لا أدري ما إذا كانت علامات القبح في وجه رئيس النظام السوري بشار الأسد ناجمة عن ندوب الجريمة، التي يواصل ارتكابها في بلده منذ أكثر من 10 سنوات، أم أنها سابقة على الجريمة. لكن على المرء أن يستعيد حقيقة أن في وجه الرجل جانباً من سيرته، ذاك أننا رحنا نترقب تحولاً في ملامحه مرافقاً للمراحل التي مرت بها جريمته.
وبالأمس أطل بشار مجدداً على شاشة التلفزيون خلال نقلها وقائع المؤتمر الذي نظمته روسيا في دمشق، وموضوعه اللاجئين السوريين. وحضر المؤتمر معظم من شارك رئيس النظام بجريمته. بدا وجه الرجل منقبضاً ومرتداً إلى داخله، ومرتخي العضلات، وظهر عليه تعب، وملامح وجه شرير يعوزه الدهاء.
المناسبة أيضاً ساعدتنا على استقبال صورته بهذا القدر من الريبة. فروسيا نظمت مؤتمراً لإعادة اللاجئين السوريين برعاية بشار الأسد وبمشاركة إيرانية! وفي خلفية المنصة نصبت أعلام الدول المشاركة يتوسطها علم الأمم المتحدة. ووحده لبنان، الجمهورية الفاشلة والفاسدة والمرتهنة، من بين دول اللجوء من شارك في المؤتمر. تركيا والأردن قاطعا، وكذلك الدول الغربية، وطبعاً الولايات المتحدة.
ما الذي دها بعقل الروس ودفعهم إلى تنظيم هذا المؤتمر؟ ماذا يريدون أن يقولوا؟ وهل هي محاولة تعويم عاثرة لهذا الرئيس المستحيل؟ الأرجح أنها كذلك، وهذا يكشف عن ضعف في المخيلة الروسية، ذاك أن تعويم بشار الأسد في غير سياق حرب أهلية مهمة من المستحيل أن تتحقق، فما بالك اذا كان المدخل إليها قضية اللاجئين، وأن يفتتحها هذا الرئيس عديم المخيلة بعبارة أن دول الغرب مستفيدة من ظاهرة اللجوء وتعيق أي محاولة لإعادتهم!!!
الرجل الذي تسبب بنزوح أكثر من ٥٠ في المئة من السوريين، محاطاً بمن ساعدوه بهذه المهمة من روس وايرانيين، يبحث في مؤتمر عن سبل إعادتهم! الرجل الذي قال ذات يوم أن سوريا بعد أن غادرها من غادرها صارت “مجتمعاً منسجماً”، تريد روسيا أن تقدمه إلى العالم بصفته صاحب مشروع إعادة اللاجئين.
لا بل أن المؤتمر شهد وقائع أكثر إذهالاً، ذاك أن بحثاً جرى خلاله عن ضمانات وإغراءات لعودتهم! بشار الأسد، الرئيس الكيمياوي سيقدم ضمانات لعودة نحو ستة ملايين سوري هربوا من بلدهم بعد أن بلغت الجريمة فيه مبلغاً لم يصل إليه أعتى ديكتاتوريي العالم. جرى ذلك في مؤتمر إعادة اللاجئين الذي نظمته موسكو في دمشق. وغابت عن المؤتمر الدول المضيفة، باستثناء جمهورية اللصوص اللبنانية، كما غاب عنه طبعاً ممثلون عن اللاجئين، ولم يُعنى أهل المؤتمر بتحضير ملفات وخرائط ومعطيات عن شكل انتشار اللاجئين، ولا عن أنواع المعانات التي يكابدونها في مناطق لجوئهم. المهمة فقط هي أن يظهر وجه الرجل على الشاشة وخلفه علم الأمم المتحدة.
لكن الفشل سبق الروس إلى مؤتمر دمشق، وهذا أمر بديهي في ظل المهمة المستحيلة التي قصدوها من وراء هذا المؤتمر المتعثر. فمأزق النظام السوري مع رئيسه في “السلم” أكبر منه في الحرب. كيف يمكن لبشار أن يحكم سوريا من دون حرب؟ في الحرب هو لا يحكم ولا يحارب، لكنه صورة يحتاجها من يتولون المهمة أثناء تسويقهم لحروبهم. أما عندما تنتهي الحرب ويحين موعد حسابات الحكم من دونها، فبشار الأسد لن يقوى على توفير شروط بقائه على رأس السلطة. لن يقوى على إدارة اقتصاد ما بعد الحرب، ولا على التعامل مع الفراغ الهائل الذي خلفه اللاجئون، ولا على علاقات دولية تتولى إضفاء شرعية على الوضع القائم. قد تكون هذه الشروط غير ضرورية في مراحل الحروب، لكنها شروط الحكم في مرحلة ما بعد الحرب.
قد يدور في خلد الروس ذات يوم أن يدفعوا بشار نحو إسرائيل، بعد أن أقفلت بوجههم أبواب الدول الغربية والأنظمة العربية، لكن حتى هذه المهمة ليست مضمونة النجاح، فبالإضافة إلى كونها افتراق كبير عن الشريك الإيراني، فإن إسرائيل نفسها ستزين الخطوة بميزان مصالحها مع العالم. فاتفاق سلام مع نظام دموي وغير مستقر سيجر عليها اكلافاً تفوق ما ستجنيه من اتفاق للسلام مع النظام في سوريا.
هذه الاستحالات ربما هي وراء ما حمله وجه الرئيس من ملامح قاتمة في يوم افتتاح المؤتمر في دمشق، صحيح أن الحنكة والذكاء يعوزانه، إلا أنه يدرك من دون شك أن الحرب وحدها سبيله للبقاء في قصر المهاجرين، وما من حرب استمرت إلى ما لا نهاية.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت