أعلن الرئيس بايدن أن إدارته ستكون أكثر تشددا في التعامل مع روسيا، وفي المكالمة الهاتفية الأولى بين بايدن وبوتين شدد بايدن على قضايا حقوق الإنسان وهو ما أثار استياء بوتين بشكل كبير، لكن السؤال كيف ستكون العلاقة الروسية الأميركية في سوريا.
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على موقع سوريا في الأولوية الأميركية، واضح أن سوريا تشكل أولوية للرئيس بوتين على مدى السنوات العشر الماضية ودفعت روسيا موقفا سياسيا ضخما من أجل حماية نظام الأسد من الإدانة على المستوى الدولي ومن التغيير على المستوى العسكري، لكن بالمقابل كان هناك انسحاب أميركي شبه كامل من الملف السوري خاصة خلال إدارة الرئيس الأسبق ترامب، الذي اعتمدت سياسته على اللاتوقعية والبحث عن العائدات المالية.
لم يجعل ترامب قضية الانتقال السياسي ومستقبل الأسد أولوية له بالرغم من وصفه للأسد بصفات حادة من مثل “الحيوان”. لكن روسيا كانت أكثر التزاما في حماية الأسد على المستوى الدولي، حيث استخدمت الفيتو لأكثر من 15 مرة بما فيها الفيتو ضد مشاريع أميركية في تحميل مسؤولية استخدام الأسلحة الكيماوية وغيرها ولم ترد الولايات المتحدة بأي شكل سياسي أو وسيلة دبلوماسية لهذا الاستخدام المتكرر للفيتو. ولذلك وصلت الولايات المتحدة إلى قناعة أن الانخراط مع روسيا في سوريا لن يؤتي بالثمار التي يمكن توقعها من قبل الرئيس ترامب.
وبسبب هذا الانكفاء الأميركي والاعتماد على قوات حماية الشعب أو قوات سوريا الديمقراطية كما يطلق عليها، وجدت تركيا حليف الولايات المتحدة في الناتو أنها أقرب إلى روسيا منها إلى أميركا فازداد التركيز التركي مع الروسي على إنجاح مسار المفاوضات في أستانة، التي أنهت الجولة الأخيرة الشهر الماضي، وبنفس الوقت يبدو أن تركيا تتأهب كي ترى ما هي الخطوة القادمة لقوات وحدات الحماية.
وبذلك يمكن القول إن انحسار الدور الأميركي الذي يدرك أن ما تبقى من داعش في الأرض السورية سيصبح في حدود المسؤولية الروسية، فروسيا الآن تقود مع قوات النظام السوري معركة ضد داعش في البادية السورية من أجل إخراج داعش منها ولا يبدو أن هناك أي تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا بهذا الشأن وهو ما يعني أن الولايات المتحدة وروسيا ستتقاسمان النفوذ في الشمال السوري بالاعتماد على حلفائهما على الأرض، حيث تبقى الرقة وما حولها تحت إدارة وحدات الحماية الكردية في حين تسيطر روسيا على دير الزور والميادين وغيرها التي يبدو أنها أصبحت مرتعا للميليشيات الإيرانية.
يدرك الرئيس بايدن الحاجة الكبيرة إلى أن يكون هناك استراتيجية للولايات المتحدة في سوريا بعد فشل السياسات السابقة من إدارة أوباما وترامب، لقد تجاهلت الولايات المتحدة الحاجة إلى مثل هذه الاستراتيجية في السابق وعلى مدى السنوات العشر الماضية وركزت فقط على هزيمة تنظيم الدولة في سوريا، وقررت تجاهل كل دعوات المعارضة السورية وحليفتها في الناتو تركيا بالاعتماد على الجيش السوري الحر في هزيمة تنظيم الدولة بدلا من الاعتماد على قوات الحماية الكردية؛ ولذلك وبعد هزيمة داعش تمكن حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا من تقويض وحدة سوريا في النهاية على عكس ما تدعي الإدارة الأميركية في بياناتها أن وحدة سورية أحد أهدافها الاستراتيجية.
لذلك هناك شكوك كبيرة لدى تركيا والمعارضة السورية في مدى مصداقية الولايات المتحدة الآن في تنفيذ وعودها عبر تبني استراتيجية سياسية جديدة تركز على موضوع الانتقال السياسي، ويجبر الرئيس السوري بشار الأسد على مغادرة السلطة كما أشار وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال مقابلة سابقة مع صحيفة الواشنطن بوست في سبتمبر من العام الماضي.
إذا ما استمرت الولايات المتحدة بدعم قوات سوريا الديمقراطية في سوريا فإن ذلك سيؤدي إلى اشتعال القتال مجدداً بين العشائر العربية والقوات الكردية بهدف الصراع على النفوذ في منطقة لا وجود تاريخيا للكرد فيها.
وبتجاهل هذه الدعوات، ستعقد الولايات المتحدة عملية السلام خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، فعلى الولايات المتحدة اليوم أن تشارك في عملية السلام أو الدفع بالمرحلة الانتقالية وتستثمر المزيد من الجهود الدبلوماسية والموارد لتكون قادرة على ربط المعركة ضد داعش مع المرحلة الانتقالية وتحقق ما ذكره وزير الخارجية في بيانه من تحقيق استقرار وسلام دائمين في سوريا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت