تثير مشاعر الإعجاب التي يبديها بعضهم تجاه الطريقة التي تعاملت بها الصين مع جائحة فيروس كورونا المستجد حالةً من الاستغراب النابع من سببين رئيسيين. أولهما أن هناك تجارب أكثر جاذبية، أكثر نجاحاً في التعامل مع الجائحة، وأقل تكلفة إنسانياً ومادياً، لا يتم إبرازها، مثل تجربة تايوان، وإلى حد ما كوريا الجنوبية، والدولتان ديموقراطيتان، تعاملتا بكفاءة مع الجائحة من دون الحاجة الى الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين بحق قطاعات كاملة من السكان. والسبب الثاني والأهم أن هذا الإعجاب بالتجربة الصينية يميل الى تجاهل حقيقة مزدوجة، تتمثل في أن الصين هي المسؤولة عن ظهور الوباء أولاً، وأن طريقة تعاملها معه كانت السبب وراء انتشاره عالمياً، ثانياً. ففي البداية، كانت الصين تعيش حالة إنكار (state of denial) وتحاول التغطية على الأمر، وقد باتت معروفةً قصة الطبيب الصيني لي وين لنغ الذي استدعته السلطات، لأنه نبه إلى وجود الفيروس مبكراً، بحجة نشر “شائعاتٍ تضر بالنظام العام، وتسيء إلى صورة الصين في الخارج”، وأجبرته على توقيع تعهد بالكفّ عن ذلك، ليموت المسكين لاحقاً بالفيروس الذي حذّر منه. الأهم من ذلك مسؤولية الصين عن ظهور الفيروس، وهو أمرٌ لا يجوز القفز عليه، أو السماح لبكين بالتغطية عليه، عبر إبراز كفاءتها في التعامل مع الجائحة، أو من خلال تقديم حفنةٍ من المساعدات العينية المشكوك بفعاليتها، لإبداء تضامنها مع الدول التي صدّرت إليها الوباء.
بالتأكيد، لا شأن لنا بعادات الآخرين وتقاليدهم، ونحترم ثقافاتهم المختلفة ونقدّرها، ونراها مصدر إغناء للبشرية والثقافة الإنسانية، وهو أمر لا يحتاج إلى نقاش، ولا يجب أن يقال فيه أكثر حتى لا يبدو كأنه دفع لشبهة العنصرية. ولكن عندما تتحول هذه العادات والتقاليد والثقافة إلى مصدر تهديد جوهري للنظام والاقتصاد وصحة العالم، كما يحصل الآن، وعندما تعيش نصف البشرية في حجْر صحي، ونصفها الآخر مهدّد بالجوع والمرض، فهذا أمر لا ينبغي التهاون معه، أو اعتباره شأناً خاصاً يدخل في باب احترام اختلاف الثقافات. وبحسب مصادر متنوعّة، تتراوح الأسباب التي أدت إلى ظهور الفيروس بين عادات أكل صينية غريبة (لكائنات يتم تناول بعضها حية)، وهذا رأي معهد روبرت كوخ الألماني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية، وممارسات جنسية شاذة مع حيوانات، أضاء عليها موقع وورلد نيوز ديلي ريبورت، استناداً إلى اعترافات للسلطات الصينية حول حالة المريض رقم صفر الذي أصيب بالفيروس في إقليم خُوبيِي.
وبعيداً عن موضوع الثقافات واختلافها، فقد طوّرت الإنسانية على مدى القرون الأربعة الماضية قواعد وقوانين وأعرافاً وقيماً ينبغي احترامها في إطار ما يسمّى، في لغة العلاقات الدولية، المجتمع الدولي، الهدف منها الارتقاء بالنظام الدولي، ووضع قواعد للتعامل ومدونة للسلوك بين دوله ومجتمعاته في أوقات السلم والحرب. منها حظر استخدام أسلحة الدمار الشامل بأنواعها، والتشديد على عدم انتشارها ووقوعها في يد جهاتٍ غير مسؤولة، مخافة استخدامها ضد المدنيين، أو ضد منشآت مدنية، والتسبب من ثم بكوارث على البشرية. وقد حصلت حروب ومواجهات، ونشأت أحلاف وتكتلات لفرض هذه القوانين ودرء مخاطر خرقها، واستخدمت ذريعة لغزو العراق، وفرض حصار على إيران وكوريا الشمالية، انطلاقاً من هذه الدول، تحكمها أنظمة غير مسؤولة، ومن ثم فان امتلاكها وسائل دمار شامل يشكّل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
لأسبابٍ مختلفة، أكثرها مرتبط بثقافة الأكل أو عادات اجتماعية معينة، كانت الصين على مدى القرن الماضي مصدراً لعدد من الأوبئة الخطيرة، منها سارس (2002) وإنفلونزا الطيور H5N1 (1996)، وإنفلونزا هونغ كونغ (1968) والإنفلونزا الآسيوية H2N2 (1958. هذه الأوبئة والأمراض، كما يتضح اليوم، أشدّ خطورة من أسلحة الدمار الشامل. ينبغي، بناء عليه، أن يتوجه العالم صراحة إلى الصينيين، وينقل إليهم هذه المخاوف التي تتطلب معالجتها بالضرورة تغييراً في طريقة حياتهم التي باتت تمثل تهديداً للحضارة الإنسانية. ويجب أن يتم ذلك عبر محفل دولي، مثل الأمم المتحدة التي طالما جرى استخدامها منصة للتعامل مع مخاطر أسلحة الدمار الشامل، واتخذت بناء عليه إجراءات بشأنها. الحالة هنا ليست مختلفة، بل أكثر واقعية وخطورة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت