عندما يتردد اسم طلال البرازي في سورية لا يتبادر إلى الأذهان إلا تلك الشخصية، التي تحولت على مدار سبع سنوات مضت مضرباً للمثل بالسقف المسموح فيه لدى الشارع الموالي بالانتقاد، والذي يخصّ فقط حكومة نظام الأسد ووزرائها، بعيداً عن رأسها أو مؤسساتها العسكرية وأفرعها الأمنية.
ورغم الانتقادات التي ارتبطت بشخصية البرازي، ذو الـ57 عاماً، إلا أنها لم تكن كفيلة بإزاحته عن منصبه كمحافظ لحمص، بل على العكس كان لها أصداء مضادة فرضها نظام الأسد، وبشكل خاص رأسه (بشار الأسد)، والذي تمسك به على مدار السنوات الماضية، رغم الأصوات التي طالبت بـ”إسقاطه”.. “الإسقاط” الذي يعتبر مطلباً نادى به ملايين السوريين في مطلع عام 2011 تحت هتاف “الشعب يريد إسقاط النظام”، لكن الشارع الموالي حوّله إلى “الشعب يريد إسقاط المحافظ” فقط.. وهنا المحافظ هو طلال محمد سطام البرازي.
لم يترك البرازي كرسي محافظة حمص، على مدار سبع سنوات مضت، رغم المطالبات بـ”إسقاطه”، ومع مرور عشرة أيام من أيار 2020 يطل إلى الواجهة من جديد، بمنصب بعيد كل البعد عن نطاق إدارة المحافظات، فقد أصبح وزيراً للتجارة وحماية المستهلك في حكومة نظام الأسد، بموجب مرسوم جمهوري أصدره بشار الأسد، في ظرف حساس ومفاجئ.
عيّن البرازي خلفاً لعاطف النداف، والذي كان يشغل حقيبة وزارة التجارة في حكومة الأسد (سابقاً)، ومع التعيين طرحت عدة تساؤلات في الشارعين الموالي والمعارض عن السبب الذي يكمن وراء التمسك به من قبل نظام الأسد، ورأسه بشار الأسد، على خلاف باقي الشخصيات المسؤولة في سورية.
يبغضه الموالون
بهتافات “الشعب يريد إسقاط المحافظ”، طرد أهالي حي الزهراء الموالي في مدينة حمص، في شباط من عام 2016، البرازي لدى زيارته الحي عقب تفجيرات ضربته، حينها، وأودت بحياة نحو 50 من أبنائه، ولم تكن هي الحادثة الوحيدة، فقد سبقتها عدة حوادث، في عامي 2014 و 2015، ولاسيما أنها جاءت بعد عدة تفجيرات استهدفت الأحياء الموالية في مدينة حمص، كان أبرزها التفجير الذي أدى إلى مقتل 50 طفلاً في حي عكرمة، في تشرين الأول عام 2014.
وشهد الشارع الموالي في مدينة حمص على مدار ثلاثة أعوام (2014. 2015. 2016) غلياناً على خلفية التفجيرات التي تعرضت لها أحيائهم، محمّلين المسؤولية إلى البرازي بشكل أساسي، إلى جانب رؤساء الأفرع الأمنية، والذين عزل نظام الأسد الغالبية منهم، وأبقى على المحافظ، الأمر الذي كان محط جدل لم تتضح أبعاده حتى الآن.
ومما زاد الجدل، في ذلك الوقت، المرسوم الذي أصدره الأسد، في تشرين الأول 2014، والذي قضى بتعيين 5 محافظين جدد في سورية، مستثنياً البرازي، وكان من بين المحافظين الجدد: محمد مروان العلبي في حلب، ومحمد خضر السيد في إدلب، وإبراهيم خضر السالم كمحافظ للاذقية.
المرسوم أوصل رسالة حينها مفادها أن نظام الأسد تغاضى عن المطالب التي رفعها مؤيدوه بتغيير محافظ حمص ومحاكمته، بعد تفجير مدرسة حي عكرمة، ولاسيما أن المطالب أيضاً حمّلت البرازي مسؤولية “التهاون” مع فصائل “الجيش الحر” في أحياء حمص القديمة، وفي حي الوعر، بعد توقيع اتفاق “مصالحة” معهم للخروج من حمص، بشكل كامل.
لكن ومع ما سبق خرجت تقارير غربية تقول إن سر تمسك الأسد بالبرازي، في ذلك الوقت، لم ينبع من “مصلحة شخصية”، بقدر أنه يكون نوعاً من عدم الخضوع لأي مطلب شعبي، الأمر الذي يفتح أبواب الاحتجاج حول جميع أنواع القضايا، سواء الفساد أو غيرها.
طرف في تهجير “حمص القديمة”
لم يقتصر دور البرازي في أثناء توليه منصب المحافظ في الإشراف على الأمور الإدارية والخدمية في محافظة حمص، بل كان يجمع عدة مهام، بينها أمنية وسياسية وإدارية، وهو أمر أشارت إليه تصريحاته، في بداية تحوّل الحراك السلمي في حمص إلى حراك مسلح، مع الانتقال إلى العسكرة.
ومع الأصوات المنادية بإسقاطه في عام 2014، برز اسم البرازي في صفقة تهجير أحياء حمص القديمة، من ساكنيها ومقاتليها، إلى ريف حمص الشمالي، في حملة تهجير كانت الأولى التي تشهدها سورية، بعد انطلاقة الثورة السورية، في عام 2011.
