لا تُلام تلك الشريحة من السوريين التي انشغلت مؤخراً بالتقصي عن الطرف الذي تتبع له شركة “BS” للخدمات النفطية. فغالبيتهم لم يسمع بها من قبل، رغم أنها كانت ناشطة في سوق المحروقات السورية منذ ثلاث سنوات على الأقل. إلا أنها طفت إلى السطح في الأيام القليلة الفائتة، لتنجز ما عجزت حكومة النظام عن إنجازه، في وقتٍ قياسي، تسبب في طرح العديد من إشارات الاستفهام.
إذ، وبعد ساعات من إعلان رفع أسعار المشتقات النفطية المخصصة للصناعيين والتجار، بنسبة 100%، توفرت تلك المشتقات. وتمكن الصناعيون والتجار من الحصول على مخصصاتهم، من شركة “BS”، بأسعار تضاهي الأسعار العالمية، لكنها أرحم من أسعار “السوق السوداء”. الأمر الذي يؤشر إلى الغاية الجليّة للأزمة غير المسبوقة التي عصفت بقطاع الطاقة في سوريا، خلال الأسبوعين الفائتين.
وإذ تعوّد السوريون على أزمات المحروقات على مدار السنوات الثلاث الفائتة، إلا أن الأزمة هذه المرة تصعّدت إلى مستوى غير مسبوق، تسبب بشلل معظم الأنشطة المعيشية والاقتصادية والخدمية. وظهرت حكومة النظام بمظهر العاجز كلياً. بل وبدت بعض مظاهر العجز تلك، مقصودة. إذ خرج وزيرا التجارة الداخلية والاقتصاد بتصريحات يقرّان فيها بشح القطع الأجنبي، والعجز عن توفيره لشراء النفط.
وفي ظل أجواء كهذه، يُذاع خبر الاتفاق مع شركة “BS” المملوكة لآل قاطرجي. وتتمكن الشركة بسرعة مثيرة للجدل، من أن تتواجد في السوق، وتورّد مخصصات الصناعيين والتجار، وتبدأ في بيع المشتقات النفطية للفعاليات الأخرى وللسيارات الخاصة عبر محطات وقود، اتضح لاحقاً، أنها تعاقدت معها مسبقاً، وجهزت آلية محددة للبيع، عبرها. مما يعني أن الاتفاق الذي أوكلت بموجبه حكومة النظام، لشركة “BS”، توزيع وبيع المشتقات النفطية، بدلاً منها، لم يكن وليد اللحظة، بل كان قد جُهّز له، منذ أشهر، على الأقل. وإلا، كيف تمكنت الشركة من توفير تلك الكمية من المحروقات، والتعاقد مع محطات وقود في 5 محافظات، والبدء بتنفيذ آلية محددة للبيع، بصورة مباشرة!
التفاصيل السابقة، تدفعنا للاتفاق مع من يقول إن ما حدث في البلاد، خلال الأسبوعين الأخيرين، كان خطة مدروسة لدفع الفعاليات الاقتصادية وحتى العامة من الناس، لتقبّل تحرير أسعار المحروقات، رغم أن هذه الخطوة ستنعكس ارتفاعاً في أسعار مختلف السلع. لكن بعد أزمةٍ تُشل فيها الحياة بشكل شبه كامل، سيتقبّل الناس ذلك. وهو ما حدث فعلاً، إذ بات الناس يطالبون بأي حلٍ، بعيداً عن انفلات “السوق السوداء” الذي خرج عن السيطرة. ومع إخماد احتجاجات السويداء، اطمأن النظام إلى خضوع الشارع لرغبته في تحرير أسعار المحروقات. ومع هذا الخضوع، بات السؤال الذي شغل كثيراً من السوريين: من المستفيد من الأزمة الأخيرة؟
اللافت في الأمر، أن عائلة قاطرجي التي ارتقت إلى مصافي أثرى أثرياء سوريا، بصورة دراماتيكية، خلال أقل من عقدٍ من الزمن، كانت قد مرت في الصيف الفائت، بمحنة غير مسبوقة. وفي نهاية أيلول/سبتمبر، كانت الشائعات رائجة حول تعرّض حسام وشقيقه، براء، للاعتقال في دمشق، وسط حملة حكومية ضد شركاتهم، وصولاً إلى تجميد حساباتهم المالية. ورغم تضارب المعلومات بين مؤكدٍ للاعتقال، ونافٍ له، كان المؤكد هو استمرار المناوشات التي ازدادت وتيرتها بين الميليشيا المسلحة التي تتبع للعائلة في المنطقة الشرقية، من جهة، وبين “الفرقة الرابعة”، وميليشيات تتبع لإيران، من جهة أخرى.
وكانت مقدمات محنة آل قاطرجي، قد طفت للسطح في نهاية أيار/مايو الفائت، إذ تأكدت مساعي ماهر الأسد، للاستيلاء على تجارة وترفيق النفط من “شرق الفرات”. تلك المساعي باءت بالفشل في نهاية المطاف. وقد راج تفسيران لذلك، الأول، تحدث عن صفقة عُقدت داخل القصر الجمهوري، يدفع آل قاطرجي بموجبها نسبة غير معلومة من أرباحهم، للمكتب الاقتصادي في القصر، بصورة شهرية. فيما التفسير الثاني، تحدث عن دعم روسي لآل قاطرجي، استتباعاً للتحالف الذي تعزز معهم قبل نحو سنة ونصف السنة. وقد يدعم التفسيران معاً، تقديم فهمٍ واضح لما حدث لاحقاً. إذ لا يكفي الدعم الروسي وحده، لجعل شركة العائلة تحصل على احتكارٍ يبيض ذهباً، من قبيل الاستيلاء على توزيع وبيع المحروقات في السوق المحلية. فاحتكار من هذا الحجم، لا بد أنه يحظى بدعمٍ من داخل النظام، ذاته، بصورة تسمح بقوننته، كما حدث في الأيام القليلة الفائتة.
وهكذا، وبعدما تعرّض آل قاطرجي لضغط كبير من إيران عبر ميليشياتها، وحليفها ماهر الأسد، للتخلص من حليف محلي لروسيا، وسلبه احتكار نقل النفط عبر الفرات، وجد بشار الأسد أن من مصلحته موازنة قوة شقيقه ونفوذه، بتحالفٍ مع هذه العائلة بنفوذها العشائري الكبير في شمال وشرق سوريا، وفي الوقت نفسه، يستطيع أن يستفيد بشكل كبير من هذه الشراكة المغرية معها. إذ تحصل صهاريج آل قاطرجي على برميل النفط بنحو 25 دولاراً، وتنقل بصورة يومية، نحو 20 ألف برميل. والآن، وبفضل قرار حكومة النظام، أصبحت العائلة تستطيع أيضاً، بيع النفط المكرر في مصفاة حمص، مباشرةً، عبر محطات متعاقدة معها، وبسعر يضاهي السعر العالمي، في السوق المحلية. إنها صفقة رابحة من كل الجوانب، تؤشر إلى أن الشريك الخفيّ لآل قاطرجي، يقبع في القصر الجمهوري بدمشق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت