موسم جديد من مسلسل أزمات السكّر في منطقة “شرق الفرات”، يتزامن هذه المرة مع شهر رمضان، ومع ارتفاع هائل في أسعار مختلف السلع الغذائية، بما في ذلك، الخضار والفواكه واللحوم.
الجهة المُنتجة للموسم الجديد، هي ذاتها. شركة “نوروز” الاستهلاكية، التابعة للجنة الاقتصاد، التي تمثّل الذراع الاقتصادي ل”الإدارة الذاتية” الكردية، التي تدير المنطقة لصالح “قوات سورية الديمقراطية – قسد”.
ولا اختلاف في طريقة الإخراج، أو الأداء “الدرامي”، في هذا الموسم. ربما باستثناء، أمر خرج عن سيطرة الجهة المُنتجة، وتمثّل في كساد البضائع الإيرانية في الأسواق، رغم تغلغلها فيها، منذ سنوات. وهو ما عقّد أزمة السكّر الأخيرة.
طوابير، مشاحنات، وجرحى جراء الازدحام والمشاجرات التي ترافقه. كل ذلك من أجل الحصول على 10 كيلوغرام من السكّر بسعر مؤسسة “نوروز”، المحدد بـ 56 ألف ليرة سورية. فيما وصل سعر الكيلو في السوق السوداء إلى أكثر من 9 آلاف ليرة، في منطقة، تقدّر يومية العامل فيها، بوسطي، 15 ألف ليرة. مما يعني أن كيلو السكّر الواحد قادر على استنزاف 60% من الدخل اليومي لربّ أسرة كبيرة، في موسمٍ يزداد فيه الطلب على هذه المادة بصورة نوعية، جراء العادات والتقاليد، التي تقتضي صنع الحلويات تجهيزاً لعيد الفطر. وهو توقيت مثالي للاحتكار ورفع الأسعار من جانب تجار السوق السوداء، ومن يقف وراءهم.
الرواية الرسمية لـ “الإدارة الذاتية”، تتحدث عن “التجار” بوصفهم المسؤولين عن الأزمة. لكنها لا تتحدث مطلقاً عمن يقف ورائهم، أو من يزودهم بالسكّر المُحتكر، المفقود من الأسواق، والذي يُمنع استيراده أو الإتجار به، إلا لصالح مؤسسة “نوروز”، التابعة للإدارة ذاتها.
ولأن اتهام التجار يؤشر إلى فشل “الإدارة” في إدارة تجارة وتوزيع السكّر، أضافت الرواية الرسمية ذريعة أخرى لتبرير الأزمة. إذ أُغلقت، قبل أسابيع، جميع المعابر الرسمية مع مناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة المعارضة، في سياق تشديد الإجراءات الأمنية، بمناسبة عيد النوروز، الذي تزامن مع بداية شهر رمضان. وعلى غرار بروباغندا النظام السوري، استخدمت “الإدارة”، الأحوال الجوية السيئة، كذريعة إضافية، إذ تسببت الأمطار الغزيرة وتشكل السيول، بإغلاق معظم الطرق الرئيسية وتوقف حركة نقل البضائع والسلع التجارية بين مدن وبلدات المنطقة. لكن هذه الأعذار الرسمية، لم تشرح، لماذا لم تقم “الإدارة” باستباق شهر رمضان وعيد النوروز، حيث يزداد الطلب على السكر بصورة كبيرة، لملء مستودعات مؤسسة “نوروز” بالمادة، في مختلف المدن. فكان العذر الأكثر استخداماً: “التجار” وجشعهم.
وعلى النقيض من الرواية الرسمية، تأتي رواية المصادر المحلية لتقول إن احتكار “الإدارة” لمادة السكر وحصر استيرادها وتوزيعها، بمؤسسة “نوروز” التابعة لها، هو السبب في تكرار نقص المادة وأزماتها، مراراً، خلال السنوات الماضية. من دون أن تجد “نوروز”، سبيلاً لتجنب تكرار هذه الأزمات، والتعلم من دروس الأزمات السابقة. هذا إذا أحسنا النيّة. أما إذا أسأناها، فإن الأمر يتجاوز سوء الإدارة وفشلها، وصولاً إلى افتعال الأزمات، في مواسم محددة، بغية تحقيق أرباح إضافية على حساب غالبية سكان المنطقة من ذوي الدخل المنخفض.
بل وأبعد من ذلك، يخبرك تجار محليون صغار، أن توريد البضائع الغذائية المحتكرة من جانب “نوروز”، خاصة السكر، يتم لصالح شبكة محدودة من التجار الكبار، في مختلف مدن المنطقة. أولئك التجار، مقرّبون من مسؤولين في “قسد”، ويمثّلون واجهات تجارية لهم.
ولأن البضائع الإيرانية، تشكّل واحدةً من أبرز مستوردات هؤلاء المسؤولين – التجار، ولأن الشارع لا يتقبّل هذه البضائع، بنسبة كبيرة، جراء تدني جودتها، اشترطت مؤسسة “نوروز” على تجار الجملة الذين يريدون شراء “سكّر” منها، أن يشتروا إلى جانبه، “دبس بندورة” إيراني مثلاً. رغم أن هذا المُنتج كَسَد في البقاليات. وهو ما تسبب بخسائر لصغار التجار. ودفع الكثيرين منهم، لعدم شراء السكر، فحلّقت أسعاره بصورة هائلة.
وللبضائع الإيرانية قصتها في “شرق الفرات”. فتلك المنطقة التي من المُفترض أنها تخضع لقوة متحالفة مع الأمريكيين، تتعرض أسواقها لإغراقٍ بالبضائع الإيرانية، منذ سنوات، كنتيجة لتوجه “قسد” للحد من تواجد البضائع التركية، لأسباب سياسية. وقد نجحت البضائع الإيرانية بالانتشار، لأن أسعارها أقل بكثير من نظيرتها المحلية والتركية. لكن تدني جودتها، حدّ من مبيعاتها، إذ لا يلجأ لشرائها إلا المضطر.
أما الجانب الآخر لقصة تلك البضائع، هو أنها تعبير عن صلة تجارية مثيرة للاهتمام، بين المسؤولين – التجار في “قسد”، وبين نظرائهم على الضفة الأخرى من “غرب الفرات”، حيث تعبر البضائع الإيرانية من المعابر النهرية غير الشرعية، أو تلك الشرعية مع مناطق سيطرة النظام. فيما تعبر بالمقابل، قوافل النفط الخام، الذي تصدّره “قسد” للنظام، بأسعار أقل بكثير من السعر العالمي. وعلى الضفة الأخرى من “شرق الفرات”، يظهر دور لميليشيا “الحرس الثوري” الإيراني، التي تسيطر على معبر البوكمال، والتي تقوم بتسهيل دخول البضائع الإيرانية إلى مناطق سيطرة “قسد”، بالتنسيق مع مسؤولي هذه الأخيرة.
وهكذا، لم يقتصر موسم أزمة السكّر هذه المرة، على “تيمة” الاحتكار والفساد لدى سلطة الأمر الواقع في “شرق الفرات”. بل أُضيف إليه، أيضاً، نكهة إيرانية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت