أعلن وزير الصحة لدى سلطة الأسد اكتشاف أول بالكورونا، لمريضة وافدة من الخارج لم تظهر عليها أعراض المرض بحسب تصريحه. الوزير نفسه أعلن قبل أيام، في رده على سؤال تلفزيوني حول الوباء، أن قوات الأسد قد طهرت البلد من الجراثيم، ما أثار تندراً واسعاً لا على خلطه بين موضوعين منفصلين، وإنما أيضاً بسبب عدم تمييزه بين الجراثيم والفيروسات. تلفزيونات الأسد كانت خلال الأيام الماضية قد دأبت على نقل مشاهد لتعقيم شوارع وباصات نقل عام وأبنية، وهو مشهد لم نره في مختلف الدول التي ضربها الفيروس، مع الدأب على إنكار وجود إصابات، وكأن الإمكانيات المعروفة لسلطة الأسد تتيح لها ترفاً لا تتمتع به قوى اقتصادية عظمى.
في ظروف مختلفة، كنا لنجد في أداء سلطة الأسد مساحات شاسعة للسخرية يتسلى بها أولئك الخاضعون للحجر المنزلي في مختلف بلدان العالم. لكن تصعب السخرية على كثر منا بقدر ما يسهل الكذب على الأسد ومسؤوليه، وربما بقدر ما يسهل تصديق تلك الأكاذيب على بعض مؤيديه. كثر منا يتمنون المستحيل في قرارة أنفسهم، يتمنون لو كان هذا الإعلان صادقاً حقاً، وأن تكون سوريا خالية من الوباء باستثناء تلك الإصابة الوافدة المزعومة، وأن كافة التدابير المتسارعة هي احترازية ليس إلا، وأن هذا الإعلان ليس تغطية على جبل من التكتم.
اليوم، قد لا يرى أحد نفسه في منجى عن الوباء الذي ينتشر في العالم، وهذا بالطبع حال السوريين المهجّرين الذين نجوا من الإبادة. سوريا ليست استثناء لتكون في منأى عنه، الاستثناء الذي تتشارك فيه سلطة الأسد مع سلطات قليلة مشابهة هو إنكار وجود إصابات أمام العالم، والتعامل واقعياً على أنها غير موجودة، ومن المعلوم على نطاق واسع أن الأسدية حولت سوريا إلى بلد منكوب بكل المقاييس وفي طليعتها المعايير الصحية.
انضمام سوريا “رسمياً” إلى نادي كورونا يفتح على تكهنات وسيناريوهات مرافقة لها، يجدر بنا تحاشي أكثرها سوءاً رحمةً بسوريي الداخل والخارج، حيث تنشطر العائلات بين هنا وهناك، وحيث لم تخترْ الغالبية منهم المآل الموجودة فيه حالياً. ذلك يجب ألا يمنع مقاربة الواقع كما هو، ومن دون استهتار أو بثّ للرعب.
نعلم جميعاً أن الرهان العالمي الآن متوقف على تقليل انتشار الوباء في انتظار الحصول على دواء مؤقت له، ريثما تتمكن المخابر من طرح لقاح مضاد، والعملية الأخيرة لتكون مضمونة قد تستغرق ما لا يقل عن سنة. الرهان في الدول التي لديها نظام صحي متوسط الأداء وما فوق هو عدم انتشار الفيروس بشكل يغرق الإمكانيات الطبية، وأن يبقى معدل الإصابات ضمن القدرة على الاستيعاب. الحديث عن الإمكانيات الطبية يتعلق أولاً بالقدرة على التشخيص المبكر، ومن ثم العزل الصحي للمصابين وتقديم الرعاية لهم، ليصل في الحالات القصوى إلى وجود أسرة عناية مركزة وأجهزة تنفس كافية. جدير بالذكر أن الأنظمة الطبية الأكثر تطوراً غير معدّة لمواجهة تفشي الوباء، وهذا يعفينا من الحديث عن بلد منكوب على صعيد الخدمات الطبية مثل سوريا.
رأينا في العديد من البلدان الغربية كيف طمأن المسؤولون المواطنين بأن السلع الأساسية متوفرة بكميات كافية، والهدف هو تقليل ازدحام الناس في الأسواق، مع التنويه بما للتطمينات من مصداقية، وبالتزام غالبية المتسوقين بمسافات أمان مقبولة نسبياً. لا بد من الإشارة هنا إلى الميزانيات الاستثنائية الضخمة التي رصدتها حكومات هذه الدول من أجل مواجهة الوباء على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي، فضلاً عن تلك التي خصصت للقطاع الصحي. غاية تلك الميزانيات دعم التدابير الوقائية ودعم المجتمعات لتحمل إجراءات الحجر العام، وعلى نحو خاص دعم الفئات الفقيرة “وهي الأضعف دائماً”، إذ من دون دعم هذه الفئات يصبح الحجر عقاباً جماعياً فوق ما له في الأصل من آثار نفسية على الجميع.
الكارثة السورية، التي لا نتمنى وقوعها، هي في تضافر مجموع العوامل الاقتصادية والمعيشية والصحية. إذ من المعلوم أن البلاد شهدت قبل أشهر قليلة تدهوراً في قيمة الليرة يعكس ارتفاع الدين العام، وبعبارة أوضح يعكس إفلاس البنك المركزي. بحسب تقديرات منظمات دولية، 83% من السوريين هم تحت خط الفقر، وهذه النسبة ذات دلالة إضافية اليوم مع الإجراءات الاستثنائية لمواجهة الوباء. وإذا افترضنا أن قسماً ممن يصنّفون تحت خط الفقر هم من فئة الموظفين، وستتكفل السلطة بصرف رواتبهم خارج العمل، فإن النسبة الأكبر هي على الأرجح من الذين لا دخل لهم، أو ستتوقف أعمالهم البسيطة مع الحجر العام.
إن أضخم ازدحام في مراكز التسوق الغربية لا يدنو ليقارَن بالأجساد السورية المتراصة من أجل الحصول على ربطة خبز في الأحوال السابقة على الوباء، والمشهد الأخير نقلته صفحات موالية لمناسبة إشراف مسؤول حزبي صغير على توزيع الخبز حين كان التلفزيون يستعرض حفلات تعقيم الشوارع! لن يكون مؤشراً جيداً توفر بعض السلع، بما فيها الغذائية غير الأساسية، بسبب انعدام القوة الشرائية لدى غالبية السوريين، فالوجه الآخر هو الاكتظاظ للحصول على السلع التي لا بد منها، وفي المنافسة لا يندر أن يتغلب الجوع على الحوافز الذاتية للوقاية من الأمراض.
حتى الآن لم تعلن جهة في مناطق سوريا الأخرى عن اكتشاف إصابات، لكن الوضع شديد السوء بكافة المعايير الإنسانية المعيشية والصحية في إدلب ولدى النازحين الجدد منها، يليها في التردي باقي مناطق السيطرة التركية ومناطق سيطرة قسد. مع الإشارة إلى أن تلك المناطق لم تحظَ بأجهزة كشف للفيروس على غرار التي حصلت عليها سلطة الأسد من منظمة الصحة العالمية، المأمول من القوى المسيطرة فيها أن تتمتع بشفافية أعلى في حال ثبوت إصابات، لأنها بهذا تحفز السكان على التعاطي بمسؤولية أكبر مع الوضع، وقد تحفّز المنظمات الصحية الدولية على تقديم المساعدة.
قد يكون دخول سوريا نادي كورونا من باب رفع عتب المنظمات الدولية التي تلمّح إلى إخفاء بعض سلطات المنطقة الحقائق، وأسوأ ما في ذلك أن يؤخر المعالجة وفرصة الحصول على مساعدات ذات تأثير أكبر قبل تفشي الوباء. لدينا أمثلة بالغة الأهمية على دول متقدمة تلكأت في دخول النادي، ثم تقدّمت سريعاً في الترتيب. الخشية على البلدان الأضعف لا تقل بتاتاً عن الخشية المتداولة على الأشخاص الأقل مناعة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت