في ظل ما تعيشه سورية من أوضاع طارئة، تهدد حياة الناس، بسبب تفشي وباء “كورونا”، ورغم ايقاف نظام الأسد، حملات التجنيد الإجباري والاحتياط، وتوجيهه لايقاف معظم النشاطات التجارية والاجتماعية في مناطق سيطرته، إلا أن يد أجهزته الأمنية، مازالت فاعلة بقوة، ضد سكان المناطق التي احتضنت الثورة، خاصة في ريف دمشق.
وتشهد مدن وبلدات الغوطة الشرقية، منذ أكثر من شهرين، تصعيداً كبيراً في حملات الاعتقال، و تستهدف كوادر وناشطين سابقين في الثورة، وذلك رغم “التسوية” التي رعتها روسيا، قبل قرابة عامين في الغوطة الشرقية.
وأشار نشطاء من غوطة دمشق، إلى اعتقال دوريات تابعة لـ “الأمن العسكري” و”أمن الدولة” خلال الشهريين الماضيين، عشرات الناشطين السابقين، منهم كوادر طبية ومدنية، وإعلاميين ومنشقين عن قوات النظام، بالإضافة إلى مطلوبين للخدمة الإلزامية.
وذكر الناشط الإعلامي من مدينة دوما، ياسر خوجة، والمقيم حالياً في مدينة عفرين، أن قوات النظام اعتقلت خلال أسبوعين فقط، قرابة 12 من الكوادر الطبية السابقة من مدن عربين ودوما وكفربطنا ومسرابا، ممن عمل سابقاً أثناء الحصار، بينهم الطبيبين فايز كوكة، وبشير نداف، وتم اقتيادهم إلى “فرع فلسطين” دون معرفة مصيرهم حتى الآن.
ويأتي هذا الاستهداف للكوادر الطبية حسب خوجة، بعد أيام من حملة موسعة استهدفت أيضا كوادر سابقة في “الدفاع المدني”(الخوذ البيضاء) حيث اعتقل النظام ما يزيد عن 8 عناصر في بلدة عين ترما.
وأضاف الناشط في حديثه لموقع “السورية.نت”، أن الاعتقالات شملت أيضا نشطاء إعلاميين وعاملين سابقين في النشاط الإغاثي، وقاضي سابق في فصيل “فيلق الرحمن”، ومسؤولين بالمجالس المحلية، موضحاً أن معظم الاعتقالات من خلال حملات طالت بيوت الأشخاص المطلوبين.
وقال أحمد الموسى (اسم مستعار) شاب من مدينة عربين: إن “أغلب الشباب الذين أجروا تسوية تم سحبهم الى الخدمة الالزامية أو الاحتياطية، حيث تم ارسالهم الى معسكراتٍ للخضوع لدوراتٍ تدريبية قصيرة، ثم تم زج أغلبهم في معارك الساحل وحماه وحلب وادلب، حيث قُتل الكثير منهم خلال المعارك، بينما ما يزال آخرون يقاتلون حتى الآن ضد فصائل المعارضة”.
وقال أبو ماهر صالح من مهجري الغوطة، إن “النظام لم يلتزم أبداً باتفاق التسوية، حيث شن حملات اعتقالٍ واسعة بعد أيام من سيطرته على الغوطة”، مشيراً الى أن “النظام في البداية كان يقوم بسوق شاب من كل عائلة الى الخدمة العسكرية، ويتغاضى عن باقي أخوته، ثم لاحقاً بدأ يعتقل جميع شبان العائلة ويزجّهم في صفوف جيشه، ولاسيما بعد أن بدأ يعاني من نقصٍ في الجنود”.
محاولات هروب
من جانب آخر تحدث شاب من مدينة دوما، اشترط عدم ذكر اسمه بسبب وجوده في مناطق سيطرة النظام، عن محاولة عشرات الناشطين السابقين والشبان، الهروب من مناطق سيطرة النظام بسبب استمرار حملات النظام الأمنية.
وأوضح الشاب الثلاثيني، أن ما وصفه “غدر النظام بأصحاب التسويات دفع العديد منهم لمحاولة الهرب من المنطقة والخروج إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر مهربين”، مؤكداً أن بعضاً منهم نجح في ذلك، فيما ألقت أجهزة النظام الأمنية القبض على آخرين، كان آخرها اعتقال امرأة زوجها من عناصر فصيل “جيش الإسلام” ومطلوب لمخابرات النظام.
في السياق ذاته وثقت شبكة “صوت العاصمة” الإخبارية، 530حالة اعتقال نفذتها أجهزة النظام الأمنية في دمشق وريفها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وشملت الاعتقالات بحسب الشبكة الإعلامية، عدداً من عناصر “التسويات”، بالإضافة لاعتقالات أخرى لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، كما وثقت الشبكة اعتقال نساء اتهمهم النظام بالتواصل مع مطلوبين خارج البلاد.
كما سجلت الشبكة، مقتل ما يزيد عن 40 من عناصر التسويات، المتطوعين في صفوف الميليشيات الموالية للنظام، من أبناء ريفي دمشق الشرقي والغربي، على جبهات القتال المشتعلة شمال سورية منذ مطلع العام الجاري.
حلول أخرى: التواري والرشوة أو “التطوّع”
وعمد بعض الشبان في الغوطة، للتخفّي عن الأنظار، لتجنب سوقهم للخدمة الإلزامية، أو الاعتقال لأسباب أخرى، إلا أن مخبرين مرتبطين بالأفرع الأمنية، كانوا يُبلّغون عنهم ليتم إرسال دوريات تقوم بعمليات مداهمة لأولئك الشبان، وسوقهم الى جبهات القتال، بعد اعتقالهم لفترة ضمن الأفرع الأمنية والتحقيق معهم، للاعتراف عن باقي الشبان المتخفّين، ضمن الغوطة أو المتعاونين مع الفصائل سابقاً.
ولتجنب عمليات المداهمة والاعتقال، قال أحمد الموسى(اسم مستعار) من سكان الغوطة، إن “بعض الشبان يدفعون رشاوى مقابل التغاضي عنهم، حيث يدفع كل شاب مبلغ 150 دولار شهرياً للضابط الأمني المسؤول عن منطقته التي يتواجد فيها، ليقوم بإخفاء اضبارته ضمن شعبة التجنيد أو التلاعب فيها، بحيث لا يتم ارسال أي دوريات مداهمة الى منزله، ورغم ذلك قد يتعرض للاعتقال أو السوق للخدمة في حال مرّ على أحد الحواجز التابعة لفرع أمني آخر”.
في المقابل، اتجه شبان آخرون، الى الانتساب الى ميليشيات النظام وحلفائه، للتهرّب من الخدمة العسكرية أو الاعتقال، وانضم بعضهم الى “لواء القدس الفلسطيني”، أو ميليشيا “النمر”، أو الى ميليشيات تابعة “للحرس الجمهوري”، أو قوات “غيث دلة” التابعة “للفرقة الرابعة”.
وقال أبو رضوان من أهالي سقبا لـ”السورية.نت”، أنه و “حين كنا متواجدين عام 2018 ضمن مركز إيواء حرجلة بريف دمشق الى جانب الآلاف من سكان الغوطة، قدم عناصر مرتبطين بالنظام عرضاً لبعض العوائل، يتضمن أنه في حال انتساب أولادهم الى أحد الميليشيات، سيتم اخراجهم من المركز والسماح لهم بالعودة الى الغوطة واعطاءهم مساعدات اغاثية، فاضطر البعض للموافقة، حيث كانت الأوضاع المعيشية في مركز الايواء سيئة للغاية”.
حتى غير المطلوبين في خطر !
من جهةٍ أخرى هناك فئة من الشبان في الغوطة، من غير المطلوبين للخدمة العسكرية وليس عليهم أي إشكاليات مع أجهزة أمن النظام، تمكنوا من البقاء ضمن الغوطة، وممارسة حياتهم الطبيعية، لكنهم عانوا من التضييق الأمني والذي يطال كل أهالي الغوطة، حيث يواجه السكان تشديداً أمنياً على عملية الدخول والخروج.
