ليست الموجة المرتقبة من التطبيع العربي مع النظام السوري بالحدث الهين، حتى وإن كانت اليوم في طور المحادثات السرية أو “المراجعة”، كما وصفها دبلوماسي سوري أخيراً. وبالتأكيد لهذا التطبيع انعكاسات في لبنان، ويحق للبنانيين وسوريين وفلسطينيين أن يقلقوا من إعادة تعويم هذا النظام عربياً، وأدواره وأهدافه المحتملة في الإقليم. لكن وقبل الخوض في المخاوف وصحتها ومداها، علينا النظر في المعاني السياسية لهذا التطبيع العربي في حال حدوثه، والعودة المحتملة للنظام الى جامعة الدول العربية.
أولاً، التطبيع مع النظام يتزامن مع الانتخابات الرئاسية غير المعترف بها دولياً، كونها تتجاوز العملية السياسية وتُكرّس الأمر الواقع. عملياً، التطبيع العربي هو موافقة على تدمير العملية السياسية وتجاوزها، وتثبيت النظام السوري كممثل شرعي أوحد على الأراضي السورية.
ثانياً، التطبيع هو قبول أيضاً بالوقائع الديموغرافية المفروضة على الأرض. 9ملايين سوري اليوم يُقيمون تحت سيطرة النظام السوري، وفقاً لمركز “جسور” للدراسات. تقريباً، ضعفا هذا العدد خارج سيطرة النظام، والأرجح أن لا يعود عدد وازن من هؤلاء السوريين الى مناطقهم، والسبب بات واضحاً. ذاك أن سوريا “المفيدة” فيها غالبية من الأقليات غير السُنيّة، وتحوّل فيها السُنّة من غالبية ساحقة إلى أقلية كبيرة. والطائفة العلوية باتت أقلية وازنة ولها وجود كبير في العاصمة السورية.
وهذا الواقع هو نتاج جريمة تطهير عرقي من خلال التهجير والقتل والتدمير والتعذيب والتنكيل على مستويات لم يرها المشرق على هذا المستوى سوى في الأراضي الفلسطينية في حربي 1948 و1967.
التطبيع مع النظام السوري، بمعزل عن المسار السياسي ومتطلبات العملية الانتقالية، هو قبول بهذه الجريمة وبنتائجها الديموغرافية، بما يُشجع على تكرارها في المنطقة بأسرها، ويُخفف من وقع الضغوط من أجل عودة اللاجئين والتنازل سياسياً ودستورياً.
آثار التقارير عن هذا التطبيع، ولو لم تكتمل صورته بعد، بدت في رؤية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اليوم بأن “مسار التعافي” بدأ في سوريا، رغم أن “الاستحقاق الأخطر” فيها اقتصادي، ولا يقتصر عليها، “وهي مصممة على الصمود والمواجهة”.
لكن المسار “الاقتصادي” هو لُب الموضوع أيضاً. بيد أن الصحيفة ذاتها (الغارديان البريطانية) التي كشفت عن الاجتماع بين رئيسي المخابرات السورية والسعودية، كتبت أيضاً عن تحول سوريا الى مقر لصناعة مخدر الكبتاغون في المنطقة. وهذا مسار متلازم مع لبنان الذي بات أيضاً في حالة اقتصادية يُرثى لها، تنعكس على قدرة الدولة على إدارة أي شيء في البلاد ومنها ضبط الحدود ومكافحة الجريمة. عملياً، التطبيع مع هذا النظام، هو قبول بدوره الاقتصادي الجديد، ذاك أن مسرح جريمة اسمه سوريا استحال مصنعاً للمخدرات على مستوى دولة. وهذه حالة مرشحة للاتساع، في ظل العقوبات الغربية الخانقة وتواصل الحرب والضربات الإسرائيلية. وسوريا اليوم قادرة، من خلال دورها الجديد، على تخريب جيل بأكمله في منطقة لا أفق مستقبلياً لها، بل تعدنا بمزيد من التضييق على الحريات واقتصادات غير منتجة وبطالة وفقر وعنف وصراعات متجددة.
صحيح أن الحرب السورية باتت شبه متوقفة وتقتصر على الأطراف، وأن النظام بات في طريقه للتعافي، كما قال نصر الله. إلا أن للتطبيع ثمناً باهظاً، أخلاقياً وسياسياً، لكن حصوله، وهو ربما مُرجح في ظل التحولات الإقليمية والمحادثات السرية في أكثر من مسار، لا بد أن يجعل المنطقة أقل أماناً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت