ضمن 13 مهنة..مشروع لدعم الحرفيين “المتعثرين” في الشمال السوري
أجبرت ظروف المعارك والنزوح، عشرات آلاف السوريين في شمال البلاد، على ترك وظائفهم وامتهان أعمالٍ جديدة تتماشى مع الواقع المفروض عليهم، خاصة في مجتمع النزوح، الذي فرض على ساكنيه ظروفاً معيشية ومادية سيئة، محاولين الانخراط في سوقِ عملِ لا يمكنه استيعاب الأعداد الكبيرة من الأيدي العاملة، خاصة خلال العام الأخير من انتشار فيروس “كورونا”.
وفيما يعتبر البعض أن تقديم المساعدات الغذائية رغم أهميتها لا تستطيع حل المشكلة من جذورها، توجهت بعض منظمات المجتمع المدني، إلى تأهيل الأيدي العاملة وصقل مهاراتها ثم دعمها للبدء بمشاريع صغيرة تعود بالفائدة على المستفيد والمجتمع معاً.
أحد أبرز هذه المشاريع كان مشروع “دعم الحرفيين بالتدريبات والأصول الإنتاجية”، الذي تدعمه مؤسسة “البوصلة للتنمية والإبداع” في الشمال السوري، والذي استفاد منه 300 شخص من الحرفيين، الذين يحتاجون توقفت أعمالهم، وباتوا بحاجة إلى دعم لاستئناف أعمالهم والبدء بمشاريعهم الصغيرة.
إدارة مشاريع ضمن 13 مهنة
مدير المشروع ومنسق البرامج في منظمة “البوصلة”، سعد قلعية، قال لـ”السورية نت”، إن المشروع لا يتضمن تدريبات مهنية للمشتركين، بل هو عبارة عن تدريبات على ريادة الأعمال وتصميم المشاريع الصغيرة وإدارتها، على اعتبار أن المستفيدين هم من الحرفيين ولا يحتاجون لتدريبات في مجالاتهم.
وأضاف: “اخترنا أشخاص حرفيين كانوا يمارسون أعمالهم، وانقطعوا عنها لعدة ظروف أبرزها النزوح والعمليات العسكرية”، مشيراً إلى أن الهدف من المشروع هو تدريب المستفيدين على تصميم مشاريعهم وبناء خطط تسويقية ووضع الميزانية وبناء العلاقة مع الزبائن، بما يضمن لهم مشاريع ناجحة بأقل الأخطاء.
وبحسب قلعية، فإن المشروع تضمن تدريبات لحرفيين يتوزعون ضمن 13 مهنة مختلفة، هي: صيانة حواسيب وهواتف محمولة، الحدادة، الخبازة، نجارة الألمنيوم، نجارة الأخشاب وتنجيد الأثاث، صيانة الدراجات النارية، صيانة السيارات، الحلاقة، الخياطة، تصفيف الشعر والمكياج، صناعة الحلويات، تصليح المعدات الكهربائية ولف المحركات، صيانة ألواح الطاقة الشمسية ومعداتها.
واستمرت الورشة الواحدة على مدى أربعة أيام، بلغ خلالها عدد المستفيدين 300 شخص ضمن ست مناطق في الشمال السوري، هي مدن: إدلب، دارة عزة، عفرين، الباب، جرابلس، اعزاز.
ومن المقرر أن ينتهي المشروع بتقديم منحة مالية للمستفيدين، ضمن شروط، بما يسمح لهم بالبدء بمشاريع صغيرة تعيلهم وتعيل أسرهم، وتعود بالفائدة على المجتمع المحلي.
التجربة على لسان مستفيدين
تقول غادة، إحدى المستفيدات من مشروع “دعم الحرفيين”، إن دافعها من الالتحاق بالورشة كان التعرف على كيفية البدء بمشروع صغير في مجال الحلاقة النسائية، وهي المهنة التي كانت تعمل بها قبل نزوحها مع عائلتها من ريف حماة إلى مدينة إدلب.
غادة التي فقدت زوجها نتيجة القصف الذي تعرضت لهُ بلدتهم، أصبحت الآن المعيل الوحيد لخمسة أطفال، مشيرةً في حديثها لـ”السورية نت” أنها استنزفت كافة الفرص لإيجاد عمل يعليها وأسرتها، كما أن ظروفها لا تسمح لها بالبدء بمشروع خاص بها في مجال الحلاقة النسائية.
“التحقت بالورشة بهدف تنمية مهاراتي في إدارة المشاريع، وأصبحت الآن على دراية بكيفية تأسيس مشروع صغير مع تفادي أكبر قدر ممكن من الخسائر والأخطاء، والتغلب على نقاط الضعف الموجودة لدي، عبر الاستفادة من التجارب السابقة للغير”، تقول غادة.
وترى غادة (37 عاماً) أن مشاريع كهذه “مهمة جداً بالنسبة للنساء اللواتي يعلن أسرهن لأسباب عدة، وأبرزها فقدان المعيل أو إصابته” نتيجة العمليات العسكرية، مشيرة إلى أن الدعم المالي الذي سيحصلون عليه للبدء بمشروعهم سيحولهم من مستهلكين إلى منتجين.
ويقول عبد المجيد أحد مهجري الغوطة الشرقية، لـ”السورية نت” إنه التحق بالورشة التي تنظمها “البوصلة للتنمية والإبداع” في مدينة إدلب، بعد أن عاش تجربة “غير موفقة” لمشروع خاص.
عبد المجيد كان يعمل في مجال صيانة الحواسيب والهواتف الذكية في الغوطة الشرقية، إلا أنه لم يستطع الاستمرار بهذا المجال لصعوبة إدخال المواد اللازمة للصيانة إلى الغوطة، التي كانت محاصرة حينها.
وبعد تهجيره إلى إدلب، عمل عبد المجيد (28 عاماً) في عدة محلات لصيانة الهواتف ثم سنحت له فرصة لإدارة مشروع خاص دون أن يُكتب له الاستمرار لظروف خارجة عن إرادته كما يقول.
اليوم يسعى عبد المجيد إلى البدء بمشروعه من جديد، واصفاً مشاركته في مشروع “دعم الحرفيين” بـ “المفيدة”، ويعقب: “بعد حضوري التدريب أصبحت على معرفة أكبر بكيفية التخطيط لمشروعي وحساب رأس المال والأرباح والواردات، كي لا أقع بأخطاء التجربة السابقة”.
وتابع: “سواء حصلت على دعم مادي أو لم أحصل، المهم بالنسبة لي أن حققت فائدة كبيرة ومهمة لمستقبلي”.
منحة مالية لأبرز 100 مشروع
منسق البرامج في منظمة “البوصلة”، سعد قلعية، أوضح لـ”السورية نت” أن المشروع لا يقتصر على التدريب فقط، بل يشمل تقديم دعم مادي للمشاركين بما يسمح لهم البدء بمشاريع صغيرة.
ويضيف قلعية أنه بعد انتهاء أيام التدريب طُلب من المشاركين تقديم مشاريعهم، وتم استلام المشاريع وهي الآن بمرحلة التصحيح، متحدثاً عن وجود لجنة ثلاثية لتقييمها ووضع العلامات عليها.
ومن المقرر أن يحصل أصحاب المشاريع الـ 100 الأكثر تميزاً على منحة مالية لشراء المعدات اللازمة لمشروعهم، كما سيتم استئجار محلات لهم لعدة أشهر، لحين انطلاق مشاريعهم بشكل جيد.
وتعليقاً على ذلك يوضح قلعية أن هذه المنحة “ستغير حياة 100 عائلة، خاصة أنها استهدفت العاطلين عن العمل بسبب ظروف الحرب والنزوح أو الإصابة”.