سلطت الصحافة اللبنانية الضوء على نتائج الزيارة الرسمية الأولى التي أجراها وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إلى دمشق أمس الاثنين، والتقى خلالها وزير خارجية النظام فيصل المقداد.
ورغم أن الزيارة انتهت ببيان مشترك تم خلاله “رفع العتب” فيما يتعلق بملف عودة السوريين في لبنان إلى بلدهم، عبر تأكيد الجانبين على “ضرورة العودة” دون الحديث عن خطوات فعلية، إلا أن تقارير لبنان رأت أن الزيارة أسست لطريق العودة، فيما رأت تقارير أخرى أنها كانت “شكلية”.
“ظرف ملتبس همّش الزيارة”
في مقال لها عبر صحيفة “نداء الوطن” رأت الكاتبة اللبنانية غادة حلاوي أن زيارة بو حبيب لسورية “جاءت في ظرف إقليمي مشوب بالتوتر وحرب عسكرية تشنّها اسرائيل على الفلسطينيين بلا هوادة”.
وقالت إنه من ناحية الشكل حملت الزيارة عدة معاني، أبرزها أنها الزيارة الرسمية الأولى لوزير خارجية لبنان على رأس وفد رسمي بتفويض حكومي.
مضيفةً أنها “بددت البرودة عن العلاقات بين البلدين، والانطباع السوري بعدم وجود رغبة لدى الحكومة اللبنانية في الانفتاح عليها خشية التعرّض لعقوبات أميركية”.
أما من ناحية المضمون، تساءلت الكاتبة عن النتائج العملية الملموسة لهذه الزيارة، وما إذا كان بالإمكان اعتبارها باكورة المراحل المقبلة على سكة عودة السوريين إلى مناطقهم في سورية.
واعتبرت أن بو حبيب حمل للجانب السوري “مفتاح العودة”، إلا أن الجانبين يدركان أن “عودة النازحين يرفضها المجتمع الدولي”.
وقالت إن العودة مرهونة بالإجابة على أسئلة أساسية وهي: “هل الدولة اللبنانية مستعدة لإعادتهم إلى بلدهم؟ وهل لها أن تجبرهم على العودة وتتحدى بذلك رغبة المجتمع الدولي وطلبه؟ وهل هي فعلاً أنجزت المطلوب منها لناحية الأعداد والأسماء والملفات المطلوبة؟”.
ونقلت صحيفة “نداء الوطن” عن مصدر مطلع على موقف الجانب السوري أنّ الزيارة كانت “إيجابية”.
لكنها “أتت في ظرف ملتبس، حيث لا يشكل ملف النازحين أولوية، وإذا كانت الإيجابية طغت على أجواء المجتمعين فالعبرة في التنفيذ”.
النظام يراوغ
من جانبها، قالت صحيفة “الجمهورية” اللبنانية إنها علمت من مصادر رسمية أن لقاء بو حبيب والمقداد أسفر عن وضع أسس عسكرية وأمنية ودبلوماسية للتعاون حول عودة السوريين من لبنان.
ويتعلق الجانب العسكري بوقف تهريب الأشخاص بين البلدين، والأمني بتسوية أوضاع المخالفين أو ترحيلهم إذا اقتضى الأمر.
أما الجانب الدبلوماسي والسياسي يتعلق بإجراء اتصالات مع لجنة الاتصال العربية التي شكّلتها القمة العربية الأخيرة لمتابعة الوضع في سورية، ولا سيما إعادة اللاجئين السوريين.
وبحسب الصحيفة قد يضطر الأمر إلى “ممارسة ضغط عربي على أوروبا لتسهيل العودة ودفع المساعدات المالية للنازِح في بلده بدل دفعها في لبنان”.
إلا أن صحيفة “الشرق الأوسط” نقلت عن مصادر متابعة أن النظام السوري يحاول استثمار ملف اللاجئين عبر “تذرعه بعدم توفر بيئة ملائمة لعودتهم إلى المناطق المدمرة، وصعوبة تأمين الخدمات اللازمة لهم”.
وأضافت أن “الجانب اللبناني يريد من دمشق تسهيل خطة إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم في سورية”.
إلا أن النظام يتذرع بعدم توفر “بيئة ملائمة” في محاولة منه لاستثمار ملف اللاجئين للضغط على الدول العربية كي تبذل مساعي لدى الإدارة الأميركية من أجل تخفيف العقوبات على النظام، والسماح للشركات الأجنبية والعربية بإعادة الإعمار، حسب المصادر.
واعتبرت المصادر أن التصعيد الذي تشهده المنطقة في غزة “سيرحّل ملف اللاجئين إلى قائمة الانتظار، وهو ما ستستغله دمشق لتوسيع هوامش المناورات السياسية على الصعيد العربي”.
“اجتماعات لاحقة”
وانتهت زيارة وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إلى دمشق، أمس الاثنين، بعد لقاء عقده مع وزير الخارجية في حكومة النظام، ومسؤولين آخرين.
وأصدر الجانبان بياناً مشتركاً حول الزيارة، تضمن مسائل عدة أبرزها الحرب في غزة، وملف اللاجئين السوريين في لبنان، وتسليم المحكومين السوريين.
وأبرز ما نتج عن تلك الزيارة هو الاتفاق على عقد “اجتماعات تنسيقية لاحقة”، تضم المسؤولين والخبراء المختصين في كلا البلدين.
على أن تتابع هذه الاجتماعات مسألة عودة السوريين في لبنان لبلدهم، وضبط الحدود لمنع التسلل “غير الشرعي”، وتبادل تسليم المحكومين العدليين، وغيرها من المسائل.
والهدف الأبرز من زيارة وزير الخارجية اللبناني إلى سورية هو بحث ملف عودة السوريين في لبنان، وضبط الحدود التي تشهد مؤخراً ارتفاعاً بنسبة التسلل، وفق تقارير للجيش اللبناني.
وتقول الحكومة اللبنانية إن بلادها شهدت، خلال الأسابيع الماضية، موجة “نزوح سوري” جديدة، واصفة الظاهرة بـ “الخطيرة”.
إلا أن التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة في غزة أدت إلى توسع أهداف الزيارة، لتشمل بحث تداعيات التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويتحدث لبنان منذ قرابة العام عن نيته تنظيم زيارة رسمية إلى سورية ولقاء مسؤولي النظام، لبحث ملف اللاجئين السوريين، والذين تطالب السلطات اللبنانية بإعادتهم إلى بلدهم.
لكن التخوف من تأثير العقوبات الغربية المفروضة على النظام عرقل إمكانية تنظيم زيارة رسمية لدمشق.