سوريون يروون أوجاعهم بعد إصرار الدنمارك على ترحيلهم بذريعة “غير مستحقين”
سبع سنوات من البحث عن الاستقرار ورسم معالمه فقدها الشاب بلال، حين بددت الحكومة الدنماركية حلمه السابق بقراراتٍ “غير صائبة” وإصرارٍ على تصنيف بعض المناطق في سورية “آمنة” و”مناسبة” لعودة اللاجئين لها، متجاهلة كافة التقارير الحقوقية التي تنافي ذلك.
يقول بلال (35 عاماً) في حديثه لموقع “السورية.نت”، إن كافة مساعيه التي بناها مع أسرته خلال سنوات لجوئه، من تعلمهم لغة البلاد وتأسيس عمل خاص فيها واندماج أطفاله في المدارس وعدم اعتمادهم على المساعدات الحكومية، لم تشفع له أمام الحكومة الدنماركية التي ترفض منذ سنة ونصف تجديد إقامته، بدعوى أنه ينحدر من دمشق.
ودمشق وريفها “آمنة” وفق الاعتبارات الدنماركية.
المساعي الدنماركية لترحيل اللاجئين السوريين بدأت قبل عام ونصف، إلا أنها تفاقمت مؤخراً مع إرسال السلطات أوراق “طرد” في سبتمبر/ أيلول الماضي، تطالبهم فيها بالعودة، بحسب ما أوضح بلال لموقع “السورية نت”.
الترحيل يشمل مطلوبين للنظام
حاول بلال مراراً إقناع السلطات الدنماركية بالخطر المحدق به في حال عودته لسورية، على اعتبار أنه كان معتقلاً سابقاً لدى نظام الأسد، ولا يزال مطلوباً لأجهزته الأمنية، فيما لا تزال السلطات نفسها تكرر على مسامعه أنه ينحدر من منطقة “آمنة” ويمكنه العودة إليها، منتظراً ما ستؤول إليه الجهود الحقوقية بهذا الضمار.
بدأت رحلة لجوء الشاب السوري عام 2014، حين دخل الأراضي الدنماركية وحصل على إقامة مؤقتة فيها بعد عناء عام، تحت المادة “7.3” التي تتيح للحكومة إعادة الأشخاص الحاصلين عليها بأسرع وقت ممكن، بعد انتهاء “الحرب” في بلادهم.
ومع ذلك، استطاع بلال لم شمل أسرته عام 2017 وتجديد الإقامة سنوياً، باستثناء العام الماضي الذي حصل فيه على رفض، بعد دراسة أعدتها حكومة البلاد توصلت خلالها لوجود مناطق “آمنة” في سورية.
يضيف بلال أنه لم يستجيب للنداءات الحكومية التي تطالبه بمغادرة البلاد، ومارس حياته بشكل طبيعي كونه “مجبر” على ذلك، إلا أن ما دفعه للتحرك مؤخراً هو إرسال السلطات “ورقة طرد” في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، تطالبه فيها بالعودة إلى سورية.
“لا نستطيع مغادرة الدنمارك إلى سورية كوني مطلوب للنظام، ولا يمكننا الذهاب لأي دولة أوروبية لأنها ستعيدنا للدنمارك، وفي حال عدنا سيتم وضعنا في مراكز الترحيل”، يقول الشاب السوري.
تواصل بلال مع أحد المنظمات الحقوقية في البلاد، وحصل على وعود بالمساعدة بعد دراسة الملف الخاص به وتقديمه للحكومة، ولا يزال يمارس مهنته التي بدأها قبل سنوات حين افتتح شركة نقل لتسليم البضائع للمنازل.
أمل ضعيف في دول أخرى
حال بلال أقرب ما يكون لحال السيدة الدمشقية الخمسينية فاتن، التي حصلت على حق اللجوء في الدنمارك أواخر عام 2015، وبدأت حياتها هناك “من الصفر” كما تقول، حيث تعلمت اللغة الدنماركية وعملت بمجال الطبخ في أحد المراكز الطبية في العاصمة كوبنهاغن.
فاتن، التي تركت بيتها ركاماً في مخيم اليرموك ونزحت لبيت والديها وسط العاصمة دمشق، لم تجد أمامها خيارات سوى بدء حياة جديدة وبعيدة، وترك ذكريات “مؤلمة” قلبت سنوات حياتها الخميسن رأساً على عقب، فوجدت نفسها وسط رحلة بحرية “خطرة” من تركيا لليونان ومنها للدنمارك.
وهناك لم تجرِ الرياح بما تشتهي سفن فاتن، التي رفضت السلطات الدنماركية تجديد إقامتها وإقامة زوجها منتصف عام 2020، كونها تنحدر من العاصمة دمشق، ما دفعها إلى الذهاب بطريق التهريب إلى فرنسا، التي يقيم فيها أولادها منذ سنوات.
اليوم تعيش فاتن على أمل تعاطف السلطات الفرنسية معها، ومنحها حق اللجوء، محاولة إثبات أنها لا تملك مسكناً في دمشق في حال عودتها إليها.
منظمة دولية تعتزم زيارة الدنمارك وبحث ترحيل اللاجئين السوريين مع مسؤوليها
ويعيش نحو ٣٥ ألفاً من اللاجئين السوريين في الدنمارك “على أعصابهم” في الوقت الذي تصر فيه حكومة كوبنهاغن على ضرورة عودتهم إلى سورية وبالأخص العاصمة دمشق.
وبحسب تقرير لمنظمة “العفو الدولية” في أبريل/ نيسان الماضي، فإن الدنمارك رفضت تجديد إقامات قرابة 380 لاجئاً سورياً على أراضيها، بين عامي 2020 و2021، ووضعت 39 منهم في وضع الترحيل إلى سورية.
فيما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها إنه منذ أن اعتبرت دوائر الهجرة الدنماركية في عام 2019 دمشق والمناطق المحيطة بها آمنة، فقد راجعت تصاريح إقامة 1250 سورياً.
والدنمارك هي أول دولة في الاتحاد الأوروبي تحرم السوريين من وضع اللجوء في وقت تصنف فيه معظم مناطق سورية على أنها غير آمنة من قبل الأمم المتحدة.
إلى ماذا تستند حكومة كوبنهاغن؟
رغم التقارير الحقوقية الدولية المنددة بالقرارات الدنماركية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة “العفو الدولية”، لا تزال حكومة كوبنهاغن تتجاهل كافة الأصوات المحذرة من العودة لمناطق سيطرة النظام السوري، موثقةً تعرض العائدين لانتهاكات “خطيرة”.
محمد كاظم هنداوي، مدير “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” يرى أن الحكومة الدنماركية استندت في قراراتها إلى بحث شامل وموثق، توصلت خلاله إلى أن دمشق وريفها “آمنة” ولا يستحق قاطنوها الحصول على اللجوء.
ويوضح هنداوي لموقع “السورية نت” أن البحث الحكومي رصد سفر لاجئين سوريين مقيمين في الدنمارك إلى سورية وعودتهم للدنمارك دون تعرضهم للخطر.
كما رصد وجود لاجئين ليس لديهم مشاكل أمنية مع نظام الأسد، وآخرين يملكون عقارات كثيرة في دمشق، ما دفع الحكومة إلى اعتبار ذلك “استغلال” لحق اللجوء، من أجل تحسين الوضع المعيشي فقط.
“انتهاك خطير”.. تقرير دولي يحذر من مغبّة ترحيل السوريين من الدنمارك
وأشار هنداوي إلى أن بحث الحكومة الدنماركية مبني على معلومات وشهادات وأحداث واقعية، ما دفعها إلى “قوننة” عمليات الترحيل وفقاً لحساباتها، موضحاً أن تلك الإجراءات تأتي بإطار إرضاء اليمين المتطرف والحصول على أصوات الأحزاب المطالبة بترحيل السوريين.
ويرى مدير المنظمة أن قرارات الترحيل تلك ستكون “غير منصفة” كونها ستفتح باب الترحيل لجميع المنحدرين من دمشق، وبينهم مستحقون للجوء، كونهم مطلوبون للنظام أو فقدوا منازلهم أو غير قادرين على إعالة أنفسهم.
ومع ذلك، اعتبر الناشط الحقوقي أنه لا يمكن للدنمارك اتخاذ قرار منفرد بترحيل السوريين لبلدهم، دون غطاء من الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين التي تعارض ذلك، ولكن ستتبع سياسية “التطفيش” التي ستجبر اللاجئين على إيجاد بدائل.
وختم بقوله إن ملف ترحيل اللاجئين السوريين من الدنمارك لا يمكن أن يتفاقم أكثر من ذلك، لأن الحكومة وصلت لمبتغاها، ولا تستطيع تجاهل النداءات الأممية والحقوقية، كونها عضو في الاتحاد الأوروبي.