وسمح الأسد بعد سيطرته على الغوطة للأهالي، بالمرور فقط من “معبر النور” في منطقة المليحة، والذي يؤدي إلى بلدة جسرين ومنها إلى كامل الغوطة، وتسيطر عليه “المخابرات الجوية” و”الحرس الجمهوري”، وبعدها فتح النظام ثلاثة معابر أخرى، وهي: “معبر الصمادي” المتواجد على الاوتوستراد الدولي في منطقة كرم الرصاص باتجاه دوما وحرستا، ويسيطر عليه “الحرس الجمهوري” وفرع “أمن الدولة”.
وهناك أيضاً معبر (حاجز المياه) في عربين، والذي يصل إلى حرستا، ويقع تحت سيطرة “الفرقة الرابعة” و”الأمن السياسي”.
أما المعبر الرابع (حاجز أسواق الخير)، وتسيطر عليه “المخابرات الجوية” و”الحرس الجمهوري”، إضافةً الى تحضيرات لفتح معبر خامس (حاجز جسر زملكا)، ويصل بين زملكا وعربين وعين ترما.
ويحتاج أهالي الغوطة بما فيهم الشبان تحديداً، للحصول على موافقة أمنية للسماح لهم بالدخول والخروج، وقال أبو رضوان من أهالي سقبا:”يتطلّب الحصول على موافقة أمنية التوجه الى مكتب قيادة الحرس الجمهوري والفرع الأمني المسؤول عن القطاع الذي يقيم فيها مُقدم الطلب، حيث يُسجّل الشخص البيانات الخاصة به، إضافةً إلى توضيح سبب الخروج ووقت العودة”.
وقد يحصل الشخص على الموافقة الأمنية في نفس اليوم، أو يضطر للانتظار عدة أيام، واذا كان المتقدم مطلوباً يتم اعتقاله.
ولا يقتصر التضييق على الخروج فقط، بل على الدخول أيضاً، ففي أغلب الأحيان تطلب حواجز النظام ممن يود الدخول تقديم شيء يُثبت أن لديه عقاراً أو أقارب في الغوطة، اضافةً الى التدقيق على كل من يمر عبر الحواجز، وقد يتم اعتقال أي شاب حتى لو لم يكن مطلوباً، وذلك حسب مزاجية عناصر الحاجز.
من يرعى التسوية؟
وحول أسباب الخروقات الكبيرة لأجهزة النظام الأمنية، لـ”التسوية” المفترضة، في بلدات غوطة دمشق، رأى المحامي ابراهيم عرابي، المقيم في تركيا، أن من أهم أسباب خرق “التسويات” هي “النفوذ الذي تتمتع به الأجهزة الأمنية” في المنطقة بعد اتفاق المصالحة وعدم حفظ روسيا الراعية للاتفاق لعهودها، وغياب قوة محلية موحدة ضاغطة.
وأوضح عرابي لـ”السورية.نت”، أن دور المليشيات الإيرانية وأجهزة النظام هو الأبرز في ريف دمشق، في ظل ضعف تواجد الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة.
وأكد المحامي، وجود معلومات لديه تثبت أن “الشرطة العسكرية الروسية التي رعت اتفاق التسوية منعت في بعض الأحيان عناصر النظام من استكمال عمليات الاعتقال بل وأفرجت عن بعض المعتقلين لكن وجودها ضعيف ويزيد من الأمر سوءً عدم وجود قوة لأهالي المنطقة وممثلين عنهم للتفاوض”.
وختم الحقوقي حديثه، بالدعوة إلى انتفاضة شعبية شبيهة بما حصل في درعا قبل أسابيع، أو تشكيل لجان في كل منطقة، يكون مهمتها الضغط على النظام بشتى الطرق الممكنة، لإيقاف انتهاكات أجهزته الأمنية، مضيفاً أن “النظام وداعميه لا يفهمون إلا هذه اللغة”.