وفي أيار من عام 2014 شهدت أحياء حمص القديمة توقيع اتفاق، قضى بتهجير المقاتلين والأهالي إلى الريف الشمالي لحمص، وكان البرازي عرابه، بمشاركة الأمم المتحدة، وبحضور روسي- إيراني، حيث التقى، حينها، وفد من قادة المعارضة في حمص وبعض الناشطين والوجهاء، بضابط إيراني رفيع المستوى وبحضور محمد ديب زيتون رئيس شعبة الأمن السياسي، ومحافظ مدينة حمص طلال البرازي، واتفقوا على آلية الخروج من الأحياء المحاصرة.
وقضت الاتفاقية بالسماح للمقاتلين المحاصرين، في أحياء حمص القديمة، البالغ عددهم حوالي 2200 – 2400 مقاتلاً بالخروج إلى ريف حمص الشمالي، مقابل إفراج فصائل المعارضة عن ضابط روسي أسر في العاشر من نيسان 2014، و20 مقاتلاً إيرانياً مأسورين في ريف اللاذقية، إضافة لإيرانية اعتقلتها فصائل “الجيش الحر” عند معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا.
دور البرازي في الدخول باتفاقيات التهجير في حمص لم يقتصر على الأحياء القديمة، بل تعدى وبعد ثلاث سنوات إلى حي الوعر، والذي تم تهجير قاطنيه ومقاتليه، في أيار من عام 2017، إلى الشمال السوري (إدلب، ريف حلب).
التحوّل إلى المصالحة
يمكن إطلاق لقب “رجل المرحلة” على البرازي، كونه اسمه تردد في عدة مراحل “مفصلية” في تاريخ محافظة حمص، بعد عام 2011، ومع الانتهاء من تهجير المقاتلين والأهالي، سواء في الأحياء القديمة أو حي الوعر، اتجه إلى عمليات “تخفيف الاحتقان الطائفي” في مدينة حمص، والتي تعتبر المدينة الأبرز، التي شهدت عمليات تصفية بين الطائفتين العلوية والسنية، وهي حالة ارتبطت بالطبيعة الديمغرافية للمنطقة.
“تخفيف الاحتقان الطائفي” بدأ به البرازي تحت مسمى “المصالحة”، وانتقل من حي إلى حي ومن قرية وبلدة إلى أخرى، بين عامي 2016 و 2019، داعياً إلى الوقوف مع “الدولة السورية”، ومؤكداً على “النسيج الاجتماعي الواحد”، الذي تتميز به المحافظة.
ولعب البرازي في هذه المهمة على الوتر العشائري وعلى بعض الشخصيات الدينية في حمص، بينها الشيخ عصام المصري، والشيخين علي دوم ومحسن الخضر، بالإضافة إلى طرف أساسي، هو “مركز المصالحة الروسي” في حميميم.
وبالتوازي مع ما سبق اتجه البرازي إلى الحديث عن “إعادة الإعمار” في الأحياء المدمرة في حمص، وروج إلى بدء العملية بشكل فعلي، مجرياً سلسلة لقاءات مع وفود من الأمم المتحدة، والتي دخلت برامج لها في مشاريع خدمية لإعادة جزء من البنى التحتية للأحياء المدمرة.
وفي آذار 2019 كان البرازي قد التقى المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيردرسون، وأجرى معه جولة في حي باباعمرو الحمصي، وفي الأحياء القديمة لحمص، كما التقى عدة وفود من “جمعية الصداقة السورية الروسية”، ووفود لبنانية وأخرى من “الصليب الأحمر”.
ينجز “بتوجيهات الأسد”
رغم البغض الذي يكنّه الموالون، وخاصةً في مدينة حمص للبرازي، إلا أنه يعتبر “شخصية قيادية” في نظر البعض منهم.
ومن أربعة أيام مضت، في 7 من أيار 2019، كانت صحيفة “بورصات وأسواق”، التي تصدر من دمشق، قد نشرت مقالاً حمل عنوان: “طلال البرازي.. الشخصية الشعبية والقيادية التي اكتسبت الاحترام في الداخل والخارج”.
تحدثت الصحيفة أن البرازي “تعاملَ مع الكثير من المواقف الصعبة، بل والمستفزة بروحٍ طيبة وسعة صدرٍ، وحولت من كان ينتقده لمحب، وفي تاريخه الكثير من العمل والنجاح”.
وأشارت إلى أنه “مثال المسؤول القريب من الناس، والذي يؤدي مهامه ومسؤولياته، وفق رؤية السيد الرئيس بشار الأسد وتوجيهاته، ويُنجز مع الحفاظ على هيبة الدولة والمنصب”.
رجل أعمال “من الطراز الرفيع”
ولد البرازي في مدينة حماة 1963، ومتزوج ولديه طفلة واحدة، وحاصل على إجازة في الاقتصاد، دبلوم إدارة أعمال.
وإلى جانب محطاته السابقة، يعرف البرازي بأنه رجل أعمال “من الطراز الرفيع”، ومالك عدة شركات ومؤسسات في الإمارات العربية المتحدة وسورية، إضافةً إلى علاقته التجارية والعائلية المميزة عائلة الأسد.
وللبرازي علاقات أيضاً مع “حزب الله” اللبناني”، وكان الأخير قد كرّمه، في عام 2018، في منطقة الهرمل بلبنان، وذلك لدوره في “العناية باللبنانيين داخل الأراضي السورية”.
ويملك البرازي مؤسسة تسمى بـ”طلال البرازي الدولية”، وأسسها عام 1997، وتضم: دمشق الدولية للإنتاج الفني، ومؤسسة طلال البرازي للمعارض والمؤتمرات، ومؤسسة البرازي للمقاولات، وشركة الوكالة الوطنية للعلاقات العامة والتواصل، وشركة سما دمشق للسياحة والاصطياف.
ويُعتبر البرازي استشاري إدارة وعلاقات عامة في المنطقة الحرة “مطار الشارقة”، وقد ساهمَ عام 2012 بتأسيس “شركة البوادي للمقاولات والإكساء”.