تسود أوساط “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال وشرق سورية حالة من “الخوف والكآبة”، حسبما يورد تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني نقلاً عن مسؤولين ومراقبين.
ويوضح التقرير الذي نشر، أمس الخميس، أن أسباب الحالة السائدة ترتبط بسيناريوهات الانسحاب الأمريكي المتوقع من شمال وشرق سورية، وما قد تخلفه الخطوة من أضرار.
وكان الجنرال الأمريكي إريك كوريلا وهو قائد “القيادة المركزية الأمريكية” في الشرق الأوسط قد أجرى زيارة إلى شمال وشرق سورية، قبل أيام.
لكن خطوته رفيعة المستوى لم تفعل “سوى القليل” لمعالجة المخاوف من أن تصبح “قسد” أضراراً جانبية للحرب في غزة.
وفي ظل الضربات الجوية التركية والمخاوف من انسحاب عسكري أمريكي، يشعر حلفاء واشنطن وفق الموقع البريطاني “بقلق متزايد من أن يتم التخلص منهم باعتبارهم أضراراً جانبية للحرب في غزة”.
“رفض أمريكي”
ومن بين مخاوف مسؤولي “قسد” الأخرى تصاعد الهجمات التي تشنها تركيا منذ 7 أكتوبر، عندما اندلعت الحرب في قطاع غزة.
وكثفت أنقرة قصفها للبنية التحتية التابعة لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية، بما في ذلك محطات الطاقة وشبكة الكهرباء في المنطقة وحقول النفط.
وجاء ذلك رداً من جانبها على هجمات شنها “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق، وأسفرت عن قتلى من الجيش التركي.
وقال محمود مسلط الرئيس المشارك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد): “لقد طلبنا من الولايات المتحدة كبح جماح تركيا، لكنهم رفضوا ذلك”.
وأضاف لـ”ميدل إيست”: “المنطقة كلها مشتعلة ولن يرد أحد على عدوان تركيا علينا عندما يكون الجميع منشغلين بغزة”.
وتأتي الضربات التركية وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب في غزة إلى تسريع ما وصفته جاندا محمد، وهي مسؤولة كبيرة أخرى في “مسد” بأنه “انسحاب محتمل على غرار انسحاب أفغانستان”.
وقالت إن مثل هذه الخطوة “ستكون فوضوية النتائج على المنطقة”.
“الحالة تتفاقم”
وتفاقمت حالة الكآبة بين مسؤولين “قسد” بسبب موافقة واشنطن على بيع طائرات مقاتلة من طراز “إف 16” إلى تركيا.
وقال المسلط: “أخبرنا الأمريكيون أن تركيا لن تستخدم الطائرات ضد حلفائهم (قسد) لكننا نعتقد أن تركيا ستفعل ما تريد”.
ولطالما كان دعم الولايات المتحدة لـ”قسد” نقطة خلاف مع حليفتها في الناتو، تركيا.
وتعتبر أنقرة “قسد” وعمادها العسكري “وحدات حماية الشعب” امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب.
لكن واشنطن رفضت قطع علاقاتها مع القوات الكردية خلال السنوات الماضية، واعتبرتها حليفة لها في الحرب ضد “داعش”.
وفي الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة ذوبان الجليد، الأمر الذي أثار قلق “قسد”.
وفي يناير/كانون الثاني، وافقت أنقرة على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
كما عمل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان على إصلاح العلاقات مع اليونان، وهي الخطوات التي ساعدت إدارة بايدن على المضي قدماً في بيع طائرات “إف 16”.
“استراتيجية جديد”
وتقول دارين خليفة، الخبيرة في الشؤون السورية والمستشارة الأولى في مجموعة الأزمات الدولية، إنه منذ اندلاع الحرب في غزة، اتبعت تركيا استراتيجية جديدة في حملة القصف في شمال وشرق سورية.
وتضيف للموقع البريطاني: “الأتراك يستغلون الوضع في غزة بالطبع. وعلى وجه التحديد يضعفون قدرة الإدارة التي يقودها الأكراد على استخراج النفط وتكريره، في ضربة قوية لمواردهم المالية”.
ويضم شمال شرق سوريا 95% من احتياطيات النفط والغاز السورية.
وفي مؤتمر صحفي الشهر الماضي، قال مظلوم عبدي، قائد “قسد”، إن الضربات التركية على المواقع التجارية والبنية التحتية كلفت الأخيرة التي تعاني من ضائقة مالية 50 بالمائة من ميزانيتها.
عبدي نفسه مختبئ مع الجنود الأمريكيين في قاعدة الشدادي العسكرية لتجنب الاغتيال على يد الطائرات التركية بدون طيار، وفق “ميدل إيست آي”.
وأضاف الباحث في “مؤسسة القرن”، آرون لوند: “في الأساس، أصبح المقاتلون الأكراد عرضة للضربات التركية”.
واعتبر أن تركيز تركيا على ضرب البنية التحتية للطاقة منذ أكتوبر/تشرين الأول جعل “الحياة بائسة للمدنيين المحليين، ويزيد من التوتر بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية”.
ماذا عن الانسحاب؟
وكانت القوات الأمريكية وصلت إلى شمال شرق سورية في عام 2015 كجزء من عملية العزم الصلب، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وهُزِم التنظيم إقليمياً في عام 2019، ولكن لا يزال هناك ما يقرب من 900 جندي أمريكي في المنطقة.
ويأمل بعض المسؤولين الأمريكيين، مثل بريت ماكجورك، كبير مستشاري بايدن للشرق الأوسط في البيت الأبيض، أن تتمكن واشنطن من إبرام اتفاق لانسحاب أمريكي واسع النطاق من الشمال الشرقي، بعد اتفاق بين “قسد” ونظام الأسد.
وأثارت التقارير التي صدرت في فبراير/شباط والتي أفادت بأن البنتاغون يقوم بمراجعة تلك الخطط القائمة منذ فترة طويلة، الذعر بين مؤيدي استمرار وجود القوات الأمريكية.
واندلع الجدل في واشنطن بين مؤيدي البقاء والانسحاب منذ أن قامت إدارة ترامب بالخروج المفاجئ في عام 2019، والذي تم عكسه جزئياً.
روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة السابق في سورية اعتبر أن “انسحاب الولايات المتحدة سيكون بمثابة عنف مجاني للجميع”.
وأضاف: “سوف يتقدم الأتراك، وسوف يتقدم النظام السوري، وسوف يتقدم الإيرانيون، وسوف تتصاعد هجمات داعش”.
لكن ذات المسؤول السابق، الذي انتقد منذ فترة طويلة ما أسماه “الحرب المنسية إلى الأبد” في أمريكا، قال إن الولايات المتحدة أمام خيارين.
“إما أن يبقوا في سورية إلى أجل غير مسمى أو يفكروا في عملية انتقالية حيث تذهب قوات سوريا الديمقراطية إلى حكومة الأسد”.
ويتابع أن “الانسحاب من المرجح أن يعزز دور روسيا كوسيط السلطة في سورية”.
“إلى دير الزور”
وإلى جانب مواجهة القصف التركي التركي والأزمة الاقتصادية، فإن مناطق شمال وشرق سورية المتمتعة تتصارع مع التوترات الطائفية.
وفي أغسطس/آب من العام الماضي، ثارت القبائل العربية، التي يرتبط بعضها بحكومة الأسد، ضد “قسد” في محافظة دير الزور.
ومع استمرار الحرب في غزة، سعت إيران إلى استغلال تلك التوترات.
ويتولى قائد الحرس الثوري الإيراني الحاج مهدي مسؤولية عمليات طهران في دير الزور ويعمل بنشاط على تجنيد العشائر، وفق “ميدل إيست”.
وقال فابريس بالانش، المتخصص في الشؤون السورية في جامعة ليون الثانية، إن زعماء القبائل العربية و”قسد” لن يكون أمامهم خيار سوى إبرام اتفاق مع النظام، إذا انسحبت الولايات المتحدة.
وأضاف: “هناك شعور بـمتى ستغادر الولايات المتحدة، وليس ما إذا كانت ستغادر”.
“لا أرى كيف يمكن لقوات سوريا الديمقراطية أن تبقى على قيد الحياة لمدة عام آخر، وربما عامين”، واعتبر بالانش أن “شمال وشرق سورية هو الضرر الجانبي لغزة. ليس لدي الكثير من الأمل بشأن مستقبلها”.