سكان يروون لـ”السورية.نت” تفاصيل “ليلة أطمة”: القاطن المجهول وزوار الفجر
“كأنّها القيامة..وصلنا إلى الموت، ظننا أنها نهاية حياتنا..زلزال حلّ فجأةً علينا”، يوجز الفتى محمد ناصر (14 عاماً)، تفاصيل الليلة الماضية، عندما نفذت القوات الأمريكية بعد الواحدة فجراً بدقائق، عملية إنزال جوي على البناء الذي تقطن في طابقه الأدنى(القبو)، عائلة محمد ناصر المهجرة قبل سنوات من مدينة حلب.
لم تكن عائلة محمد، تعلم أنّ زعيم ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” يقطن في الطابق الأعلى من البناء الذي يتكون من طابقين اثنين إضافة للقبو، إذ فوجئت كما سكان منطقة أطمة شمالي إدلب، بتحليق الطائرات المروحية بعد الواحدة ليلاً، قبل أن يهبط منها مقاتلو الوحدات الخاصة الأمريكية، ليحاصروا المبنى الواقع في شارع يُدعى محلياً باسم “المشافي”.
اضطر محمد مع والديه وأخته الصغرى أن يخلوا القبو الذي يسكنوه، تحت تهديد القوات الأمريكية عبر مكبّرات الصوت مع بدء العملية، ويقول:”بَطحوا والدي على الأرض، ثم قيّدوه وبدأوا طرح الأسئلة عن هويتنا وهوية عائلة أبو أحمد التي تقطن في الطابق الأول”.
ضجيجٌ كسر سكون أطمة
إلى جانب أصوات مروحيتين عسكريتين حلقتا على ارتفاع منخفض، وأخُرى كانت تحوم في السماء، خلال عملية الإنزال، ساد الرعب قلوب سكان الحي الواقع على أطراف بلدة أطمة، بين بساتين الزيتون على الطريق الممتدة نحو معبر “دير بلوط”، حيث كان يتوارى من يسميه أنصاره بـ”الخليفة” أبو ابراهيم القرشي، المعروف باسم عبد الله قرداش.
يخشى أبو عمر، جار المبنى، أن تصيبه “حالة نفسية طويلة الأمد” بعد الليلة الساخنة، كما يقول لـ”السورية.نت”.
يضيف أنه مازال يرتعد “من هول المشاهدات التي حلّت فجأة بعد منتصف الليل(…) انتشار الجنود وأصوات المروحيات والانفجارات، تشبه إلى حدّ كبير الأفلام الأمريكية، لكنها حقيقة وعلى مقربة لا تتجاوز الـ 30 متراً من منزلي”.
وبينما هرعت عائلة الفتى محمد، إلى منزل ولدهم الأكبر القاطن في ذات الحيّ، بطلبٍ من عناصر التحالف “حفاظاً على حياتهم” بحسب ما رددوا عليهم بعد التحقيق معهم، كانت المعركةُ مشتعلة بين القوات الأمريكية، والمتحصنين المجهولين بالنسبة لعائلة محمد.
إطلاق نارٍ وصراخ
يوضح جيران المبنى، الذين تحدثوا لـ”السورية.نت”، أنّ أصواتاً ملحّة وبلهجة “عراقيّة” من جندي بالقوات الأمريكية عبر مكبرات الصوت، كانت تطالب القاطنين في المبنى تسليم أنفسهم “حفاظاً على حياتهم”، وهذا يتطابق مع شهادة عائلة الفتى محمد القاطن في “طابق القبو”.
يقول أبو عمر جار المبنى لـ”السورية.نت”، إنّ “ممانعة المتحصنين في المبنى زادت تصعيد القوات المهاجمة، إذ “بدأت بإطلاق نار مكثّف ثم باستهداف المبنى بسلاح ثقيل لم أتمكن من تحديده، كانت أصوات التحذير تخاطب سيدة” بالعبارة التالية: “إذا ما بدك تعيشي خلي الأطفال يعيشوا”.
