بينما صادق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على قانون “الكبتاغون 2” الذي يسعى لتفكيك شبكات نظام الأسد لتجارة المخدرات، أثارت عرقلة إدارة البيت الأبيض لتمرير قانون “مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد” العديد من التساؤلات.
وقُدم القانونان ضمن حزمة قوانين جديدة يريدها الرئيس الأمريكي بسرعة، أهمها المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل، إلا أن الأول وصل إلى طاولة الرئيس وفق التسلسل المعمول به في القوانين الأمريكية، بعد الموافقة عليه في مجلس النواب ثم الشيوخ، أما الثاني فكانت محطته الأخيرة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ دون التصويت عليه حتى الآن.
ورغم أن القانونين يستهدفان نظام الأسد ويضيقان الخناق عليه اقتصادياً وسياسياً، إلا أن إقرار القانون الأول ورفض التوقيع على الثاني، فتح باب التحليلات حول سبب العرقلة الأمريكية، خاصة أن الرفض جاء بعد أيام من تصريح رئيس النظام، بشار الأسد، بشأن عقد لقاءات مع مسؤولين أمريكيين، وإمكانية التوصل إلى تفاهم مستقبلي.
“فرصة”..و”تمديد قيصر”
وعلى مدى الأشهر الماضية، لعب نشطاء سوريون داخل الولايات المتحدة، دوراً رئيساً في تبني عدد من النواب الأمريكيين لمشروع قانون تحت اسم “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد”، بهدف “حظر أيّ إجراء حكومي أمريكي من شأنه الاعتراف بأية حكومة سورية، يرأسها بشّار الأسد أو تطبيع العلاقات معها”.
وجاء مشروع القانون بعد موجة انفتاح دول عربية على نظام الأسد بعد قطيعة لنحو عقد، إذ بدأ بشق طريقه من مجلس النواب وطرح لأول مرة في أيار/ مايو 2023، قبل أن يدخل في حالة من الجمود حتى 14 شباط/ فبراير 2024، حيث أقره المجلس بأغلبية ساحقة وصلت إلى 389 صوتاً، فيما رفضه 32 صوتاً بينهم 28 من الحزب الديمقراطي.
ومن خلال مراجعة الصفحة الخاصة بمشروع القانون على موقع “الكونغرس الأمريكي”، فإنه وصل إلى مجلس الشيوخ وقُرأ مرتين، ثم أحيل إلى لجنة العلاقات الخارجية، دون التصويت عليه حتى الآن.
وحسب التسلسل المعمول به في إمريكا لإقرار قوانين مماثلة، فإنه يقر أولاً من قبل مجلس النواب الأمريكي، ثم يرسل إلى مجلس الشيوخ الذي قد يطلب تعديلات جديدة على نص القانون، ما يعني إعادته إلى مجلس النواب للتصويت عليه مجدداً.
وحاول رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، إدراجه ضمن حزمة القوانين المستعجلة، لكن البيت الأبيض ورئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ، السناتور الديمقراطي بين كاردين، قاما “بتعطيل تقدم مشروع قانون مناهضة التطبيع”، حسب ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” مؤخراً.
ويعتبر كاردين من السياسيين الداعين إلى محاسبة نظام الأسد وعدم السماح له بـ”مسح جرائم الحرب التي ارتكبها وتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي”.
وحول مصير مشروع القانون، يقول مسؤول السياسات في المجلس السوري الأمريكي، محمد علاء غانم، إن “المشروع لم يلغ بشكل كامل”، وإنما كان هناك فرصة لتعجيل صدوره وإقراره ضمن حزمة القوانين المستعجلة.
ويضيف غانم في حديثه لـ”السورية.نت”، أن “الفرصة التي ضاعت هي تعجيل إقرار مشروع القانون، لكنه ما زال مطروحاً أمام مجلس الشيوخ”.
أما مدير البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي للأبحاث، قتيبة الإدلبي، فقد توقع يدوره أن يكون هناك جهود إضافية، خلال الأشهر المقبلة، لتمرير أجزاء من القانون، مشيراً إلى أنه في “الحد الأدنى سيتم تمرير تمديد قانون قيصر لفترة ما بين 5 إلى 10 سنوات”.
ما هو القانون؟
يهدف قانون مناهضة التطبيع إلى “سن قوانين جديدة، وتحديث وتمتين وتوسيع قوانين سابقة متعلّقة بالشأن السوري”، ويقسم إلى أجزاء:
القسم الأول متعلق بحظر الاعتراف بالأسد أو بتطبيع العلاقات مع أيّ حكومة يرأسها، وتطبيق قانون قيصر لردع نشاطات إعادة الإعمار في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام.
