سوريون في تركيا وأزمة “كورونا” الاقتصادية..عمالٌ سُرحوا وعائلاتٌ منكوبة
انعكست الظروف الاستثنائية التي تعيشها تركيا، والاجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة، بهدف التصدي لـ”كورونا – كوفيد 19″، على حياة كثيرٍ من السوريين، الذين يقيمون في مختلف الولايات التركية؛ خاصة أصحاب الدخل المحدود، الذين يعملون بنظام العمل اليومي(المياومة)، وهم غير مُسجلين رسمياً.
وفضلاً عن شهاداتٍ حصل عليها فريق “السورية.نت”، فقد لوحظ مؤخراً، نَشرَ سوريين في تركيا، إعلانات طلب المساعدة، والبحث عن عمل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ شكى معظمهم، تسريحهم من أعمالهم، وحاجتهم الماسة لإيجاد عمل جديد، لدفع أجور منازلهم وتأمين قوت عيالهم.
لا دخل للمُسرّحينْ
يأتي هذا، مع توقف معظم المصانع والأعمال في تركيا، و إغلاق الحكومة محلات الحلاقة والمقاهي ونشاطات تجارية أخرى، منذ أكثر من شهر، وفرض حظر للتجوال يومي السبت والأحد، بالإضافة لمنع السفر إلى 31 ولاية في تركيا، الأمر الذي أدى لشلل كبير في حركة الأسواق والمصانع وتراجع عجلة الاقتصاد عموماً.
أبو سليم، وهو سوري من مدينة اللاذقية، يقيم في مدينة أنطاكيا التركية، شكى في حديث لـ “السورية نت” سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها مع عائلته المكونة من خمسة أفراد.
وقال ذات المتحدث، إن صاحب ورشة الدهان التي يعمل بها، أوقف جميع عماله السوريين منذ بدء انتشار الفيروس في تركيا، منتصف مارس/آذار الماضي، ولم يستطع رغم بحثه اليومي عن عمل جديد من تأمين بديل، مضيفاً أن أُجرتهُ الأسبوعية التي كان يحصل عليها (400 ليرة تركية-نحو 60 دولار) كانت السند الوحيد الذي يُمَكّنهُ من دفع أجار منزله وتأمين قوت عياله.
ويرى الأربعيني أن “اللاجئ السوري هنا هو الورقة الأضعف”، مضيفاً “المواطنون والعمال الأتراك محميون بالقوانين، لكن نحن لا أحد يسأل عنا.. صرفونا منذ اليوم الأول، و اضطررت لبيع قطعة ذهب لإمرأتي لدفع أجار منزلي، لكن ان استمر الحال على ما هو عليه، قريباً سنكون في الشارع”.
ورغم أن المعاناة الاقتصادية لا تتوقف على السوريين في تركيا فحسب، بل على تتأثر بها سلباً، شريحةٌ كبيرة من المواطنين الأتراك، إلا أن حال السوريين في تركيا وعدم امتلاك غالبيتهم للمنازل والمتاجر، رتب عليهم مصاريف إضافية.
عبد المجيد علوان، وهو صاحب مطعم سوري في مدينة أنطاكيا، شرح لـ “السورية نت” بعضاً من وجه المعاناة التي يعيشها، حيث يضطر كما يقول، لدفع مبلغ 1500 ليرة تركية شهرياً، أجار المطعم الذي يديرهُ، هذا بعد استغناءه عن جميع العاملين وإغلاق مطعمه مؤقتاً، نتيجة التقلص الحاد بأعداد الزبائن.
يقول علوان الذي استأجر مطعمه بعقد سنوي، إنه لم يعد قادراً على مواصلة العمل مع الخسائر التي تكبدها، لاسيما بعد أن دفع كل ما يملك لافتتاح مشروعه التجاري، كما أنه بات غير قادر على تسليم المطعم واسترداد جزء من أمواله، لأن العقد السنوي يُلزمهُ بذلك.
وجه آخر للمعاناة، ترويه أم وليد، وهي سيدة سورية، تقيم في مدينة الريحانية جنوب تركيا، إذ تشكو المرأة التي تعيل أطفالها الثلاثة بعد مقتل والدهم في ريف اللاذقية منذ سنوات، صعوبة وضعها الاقتصادي، وتراكم الديون عليها، بعد توقف المساعدات المقدمة لها سابقاً من إحدى الجمعيات الخيرية نتيجة شح الدعم.
وتؤكد أم وليد في حديثها لـ “السورية نت” أنها “لم تترك باباً للعمل أو للجمعيات الخيرية إلا وقصدته، لكن الجميع أغلق الباب بوجهها”.
معاناة مضاعفة
إلى جانب هذا، شكى العديد من السوريين، الذين يملكون بطاقة المساعدة المقدمة من الهلال الأحمر التركي، مؤخراً، إيقاف المساعدة المقدمة لهم، خلال الفترة الأخيرة دون معرفة أسباب.
وفي هذا السياق، قال معتز نبواني وهو سوري يقيم في مدينة أنطاكيا لـ”السورية نت”، إنه فوجئ نهاية مارس/آذار الماضي، توقف بطاقة المساعدة المقدمة من الهلال الأحمر التركي، وقال إنه عند مراجعتهم لم يبدوا أي أسباب.
ووفق نبواني، فإن هذا الايقاف شمل عشرات الأسر الأخرى أيضاً، وهو ما أكدته منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تتساءل عن الأسباب، خاصة في مثل هذه الظروف.
حملاتٌ ودعوات للتكافل الاجتماعي
في ظل هذه الظروف الصعبة، برزت بعض محاولات التكافل الاجتماعي، بين السوريين في تركيا لمساعدة بعضهم، حيث أطلقت بعض الجمعيات والفرق التطوعية، حملات إغاثية، لمساعدة العائلات الأكثر تضرراً مع دخول شهر رمضان.
ونظم شبانٌ متطوعين في مدينة إسطنبول، حملة لتأمين السلل الغذائية وحليب الأطفال للعائلات المحتاجة والأكثر تضرراً.
وشارك بهذه الحملة التي شملت حتى الآن سبع أحياء في إسطنبول، متطوعين من كافة الأعمار، بعضهم قدمَ مبالغ مالية متفاوتة، وآخرون ساهموا بتقديم مواد غذائية، في حين تطوع آخرون بسياراتهم، لإيصال السلل الغذائية للعائلات الأشد تضرراً.
في السياق ذاته، تحدث مدير حملة “لنحمي بعض”، في “فريق ملهم التطوعي”، أحمد أبو شعر، عن ظروف اقتصادية “بالغة الصعوبة”، تعيشها آلاف العائلات السورية في تركيا، مشيرا في حديثه لـ”السورية نت”، عن “عدد كبير من العائلات باتت بحاجة للمساعدة العاجلة بسبب الحجر الصحي” وتوقف عجلة الأسواق عن العمل.
وأشار أبو شعر، أن “فريق ملهم”، أطلق حملة استجابة طارئة باسم “لنحمي بعض”، مضيفا أن الحملة هي في بداياتها، واستطاعت حتى الآن تقديم سلل غذائية ومواد تنظيف ومعقمات، لنحو 500 عائلة سورية في مرسين وعنتاب وكلس وأضنة وهاتاي.
من جانب آخر قال أحمد الصوص، وهو داعية سوري يقيم في ولاية هاتاي، إنه يجري العمل على مشروع خيري في مدينة أنطاكيا، لمساعدة العائلات الأشد تضرراً، بالتعاون بين رجال دين سوريين وعدد من فعاليات المجتمع المحلي.
الحلقة الأضعف
ورغم إقرار الحكومة التركية، حزمة مساعدات للمواطنين الأشد تأثراً في البلاد، بمبلغ 1000 ليرة تركية، ومساعدة الشركات والمؤسسات لتستطيع الاستمرار في دفع الرواتب، وتسهيل القروض، إلا أن معظم السوريين المُتضررين، لا يبدو أنهم من المستفيدين.
وكانت خصصت بلدية إسطنبول، موقعاً الكترونياً، لتسجيل طالبي المعونات والمساعدات المقدمة منها، في ظل الإجراءات المتخذة في مواجهة تفشي فيروس “كورونا المستجد”.
وطرحت البلدية الرابط لكل من الأتراك والأجانب المقيمين في إسطنبول، شريطة أن يكون المتقدم حاصلاً على إقامة سارية المفعول في تركيا، وتكون الإقامة غير منتهية الصلاحية قبل إجراءات “كورونا”، مشترطةً أن تكون إقامة أو بطاقة الحماية المؤقتة لصاحب الطلب، صادرة من مدينة اسطنبول، وأن يكون عنوان السكن مسجلاً في دائرة النفوس.
و رأى المحامي السوري، المقيم في تركيا، يونس قرمو، أن وضع السوريين في تركيا “يجب أن يتم النظر إليه كجزء أساسي من المجتمع هنا، سواء من خلال حمايتهم من حملات التسريح من العمل، أو تعويضهم”، معتبراً أن “مساعدة السوريين يجب أن تكون من مسؤوليات الأمم المتحدة”.
وقال الحقوقي السوري، إن على “الحكومة التركية النظر إلى وضع العائلات محدودة الدخل، وعدم حرمان أي منها في الوقت الحالي من مساعدة الهلال الأحمر”، مطالباً في الوقت ذاته منظمات المجتمع المدني والتجار والجمعيات الإغاثية، تنسيق جهودها لمساعدة العائلات السورية المتضررة.
ويعيش في تركيا بحسب إحصاءات المديرية العامة لإدارة الهجرة، التابعة لوزارة الداخلية التركية، 3.7 مليون من السوريين، يعيش غالبيتهم من أوضاع اقتصادية سيئة.