إلى هذه اللحظة، من الصعب التفكير في صراع بين القوى الإقليمية والدولية حتى، لم يُترجم بعد على الأرض في سوريا، وهي أيضاً مسقط رأس تحولات إقليمية جديدة ما زالت قيد الاختبار.
سوريا اليوم في قلب المحاولات الإسرائيلية لاحتواء ما تعتبره “تهديداً ايرانياً”، وهذا نراه جلياً في القصف المتواصل لمنع طهران من بناء قواعد أو تهريب أسلحة نوعية لميليشياتها. وأيضاً سوريا اليوم مسرح أساسي للصراع بين تركيا وروسيا، ولآليات التفاهم والتواصل بينهما. الصين تعتبر مواجهة “الحزب الإسلامي التركستاني” أولوية أمنية وجيوسياسية لها، بما أن التنظيم درّب ويُدرّب آلاف المقاتلين ممن قد يُشكلون تهديداً مستقبلياً لأمن بكين ومصالحها في المنطقة. هذا الحزب الناشط برعاية تركية غير مُعلنة، أيضاً تهديد طويل الأمد لجهة تغذيته عالم الجهاديين بالعداء لبكين وسياساتها عبر منشوراته باللغة العربية وكذلك علاقاته وتحالفاته في الداخل السوري حيث حصل على وعود بمناصرة قضيته مستقبلاً لرد جميل مشاركته السخية في قتال النظام.
عدد الدول المنخرطة في النزاع السوري، تمويلاً أو تسليحاً أو قتالاً، ليس بالهين. بعض هذه الأهمية تتوزع بين الموقع الجغرافي، على ضفاف المتوسط، وكصلة بين تركيا من جهة وبقية العالم العربي، شرقاً وغرباً وجنوباً، وكمركز ديني ولاعب من الوزن الثقيل تاريخياً في المنطقة. كانت سوريا مركزاً للصراعات الإقليمية والدولية في خمسينات وستينات القرن الماضي، ومقبرة لمشاريع الوحدة العربية.
كما أسس النزاع غير المتكافئ في سوريا اليوم لمروحة من الأحداث، بدءاً بأزمة اللجوء وانعكاسها على الأردن ولبنان وتركيا، وانتهاء بتأجيج الصراعات الإقليمية والتوترات السنية-الشيعية. الأثر كان واسعاً. بيد أن من الصعب التفكير بمآلات الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي، دون النظر الى أثر جرائم النظام السوري في صدم الوعي العربي، وتبديل موقع القضية الفلسطينية وارتكابات الاحتلال في قائمة الأولويات العربية. بكلام آخر، غطت ممارسات النظام السوري على قضية محقة، وبدلت الوعي العربي حيال المظالم الفلسطينية، بصفتها أقل حدة من نظيرتها السورية.
اليوم، وفي خضم التطورات المتسارعة في المنطقة، وعلى رأسها انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، هناك محاولات للتطبيع مع النظام السوري، وإعادة تعويمه محلياً واقليمياً، بصفته ممراً للاستقرار في المنطقة، وربما لأدوار طموحة اقليمياً. كبير مراسلي صحيفة الأوبزرفر البريطانية مارتن شولوف، كتب في مقال له يوم أمس أن الأردن يلعب دور الوسيط لاعادة تعويم النظام السوري كضامن للسلام في المنطقة وضمنها لبنان. ومشروع الغاز العربي الذي يمر بالأردن وسوريا، يضع النظام السوري في قلب مسعى لإيجاد حلول للبنان، وفقاً لشولوف، وبالتالي فإن النظام سيستغل هذه الوضعية للخروج من مأزقه الحالي. بكلام آخر، يلعب الأردن دوراً كوسيط بين الولايات المتحدة وأوروبا، من جهة، وبين النظام السوري، من جهة ثانية، لإيجاد مكان له في المعادلات الإقليمية. في ظل غياب دور أميركي فاعل، بإمكان حلفاء مثل الأردن ومصر لعب أدوار بالوكالة، إلى جانب الفاعلين الروسي والإيراني والتركي.
الدور الأردني بالوكالة (عن الولايات المتحدة)، بدأ للتو، وسيكون حاضراً بعد صفقة الغاز، في ملفات أساسية مثل الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا، ولو كان ذلك مؤجلاً لما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس العام المقبل.
لن يلعب النظام السوري دوراً هنا، بل جُل ما يقدر أن يفعله هو التحول الى ممر، إذ أن دمشق لا تملك الاستقرار ولا القدرة اللوجستية على التحول الى لاعب إقليمي. النظام يُساوم على مكاسب داخلية وبعض الاعتراف، لكنه ما زال خفيراً في ساحة يملك فيها لاعبون كبار أوراقاً كثيرة. سوريا، ورغم وهن نظامها وتبعيته، تبقى ساحة رئيسية قد يتبلور فيها وعبرها توزع القوى الإقليمية وأدوارها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت