ضحايا مدنيون في الغارات الأردنية جنوبي سورية..ما مصدر إحداثيات الطيران؟
في سياق تصاعدي للتطورات على الحدود السورية الأردنية، تزايدت حدة الغارات الجوية، التي يُعتقد أنها نُفذت بواسطة الطيران الحربي الأردني، على بلدات جنوب السويداء، وذلك للمرة الثالثة منذ بداية العام الحالي.
ورغم عدم التأكيد الرسمي من قبل عمان، تشير التقارير الإعلامية، إلى أن هذه الغارات تستهدف تجار ومهربي مخدرات، ومع ذلك، أدى القصف المتكرر إلى وقوع ضحايا مدنيين، بينهم أطفال ونساء، ما أثار موجة من الاستياء والغضب بين السكان المحليين.
وبين الأهداف المعلنة للقصف والضحايا على الأرض، تبرز تساؤلات مهمة حول كيفية تحديد السلطات الأردنية، لإحداثيات القصف، ودقة المعلومات الاستخباراتية ومدى مراعاتها للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، خاصة في ظل الضرر الذي لحق بالمدنيين.
“صيد ثمين”
آخر الغارات الجوية كانت، فجر اليوم الخميس، على بلدتي عرمان وملح في ريف السويداء الجنوبي، راح ضحيتها عشرة أشخاص من عائلتين، بينهم أطفال ونساء، حسب ما ذكرت شبكة “السويداء 24”.
وفي التاسع من الشهر الحالي، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر استخباراتية إقليمية، بأن طائرات أردنية نفذت “أربع ضربات داخل سورية ضد مزارع ومخابئ يشتبه أنها تابعة لمهربي المخدرات المرتبطين بإيران”.
وأدى القصف لمقتل ثلاثة أشخاص، امرأة وزوجها، إضافة إلى أحد الأشخاص الذي “يمتاز بعلاقات أمنية قوية”، يدعى عصام خير، من أهالي بلدة ملح، حسب ما أعلنت شبكة “الراصد”.
وأكدت الشبكة أن القصف على بلدة عرمان استهدف “مستودعات وحظيرة حيوانات في منزل فارس صيموعة”، الذي يُعتقد أنه من تجار المخدرات في جنوب سورية، وشريك مرعي الرمثان الذي قتل بقصف أردني، العام الماضي.
كما استهدف قصف أردني بئر مياه وحياً سكنياً في قرية الشعاب بالسويداء، في 5 من الشهر الحالي، ورغم تدمير القصف لمنزل شخص متهم بتجارة المخدرات، حسب شبكة “السويداء 24″، إلا أنه أدى إلى قتل مدني كان يعمل في حراسة أحد آبار المياه في منطقة أم الرمان.
وإلى جانب القصف، نفذ الجيش الأردني عملية إنزال جوي داخل “المنطقة الحرة” شرق السويداء، في العاشر من الشهر الحالي.
وحسب بيان للجيش الأردني، فإن قوة خاصة من الجيش والأجهزة الأمنية “داهمت أوكار عدد من المهربين وتجار المخدرات بالقرب من المواقع الحدودية للمنطقة العسكرية الشرقية”.
وأكد البيان إلقاء القبض على 7 مطلوبين “على علاقة مع عصابات التهريب وتجار المخدرات”.
الغارات الأردنية تزايدت بعد إلقاء القبض على أكثر من 15 مهرباً، ما يعتبر “صيداً ثميناً”، خاصة أن اعترافاتهم قد تكشف “خيوط عمليات التهريب”، حسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر أردنية.
تعاون استخباراتي مع النظام
ومع تصاعد الغارات الأردنية على جنوب السويداء، يبرز سؤال حاسم حول كيفيفة تحديد الجيش الأردني لإحداثيات القصف.
وقال أحد قادة الفصائل المحلية في السويداء، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن نظام الأسد هو من يمد الأردن بالإحداثيات.
وأضاف في حديثه لـ”السورية.نت”، أن القصف الذي وقع في التاسع من الشهر الحالي، استهدف مستودعات وحظيرة حيوانات في منزل فارس صيموعة، الذي يُعتقد أنه من كبار مهربي المخدرات في بلدة عرمان.
وأكد أن صيموعة غادر منزله قبل القصف، مما يُلمح إلى وجود تعاون محتمل بين الاستخبارات الأردنية ونظام الأسد، الذي يرعى المهربين ويخبرهم بمواعيد الضربات.
من جانبه قال الوزير الأردني السابق، سميح معايطة، إن “الأردن لديه مصادر استخباراتية داخل هذه المناطق منذ سنوات، ولديه مصادر معلومات مختلفة، إضافة إلى المعلومات ممن يتم اعتقالهم خلال محاولاتهم التهريب”.
وحول سبب استهداف المدنيين، اعتبر معايطة خلال حديثه لـ”السورية.نت”، أن “القصف لأهداف وليس قصف عشوائي، وهي مخازن ومصانع للمخدرات، أو بيوت لكبار عصابات التهريب”.
وأضاف أن “الأردن لا يقصف مدن أو شوارع، بل مصانع ومخازن وبيوت يقيم فيها أفراد العصابات، وكون من فيها يلبسون لباساً مدنياً، فهذا لا يعني أنهم ليسوا مهربين، وجزء من عصابات تطلق النار على الجيش الأردني”.
وأشار الوزير السابق إلى أن “كل المهربين مدنيون وليسوا عسكريين، لكنهم يقومون بأعمال تخريب وإرهاب ويعتدون على الجيش، ويحاولون الحاق الأذى بالأردن، كما كل المعتقلين ليسوا عسكريين، أي ليسوا جزءاً من جهات عسكرية لكنهم أقرب إلى الإرهابيين في أعمالهم”.
بدوره أوضح المحلل العسكري الأردني، هشام خريسات، أن الأردن يحصل على معلومات من خلال “الاستخبارات الدقيقة إضافة إلى الأسرى”.
وقال:”المشكلة تكمن في أن جميع الاهداف مصانع ومستودعات موجودة في بيوت الطابق الأول والثاني مستأجرين ومالكين، أما الطابق الثالث مستودعات ومصانع لمخدرات فما الحل؟”.
بدوره أكد قائد “تجمع أحرار جبل العرب” في السويداء، سليمان عبد الباقي، أن تهريب المخدرات إلى الأردن ليس وليد اللحظة، وإنما يمتد لعقود، لكن زاد نشاطهم خلال السنوات الاخيرة، بعد دخول ميليشيات حزب والله وإيران.
وقال عبد الباقي لـ”السورية.نت”، إن مهربي المخدرات معروفون لدى الأهالي في الجنوب السوري، وارتباطاتهم مع نظام الأسد وأجهزته الأمنية.
وأضاف أن عصابات المخدرات كلها مرتبطة بالأجهزة الأمنية والفرقة الرابعة وميليشيات الأمن العسكري، لكن ضحية القصف هم الأبرياء لعدم دقة توجيه الضربات، مؤكداً أن “المدنيين خط أحمر”.
لماذا صعدت الأردن؟
ويأتي التصعيد الأردني بعد فشل الجهود الدبلوماسية الأردنية لإيقاف تهريب المخدرات عبر حدودها، من خلال التواصل مع نظام الأسد وزيارات وزير خارجيتها أيمن الصفدي إلى دمشق.
ونتيجة لذلك تطورت “قناعات رئيسية في مطبخ القرار في عمان بالتعامل مع هذا التهديد الاستراتيجي”، حسب ما يقول الوزير الأردني السابق، محمد أبو رمان، في مقالة نشرتها صحيفة “العربي الجديد”.
وأبرز هذه القناعات أن “النظام السوري لا يملك السيطرة ولا القدرة على وقف هذه العمليات، بل إنّ أطرافاً داخل النظام متورطة فيها، وتستفيد منها”.
وقال المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر، إن الحدود الأردنية السورية تمتد على مسافة 375 كليومتراً، وهذه المناطق “يسودها فلتان أمني في الطرف الداخلي للحدود السورية”.
واعتبر الشاعر خلال حديثه لـ”السورية.نت”، أن نظام الأسد ليس لديه أي تواجد أو سيطرة أمنية في المنطقة، لذلك “تنشط فيها صناعة وتجارة المخدرات وعصابات التهريب”.
وأضاف أن الأردن، وبسبب الظروف في سورية والعراق، تعتمد على نفسها في محاربة هذه العصابات، مؤكداً أنه “يجري التنسيق مع دمشق، من خلال القنوات الأمنية، وإعلامها بأي تحرك من قبل الأردن داخل الحدود السوري”.
في حين يرى الباحث السياسي سمير التقي، أن “الموضوع أكبر من ذلك بكثير، لأن القوات التابعة لإيران المتواجدة في سورية والعراق، تتحرك بشكل عدواني وتستخدم العالقات التي بنتها مع العشائر وعصابات والتهريب والمخدرات”.
وقال التقي لـ”السورية.نت”، إن “الحشد الشعبي يبني معسكرات على الحدود العراقية الأردنية، وحزب الله والحرس الثوري منتشر ويحشد على الحدود السورية الأردنية”.
لكن الأهم، حسب وجهة نظر التقي، أن “هناك تشابك بين عصابات الإجرام وتجار بالمخدرات وبين محاولات إيران تشييع بعض العشائر العربية على طول الحدود، كما بدأت القوات الاردنية ترصد تدفق صواريخ وأسلحة لهذه العشائر داخل الأردن، الأمر الذي يعطي مؤشرات باحتمال قيام أذرع بتحرك داخل الأردن”.
واعتبر التقي أن الأردن لن يقف مكتوف الأيدي، و”سيتدخل أكثر وسوف يلاقي دعماً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإقليم”.