أن مخيمنا الذي يقطن فيه 87 عائلة يعاني من نقص كبير في الاحتياجات “ولكن هذا واجبنا تجاه أهلنا”.
بدوره ساهم أحمد معاوية، مدير مخيم بمنطقة معرة مصرين، بتأمين كمية من المحروقات لمساعدة فرق “الدفاع المدني”، والمتطوعين في منطقة سلقين وحارم، من أجل عمل آليات الحفر والإنقاذ، كما يوضح لـ “السورية نت”.
أضرار كبيرة
وقبل يومين، انتهت عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض بسبب انعدام فرص النجاة، حسبما أعلن “الدفاع المدني السوري”، وبدأت عمليات التجريف، ليصل عدد الوفيات جراء الزلزال في مناطق شمال غربي سورية إلى 2274 وأكثر من 12 ألف مصاب، حسب أحدث الإحصائيات غير النهائية.
الحصيلة الأكبر بينهم في مدينة جنديرس بريف عفرين، التي وصلت فيها أعداد الضحايا لأكثر من 513 وفاة، تليها مدينة حارم وفيها أكثر من 360 وفاة، ثم مدينة سلقين 221، تليها بلدة أرمناز 155 وفاة، ثم مدينة الأتارب 150، وبلدة عزمارين 140، إضافة لمئات الضحايا في مناطق متفرقة من شمال غربي سورية.
أما عن أعداد المصابين، فقد وصلت الحصيلة الأكبر لهم في مدينة جنديرس التي تم فيها إنقاذ 831 شخصاً على قيد الحياة من بين الركام، تليها مدينة سلقين 258، ثم قرية بسنيا غربي إدلب 215، تليها مدينة حارم 210، ثم مدينة الأتارب وأرمناز في كل واحدة منهما 200 مصاب، وعفرين 170 مصاباً تم إنقاذهم.
ولفت البيان إلى أن فرق الدفاع المدني قامت بعمليات إنقاذ في أكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية في شمال غربي سورية، وبلغت حصيلة الأبنية المدمّرة في المنطقة 479 مبنى سكنياً مدمّراً بشكل كامل، وأكثر من 1481 مبنًى مدمراً بشكل جزئي.
وكانت الحصيلة الأكبر في عدد المباني المدمّرة في مدينة جنديرس بواقع 200 مبنى مدمّر بشكل كامل و500 مبنى بشكل جزئي، و50 مبنًى مدمّراً بشكل كامل في مدينة سلقين ونحو 300 مبنًى متضرر بشكل جزئي.