كما يحرم القانون “أي مسؤول أو موظف فيدرالي اتخاذ أي فعل، أو صرف أي مبلغ ماليّ من شأنه أن يشكل أي اعتراف من قبل حكومة الولايات المتّحدة، صراحةً أو ضمناً، بأي شكل من الأشكال، ببشار الأسد، أو بأية حكومة سورية يرأسها”.
ويطلب من وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، تقديم تقرير سنوي استراتيجي إلى اللجان المختصة في الكونغرس يصفُ فيهما الأفعال التي اتّخذتها الدول للتطبيع أو الاتّصال مع نظام الأسد.
ويجب أن تقدم الحكومة الأميركية أيضاً تقريراً بالخطوات التي تتخذها لمكافحة اعتراف أية دولة أخرى بنظام الأسد أو تطبيعها للعلاقات معه.
أما القسم الثاني، فإنه يتعلق بتعديل قانون “قيصر”، الذي أقر أواخر 2019 ودخل حيز التنفيذ في يوليو 2020، بحيث تطال عقوباته أي جهة أجنبيّة “تقدم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً للحكومة السورية، ومعاقبة أي شخص أو جهة تشترك بأيّ شكل من الأشكال في سرقة المساعدات الإنسانية، أو من يستولي على ممتلكات السوريين”.
إضافة إلى معاقبة من يساعد النظام في أي صفقة غاز أو كهرباء أو أي مصدر من مصادر الطّاقة الأخرى لم تُصدَر إجازة من وزارة الخزانة الأميركيّة للسماح بها.
أما القسم الآخر يتعلق بالتلاعب في منظومة الأمم المتحدة، ويطالب مشروع القانون من وزير الخارجية الأمريكي، تقديم تقرير للجان العلاقات الخارجيّة في مجلسي الشّيوخ والنوّاب عن تلاعب نظام الأسد بالأمم المتّحدة في سورية، كما يطلب الكشف عن مسؤولي وموظفي الأمم المتحدة الذين تربطهم صلات بنظام الأسد.
إضافة إلى الكشف عن الجهات المرتبطة بنظام الأسد التي تلقت تمويلاً أو حصلت على عقود أو منح أو دخلت في شراكات رسمية مع الأمم المتحدة، بما فيها الأمانة السّورية للتنمية، والهلال الأحمر العربي السوري.
لماذا كُبحَ القانون؟
اختلفت الأراء والتحليلات وراء رفض تمرير مشروع القانون، إذ بينما اعتبره البعض رسالة من البيت الأبيض إلى الكونغرس، رأى آخرون أن إقراره سيؤدي إلى إجبار واشنطن على تغيير سياساتها في سورية.
ولم تفصح واشنطن عن سبب رفضها تمرير القانون، حيث اكتفى الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، بالتأكيد على ربط بلاده تطبيع العلاقات مع نظام الأسد بإحراز تقدم ملموس نحو حل سياسي.
وقال ميلر “لا نعلق عندما يتعلق الأمر بالتشريعات المعلقة. ومع ذلك كان موقفنا واضحاً وهو أننا لن نطبع مع نظام الأسد مالم يكن هناك حل سياسي يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمعروف برقم 2254”.
وأضاف: “ستظل عقوباتنا سارية المفعول بالكامل. أعلم أن هذا كان أحد الأجزاء الأخرى من التشريع بالذات (قانون مناهضة التطبيع)”، مؤكداً على الموقف الأمريكي “بالالتزام باستخدام جميع الأدوات المتاحة لتعزيز المساءلة في سورية، بما في ذلك عن طريق إصدار عقوبات بموجب قانون قيصر وغيره من السلطات”.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست“، قد نقلت عن مسؤول في البيت الأبيض أن “الإدارة الأميركية تعتقد أن لديها من الأدوات ما يساعدها على ملاحقة الأسد وشركائه”، متحدثاً عن مخاوف لدى بعض المنظمات الإنسانية الدولية، من ضعط زيادة العقوبات الجديدة على الوضع الإنساني المأساوي أساساً في سورية.
خدمات لكشف أذرع إيران
وربط الباحث في معهد الشرق الأوسط، سمير التقي، رفض القانون مع “خدمات” يقدمها الأسد للأمريكيين، حيث قال لـ”السورية. نت” إن “الأسد ساعد في ضبط القوات الإيرانية الموجودة في سورية، وفي كشف العديد من عملياتها”.
وأضاف التقي أن “علاقة النظام مع الغرب رهن بأجندة إضعاف أذرع إيران في الإقليم، وسيصبح الأمر حرجاً بالنسبة له تدريجياً للاختيار بين إيران والعرب، لكن في كل الأحوال بحسب تقديرات غربية عديدة، فإن النظام غير قادر على البقاء دون الدعم الإيراني”.
لكن رغم ذلك، وصف التقي بأن “الموضوع تكتيكي وقصير المدى”، مشيراً إلى عدم وجود تبديل حقيقي في الموقف الأمريكي.
أما قتيبة الإدلبي، فقد تحدث لـ”السورية نت” هذا الأسبوع، عن اعتبراضٍ من قبل البيت الأبيض على البند الذي يمنع الحكومة الأمريكية من التطبيع مع نظام الأسد، أو أي حكومة يرأسها النظام، بسبب أن هذا البند “يشكل سابقة قانونية، ويسحب الكونغرس من الإدارة التنفيذية صلاحية العمل على ملف السياسة الخارجية”.
واعتبر أن الإدارة الأمريكية لا تود أن تظهر بأي موقع قيادي في الملف السوري، وهدفها إيصال رسالة أن “من يريد التطبيع مع النظام فيلفعل ذلك، لكن دون إظهار واشنطن بأنها تقود سياسة خاصة في سورية “.
من جانبه أرجع محمد غانم رفض مشروع القانون إلى كونه “يعاكس سياسة الإدارة الأمريكية ويجبرها على تغير سياساتها تجاه سورية، سواء الإدارة الحالية أو أي إدارة مستقبلية”.
وقال إنه “بفعل مشروع القانون يصبح محظوراً الاعتراف بأي حكومة يرأسها الأسد، بل يطلب مشروع القانون أن تضع الوكالات الأمريكية المختلفة استراتيجية لمكافحة التطبيع من الدول الأخرى”، ما يشكل “ضربة قاضية” لسياساتهم في سورية.
ضغط عربي؟
منذ انطلاق مسار التطبيع بين عدة دول عربية مع نظام الأسد، وخاصة الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، لم تبد واشنطن أي تحركات واضحة أو خطوات ملموسة لوقف موجة التطبيع، واكتفت بالتصريحات السياسية المتكررة حول موقفها من النظام.
ويبدو وفق باحثين مختصين، أن دولاً عربية أعادت مسار العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، ربما تلعب دوراً في الضغط على الحكومات الغربية، لقبول التقارب مع نظام الأسد، حسب ما كشفت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، العام الماضي.
ونقلت الوكالة عن مصادرها، أن الرياض وأبو ظبي تضغطان لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الأوروبيين ونظام الأسد وتخفيف العقوبات وإنعاش الاقتصاد.
وربط إدلبي رفض قانون التطبيع مع مواقف دول عربية، حيث أكد أن هناك اعتراضات كثيرة من دول إقليمية “بينها دول عربية وتركيا”، على توسيع صلاحيات “قانون قيصر”.
كما أكد مسؤول السياسات في المجلس السوري الأمريكي محمد غانم، أن بعض الدول العربية التي طبعت مع النظام، أرسلت موفدين إلى واشنطن بهدف إيقاف مشروع قانون التطبيع، لأنها لا تريد أن يعرقل مسارها نحو النظام.
وأشار إلى أن “بعض الدول المطبعة تعمل وسيطاً ما بين الإدارة الأمريكية ونظام الأسد، وتنقل له رسائل، ومؤخراً نقلت له رسائل بشأن غزة، وهذا الأمر نفذه الأسد”.
من جانبه اعتبر الكاتب والمحلل السياسي المقيم في روسيا، محمود الأفندي، أن البيت الأبيض يمتنع عن زيادة الضغوط السياسية على الدول العربية في ظل الأوضاع المتوترة في غزة والشرق الأوسط
ويقول الأفندي لـ”السورية.نت”، إن زيادة التوتر بين الولايات المتحدة والدول العربية لا تخدم المصالح المشتركة، خاصة أن “العقوبات السياسية على النظام لا تقدم ولا تأخر في ظل وجود قانون قيصر الذي يمنع أي تعامل اقتصادي مع النظام”.
ويضيف الأفندي أن التطبيع السياسي لا يزعج الولايات المتحدة، لأنها تعلم بأن النظام بحاجة إلى دعم اقتصادي وإعادة إعمار، وفي ظل وجود قانون قيصر، لا يمكن لأي دولة التعامل بهذا الشأن مع النظام بما في ذلك روسيا.