مع اقتراب نهاية العملية، دوى انفجارً مميز، حسب شهادة أبو عمر، من القسم الشمالي للمنزل، يرجّح أنه عائد لتفجير سيدة نفسها بحزام ناسف، وهي ذاتها التي دُعيت برسائل التحذير لتسليم نفسها.
ويدعم الرواية التي تتحدث عن تفجير سيدة نفسها، وجود أحزمة ناسفة داخل المنزل، شاهدها مراسل “السورية.نت” الذي جال بالمكان.
لكن الرواية الرسمية الأمريكية، تقول إن قرداش هو من فجّر نفسه، وذلك ورد على لسان جوزيف بايدن، الذي قال اليوم الخميس:“قرر تفجير نفسه في الطابق الثالث بعد اقتراب قواتنا من المبنى”.
كيف سكن قرداش البيت؟
حصل فريق “السورية.نت”، على عقد إيجار المنزل الذي كان يقيم فيه عبد الله قرداش، وهو من يسميه أنصاره “الخليفة أبو ابراهيم القرشي”.
ويتحفظ فريق تحرير “السورية.نت” عن ذكر الاسم الكامل لصاحب البيت حفاظاً على خصوصيته، وهو من مواليد أطمة سنة 1957، بينما اسم المُستأجر، مصطفى ش.ي، مواليد 1985.
ويوضح العقد الذي تأكد فريق “السورية.نت” من صحته، أن مصطفى استأجر الطابق الأول من البناء، في السادس من مارس/أذار عام 2021، بقيمة 80 دولاراً أمريكياً عن كل شهر، ليسكن فيه مع عائلته، وهو يعمل كما عرّف عن نفسه لصاحب المنزل، في مجال “نقليات المواد الغذائية” لصالح شركات مواد غذائية في مدينة سرمدا، وتعهّد “صيانة السيارات”.
سكن مصطفى مع عائلته في البيت، في مارس/آذار 2021، ثم طلب بعد أشهر من صاحب البناء، استئجار الطابق العلوي(الثاني)، وأشاع بين سكان الحي أن ذلك بهدف إيواء شقيقته.
وبينما لا يعرف على وجه الدقة، متى انتقل عبد الله قرداش مع أفرادٍ من أسرته للسكن في الطابق العلوي من البناء الذي قُتل فيه أمس مع أفرادٍ آخرين من أسرته، فإن المؤكد أن سكان الحي والعائلة التي تقطن في قبو ذات المبنى، لم يكونوا على دراية أن أسرةً تسكن في الطابق العلوي، يتزعمها من يعتبره أنصاره ” خليفة الدولة الإسلامية”.
أما مصطفى الذي استأجر المنزل حيث قُتل قرداش، فإن عائلته تتكون إلى جانب زوجته، من أربعة أطفال، 3 ذكور وفتاة، نجا منهم في هجوم ليلة أمس، طفل والفتاة الوحيدة، بحسب شهادات الجيران، بينما قُتل الباقون مع مصطفى وزوجته.
بحسب عائلة الفتى محمد، القاطنة في قبو المبنى، فإنّ مصطفى.ش.ي(أبو أحمد) هو المسؤول عن الطابقين وتأمين معيشتهما، على اعتبار أنه أشاع بأن السيدة التي تسكن الطابق الثاني هي أخته، وهو ما رددهُ مراراً أمام الجيران.
أخيراً، فإن كميات العسل والجبنة واللحوم والبسكويت وحليب الأطفال والفواكه، والمدافئ التي تعمل على “المازوت” في منطقة يكاد معظم سكانها قد نسوا مادة المازوت، ومشاهدات أخرى من البيت الذي قُتل فيه قرداش، بما في ذلك الكميات المُخزنة من الأطعمة والمؤون والأدوية، تشير إلى أن سكان المنزل كانوا يتمتعون بوضع “مادي جيد” قياساً بمحيطهم من سكان المنطقة، و يحتاطون للتواري فيه أسابيع عديدة.