السلام آت بين سوريا الاسد وبين إسرائيل. لعله صار وشيكاً. بوادر حسن النية المتبادلة بين الجانبين ليست خافية على أحد. وهي توحي بأنه لم يعد هناك عائق أمام الجلوس حول طاولة مفاوضات مباشرة، يرعاها وسيط روسي، لتعبر عن مصلحة ثلاثية سورية إسرائيلية روسية في الانتقال الى هذا التحول الاستراتيجي في المشرق العربي.
هدية اللقاحات الروسية التي قدمتها إسرائيل الى القيادة السورية، الاسبوع الماضي كانت مؤشراً إضافياً على أن جسور الثقة والود بين الدولتين والحكومتين، التي بنيت على مدى الاعوام العشرة الماضية، تخطت الحاجز النفسي الأخير، الذي يحول دون السلام والتطبيع معاً. ومن الآن فصاعداً لن يثير أي لقاء ثنائي سوري إسرائيلي الاستغراب، ولا حتى السؤال عما إذا كان النظام السوري قد إنقطع عن ماضيه، وعن الوصية التي تركها المؤسس حافظ الاسد والتي تتضمن شروطاً واضحة للإحتفاظ بالسلطة بينها المحافظة على حالة من العداء مع اسرائيل.
وليس من المستبعد أن تكون روسيا تدرس هذه الايام تنظيم عقد اللقاء الثنائي الجديد، الذي بات الجانبان السوري والاسرائيلي يتطلعان اليه بحماسة، لاستكشاف سبل بلوغ السلام والتطبيع، الذي يفتح أفق الخروج من مأزق إنهيار الوضع الاقتصادي والمالي في سوريا، ويوسع مجال الصراع الذي يخوضه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع إيران من جهة ومع إدارة الرئيس الاميركي جو بادين التي تسرع الخطى للتصالح مع الايرانيين.
ولن يكون من الصعب أن تجد دمشق في الانحدار المتسارع لسعر العملة ولمستوى المعيشة في سوريا، حافزاً للاسراع في فتح قنوات الاتصال والتفاهم مع اسرائيل، طالما أن القيادة الايرانية لم تعد قادرة، ولا راغبة ربما، في إنقاذ النظام والحؤول دون إنفجار غضب شعبه الذي يغرق في الفقر والجوع، والذي يدفع اليوم ثمن حرب عشوائية مدمرة باهظة الكلفة، كما يخضع لعقوبات اميركية قاسية، ويتعرض لضغوط روسية متصاعدة.
بل قد تدعي دمشق قريباً أن السلام والتطبيع مع اسرائيل هو سبيلها الوحيد للخلاص، بعدما مهدت لذلك بما يشبه القطيعة مع القضية الفلسطينية وعناوينها ورموزها كافة، وأطلقت خطاباً داخليا معاديا للفلسطينيين وحاقداً عليهم، بعدما تلقت عروضاً خليجية، إماراتية خاصة، بالمساعدة المالية إذا ما حذت حذو دول التطبيع العربي، وإذا ما إنفصلت عن ايران ونأت بنفسها عن حلفاء طهران اللبنانيين والعراقيين.
يمكن ان تتردد إسرائيل في الاقدام على هذه الخطوة في إتجاه نظام مفلس في دمشق، من دون أن تطلب الإذن من أميركا، التي يفترض ان تكون حاضرة وشريكة مع موسكو في رعاية السلام والتطبيع، لا أن تكون مشاهداً بعيداً مثلما حصل في اتفاق اوسلو الاسرائيلي الفلسطيني الشهير، لكن نتنياهو الذي يواجه إختباراً حاسماً لمستقبله السياسي ولا يجد نصيراً واحداً في إدارة بايدن، يمكن ان يلجأ الى وضع واشنطن أمام الامر الواقع، ويعتبر إخراج إيران من سوريا بواسطة معاهدة سلام سورية اسرائيلية هو أحد الأثمان التي يطلبها مقابل التسوية النووية المرتقبة بين واشنطن وطهران.
السلام والتطبيع بين سوريا الاسد وبين اسرائيل قاب قوسين أو أدنى. وهو يبدو كأنه تحصيل حاصل. لكن المؤكد أنه لن يجلب الاستقرار والازدهار لسوريا، مثلما لم يجلبه لأي من دول التطبيع العربي منذ اواخر السبعينات وحتى اليوم.. بل قد يكون شرارة جديدة للصراع على سوريا الممزقة، لن تكون إيران بمعزل عنه، وربما سبباً إضافياً للصراع بين السوريين أنفسهم، على مستقبل نظام بنى شرعيته السياسية على حجتين متساقطتين: ضمان أمن سوريا الداخلي من خطر الانقلابات العسكرية والثورات السياسية، وحماية حدود سوريا من أي إختراق إسرائيلي، أو أي تسلل من داخل أراضيها في إتجاه فلسطين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت