لم تكن أروقة المؤسسات التعليمية يوماً بعيدة عن الفساد المستشري في مؤسسات نظام الأسد ككل، لكنه بات اليوم أكثر علنيّةً وانتشاراً.
في داخل جامعة تشرين في اللاذقية، لم يعد الحديث عن شراء المقررات الدراسية(المواد) أمراً سرياً، إذ بات الأمر منتشراً بطرق وأساليب شتى عبر مدرسي المادة والمكاتب الامتحانية، وعبر وسطاء وفق ما يؤكده طلاب في الجامعة.
“عبر وسطاء”
تقول هبة، وهي طالبة في كلية التربية بجامعة تشرين، بعض الأساليب المنتشرة خلال السنة الدراسية المنتهية لبيع المواد، مشيرةً في حديثها لـ”السورية نت”، إلى أن “بعض المدرسين باتوا يتقصدون تخفيض نسب النجاح بشكل متعمد لإجبار الطلاب على الاتجاه لشراء المواد”.
وتضيف الطالبة في السنة الرابعة أن “بعض المقررات يكون النجاح فيها أقرب للمستحيل إلا من خلال دفع المقابل”.
وتطرح مثالاً على ذلك “مادة اللغة العربية في الفصل الثاني من السنة الرابعة، حيث يستغل أستاذها حاجة الطلاب للتخرج وعدم تأجيل الأمر لستة أشهر إضافية”.
وحول الطريقة التي يتم بها شراء المواد، توضح هبة أن “الأمر غالباً يتم عبر وسطاء على تواصل مع مُدرسي المادة، ويوجهون الطلاب لشراء ملخصات من مكاتب منتشرة في محيط الجامعة، وهناك يعرض الوسيط بشكل مباشر على الطلاب ضمان النجاح من خلال تسجيل اسمه مقابل دفع مبلغ مادي يختلف من مدرس إلى آخر، لكن غالباً يبدأ من 10 آلاف ليرة ويتصاعد تبعاً لأهمية المادة”.
وتؤكد هبة أن “الموضوع لم يعد سرياً أبداً والجميع يتكلم به داخل أروقة الكلية..عدد متزايد من المدرسين بات يتّبع نفس الأسلوب دون أي تدخل من رئاسة الجامعة رغم تقديم طلاب لشكاوي سابقة”.
“لم ينجح أي طالب”
في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، لم ينجح أي طالب في مقرر الترجمة للسنة الرابعة باللغة الفرنسية في جامعة تشرين، وفق ما نقل موقع “سناك سوري”، حيث لا تعتبر هذه المرة الأولى التي يرسب بها جميع الطلاب في مُقررٍ دراسي بجامعة تشرين و سبقها عدة إعلانات مشابهة.
يعزو الطالب عمار في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية مثل هذه النتائج إلى “تعجيز الدكتور المُدرس للطلاب، لإجبارهم على شراء ملخصات يطرحها، أو إلى عدم استجابة الطلاب لشراء المادة”، متسائلاً:” هل يعقل ألا تفكر إدارة الجامعة بالأسباب عندما لا ينجح أي طالبٍ في مقرر ما في السنة الرابعة؟”.
ويلفت عمار الذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل لكونه يقيم في اللاذقية، ويتابع دراسته في الجامعة، إلى أن “شراء المقررات لا يتم فقط باتفاق مع الوسيط، بل أيضاً عن طريق موظفين في دائرة الامتحانات، يقومون بتسريب أسئلة المادة قبل يوم واحد في حال كانت الأسئلة تحريرية، أو تغيير ورقة إجابات الطالب خلال تصحيحها من قبل موظفي الدائرة الإمتحانية في حال كانت الأسئلة مؤتمتة”.
ويشير الطالب الجامعي إلى أن “شراء المواد حالياً لا يتوقف كما كان سابقًا على الجانب النظري بل امتد مؤخراً لمدرسي المواد العملية الذين لهم بين 20 إلى 30 درجة من العلامة الكلية للمادة”.
“أزماتٌ زادت نسبة المُرتشين”
وحول امكانية النجاح في مثل هذه المواد دون الحاجة لدفع رشوى، أوضح عمار في حديثه لـ”السورية نت”، أن “هناك نوعين من المدرسين المرتشين: الأول يبالغ في وضع أسئلة بالغة الصعوبة في الامتحان، لكنه يسمح بنجاح المستحقين دون رشوى، ويحصل من الطالب الذي لم يستطع النجاح، على مبالغ مادية لتغيير علامته أو ترفيعه للفصل القادم وهذه النسبة هي الأكبر حالياً، في حين أن الفئة الثانية من المُدرسين وهم قلّة: يشترطون الدفع للنجاح حتى ولوكان الطالب مستحقاً له”.
يعزو الناشط الإعلامي أحمد اللاذقاني المقيم في مناطق سيطرة النظام بالساحل السوري، انتشار الفساد والرشاوى في المؤسسة التعليمية إلى جملة من الأسباب “منها ضعف الراتب الذي تمنحه حكومة النظام للمدرسين رغم أنهم يحملون أعلى الشهادات الجامعية(..)أعلى راتب منهم لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية شهرياً(حوالي 30 دولار أمريكي)، وهؤلاء المدرسين لا يمكنهم كالموظفين الآخرين ممارسة أعمال حرة بعد وظيفتهم”.
ويوضح اللاذقاني:”بالطبع لا أبرر تلقيهم الرشاوى لكن هذا الأمر رفع نسبة المرتشين من مدرسي الجامعة كثيراً عن السابق “.
“شهادات وأوراق المسافرين”
بموازاة ذلك، انتشرت في الجامعة خلال السنوات الأخيرة العديد من شبكات “السمسرة” التي تعمل على بيع أوراق جامعية لطلاب سابقين، ويقيمون الآن خارج سورية، أو طلابٍ يحتاجون الأوراق بسبب اعتزامهم السفر خارج البلاد.
يقول عبد الرحمن عباس، الذي درسَ الأدب العربي في جامعة تشرين، إنه دفع مبلغ 500 دولار قبل أشهر، لاستخراج صورة عن مصدقة تخرّجهِ من الجامعة، والتي لم يستطع الحصول عليها قبل سفره إلى تركيا.
وبحسب عبد الرحمن فإن هناك “سعر شبه موحّد لكل ورقة”، مشيراً إلى أنه سعى من خلال الطرق الرسمية للحصول على أوراقه الجامعية، عبر إرسال وكالة من تركيا لأخيه المقيم في اللاذقية “إلا أن موظفي الجامعة طلبوا حضوري بشكل شخصي ما دفعني للاعتماد على السماسرة”.