تقود سلسلة من المؤشرات “الفعلية” إلى أن العلاقة بين تركيا وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” في السليمانية باتت “على المحك”، ولأسباب تتعلق بدرجة المسار الذي يربط الأخير بـ”حزب العمال الكردستاني”.
ورغم أن التوتر بين الجانبين ليس جديداً أعطت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية التركي، حقان فيدان قبل أيام سياقاً مختلفاً، وبتفاصيل أقرب إلى التصعيد، وفق صحيفة “ديلي صباح”.
وقال وزير الخارجية فيدان الثلاثاء: “لن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات إذا لم يغير الاتحاد الوطني الكردستاني موقفه الداعم لحزب العمال الكردستاني على الرغم من العقوبات التي فرضناها على السليمانية في العراق”.
وأشار في ذات الوقت إلى التوترات القائمة مع “الاتحاد الوطني الكردستاني” المتمركز في السليمانية.
ونقلت صحيفة “ديلي صباح” عن مصادر أمنية قولها، اليوم الجمعة، إن “الاتحاد الوطني الكردستاني يسمح لحزب العمال الكردستاني بالتجول بحرية في السليمانية، والعمل تحت هياكله القانونية”.
وأضافت المصادر أن “موقف الاتحاد الوطني الكردستاني تجاه حزب العمال الكردستاني تطور في السنوات القليلة الماضية”.
وعندما سئلت عن سبب احتفاظ “الوطني الكردستاني” بعلاقاته مع “حزب العمال” على حساب العلاقات مع تركيا، أوضحت المصادر أن “كل من الولايات المتحدة وإيران تمارسان ضغوطاً على الحزب في هذا الصدد”.
لماذا الآن؟
وشهدت العلاقات بين أنقرة و”الاتحاد الوطني الكردستاني” صعوداً وهبوطاً في العقد الماضي، لكنها نادراً ما شهدت فترة يمكن وصفها بالإيجابية.
وبعد أن تمتعت بعلاقات إيجابية نسبياً خلال فترة جلال طالباني، أصبحت العلاقات أكثر صعوبة عندما تم إنشاء رئاسة مشتركة في قيادة “الوطني الكردستاني” في عام 2020 بين نجل جلال طالباني، بافال طالباني، وابن عمه لاهور شيخ جانكي.
وكانت إطاحة بافال طالباني بابن عمه، الذي كان معروفاً بموقفه المناهض لتركيا، بمثابة تطور مرحب به بالنسبة لأنقرة.
ومع ذلك، استمرت العمليات التركية المستمرة على أراضي “حكومة إقليم كردستان” في إثارة التوترات مع بافال طالباني، مما دفع الأخير إلى انتقاد أنقرة علناً وبشكل متكرر، حسب “ديلي صباح”.
وفي ظل التوترات الحالية والجديدة أشارت الصحيفة المقربة من الحكومة إلى أن مسؤولو “الوطني الكردستاني” طالبوا بعقد اجتماع مع السلطات التركية.
وأوضحت أنه من غير المعروف ما إذا كان سيتم عقد مثل هذا الاجتماع أم لا.
وتابعت نقلاً عن مصادر أمنية أنه “قد لا يتم الإعلان عنه، لأن أنقرة لا تفضل إعطاء صور للحزب في الظروف الحالية”.
“حوادث متتالية”
وكانت حادثة أبريل/نيسان الماضي قد جعلت من التوتر بين الجانبين يخرج إلى العلن، وبصورة أوضح، بعدما كشفت ضربة نفذتها طائرة تركية على موقع بالقرب من مطار السليمانية علاقة تربط قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي ببافل طالباني.
علاوة على ذلك، في 18 سبتمبر/أيلول، ألقى المسؤولون العراقيون باللوم على أنقرة في غارة جوية على مطار عربت في السليمانية، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة أعضاء في مجموعة مكافحة الإرهاب التابعة لـ”الوطني الكردستاني” وإصابة ثلاثة آخرين.
وبينما لم تعلن وزارة الخارجية التركية مسؤوليتها عن الهجوم، قالت في اليوم التالي: “من المفهوم أن أعضاء “مجموعة مكافحة الإرهاب” التابعة لـ”الوطني الكردستاني” “كانوا يجرون تدريباً مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب وقت الانفجار”.
وكان التطور “مقلقاً للغاية” لأنه “كشف بوضوح عن التعاون بين الأجهزة الأمنية للاتحاد الوطني الكردستاني وأعضاء التنظيم الإرهابي”، وفق ما أوردت صحيفة “ديلي صباح”.
ويقيم “الوطني الكردستاني” علاقات وثيقة مع حزب “العمال الكردستاني”، ويعرب عن دعمه علناً.
وفي ديسمبر 2022، كان بافال طالباني رئيس الحزب قد زار مناطق شمال وشرق سورية والتقى بمظلوم عبدي ومسؤولين آخرين من “وحدات حماية الشعب”.
وقال بعد ذلك إن “الاتحاد الوطني الكردستاني سيدعم دائماً أشقائه وأخواته في روج آفا لتحقيق حقوقهم ومطالبهم بالطرق السلمية”.
ما دور إيران؟
رغم التبادل العدواني للكلمات بين أنقرة و”الوطني الكردستاني”، فإن تركيا لا تهدف إلى قطع العلاقات بشكل كامل، وفق “ديلي صباح”.
ولا يزال “الوطني الكردستاني” طرفاً فاعلاً حيوياً في حكومة إقليم كردستان والحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث يشارك معه في اتفاق تقاسم السلطة الذي تم التوصل إليه بين عامي 1994 و1998.
ويمكن رؤية الأهمية الاستراتيجية لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني” أيضاً في حصوله على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي في محافظة كركوك العراقية، وهي محافظة غنية بالموارد وتربطها بتركيا علاقات ثقافية.
وفي حالة زيادة التوافق بين الحزب “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، يمكن للحزبين الكرديين أن يشكلا ثقلاً موازناً ضد بغداد ويحققان دوراً أكبر في صنع القرار وشروط القوة التفاوضية، مما يعود بالنفع على المنطقة الكردية، وفق الصحيفة.
وتضيف أن “السبب الآخر الذي يجعل تركيا لا تغلق الباب في وجه الاتحاد الوطني الكردستاني هو أن أنقرة لا تريد دفع الحزب أكثر نحو المحور الإيراني”.
وتوضح أنه “ومن خلال الحفاظ على علاقات وثيقة مع الاتحاد الوطني الكردستاني وترسيخ حكومة بغداد، تهدف إيران إلى تعزيز طموحاتها الإقليمية بينما تحاول مقاومة النفوذ التركي في العراق”.
وقد استفادت إيران من الانقسامات بين الحزبين الكرديين، فضلاً عن تضاؤل البصمة الأمريكية في البلاد.
وكان لطهران أيضاً دور مؤثر في إطلاق قضية قضت بأن صادرات النفط من حكومة إقليم كردستان عبر تركيا غير قانونية.
ومن وراء ذلك ضربت إيران عصفورين بحجر واحد حيث أدى هذا الحكم إلى إضعاف اقتصاد حكومة إقليم كردستان وتسبب في تعطيل التعاون مع تركيا، وفق “ديلي صباح”.
وتشير الصحيفة إلى أن العلاقات بين “الاتحاد الوطني الكردستاني” وإيران في الوقت الحالي ليست ذات منفعة متبادلة، بل “تعكس تبعية وهيمنة أحدهما على الآخر”.
وترى أن “خروج الحزب عن فلك طهران والتركيز على العلاقات المتوازنة مع جيرانه، كما هو الحال مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، سيكون بمثابة استراتيجية أفضل للمستقبل”.
“إن عدم التعاون مع تركيا في حكومة إقليم كردستان لن يؤدي إلا إلى قيام أنقرة بتوسيع وجودها وعملياتها في المنطقة”.
في حين أن التنسيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع “الوطني الكردستاني” يمكن أن يساعد في تحديد واستهداف عناصر “حزب العمال” بطريقة من شأنها أن تسبب أقل ضرراً لسمعة تركيا واستقراراً للسليمانية، حسب كاتبة التقرير في “ديلي صباح”، ديلارا أصلان.