على أعتاب الحرب والتهجير.. هبة سماق تعكس واقع السوريات في العمل الإنساني
“كان على عائلتي أن تغادر أريحا هرباً من القصف لكن لا سيارة تقلهم خارجها.. في هذه الأثناء كنت منهمكة في عملي خلال الاستجابة لمهجرين آخرين في ظل الحملة العسكرية، كدتُ أنهار من الضغط، إلا أنه لا خيار أمامي إلا التماسك والاستمرار بالعمل” بهذه العبارات، تعود هبة بذاكرتها إلى لحظات التهجير “الصعبة” التي شهدتها مدينتها أريحا، بفعل هجوم قوات وروسيا على منطقة جنوبي إدلب.
تقول هبة لموقع “السورية نت”: “في هذه اللحظات كل ما كنت أنتظره خبراً بوصول عائلتي وطفلي لمكان آمن بعيداً عن القصف، أنا الذي وهبتُ وقتي الطويل للاستجابة للآخرين كنت عاجزةً في تلك اللحظات عن الاستجابة لعائلتي”.
هبة سماق واحدة من العاملات بالمجال الإنساني في محافظة إدلب، والتي أصبحت بعد اعتقال زوجها عام 2011 المعيلة الوحيدة لأسرتها، وسط تحديات أمنية واجتماعية وصفتها بالصعبة خلال السنوات القليلة الماضية، تكللت بتجربة لافتة ضمن عملها في مجال مساندة الأطفال والسيدات.
تعمل هبة كمشرفة في مراكز الحماية وإدارة الحالة في منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” أحد مشاريع “المنتدى السوري”، منذ حوالي 4 سنوات، وتروي لنا لحظات صعبة مرّت بها خلال عملها الإنساني الطويل وسط عقبات وتحديات، موجهة رسالةً للنساء في “يوم المرأة العالمي”، الذي يصادف في 8 مارس/ آذار من كل عام.
تقول هبة إنه كان من الصعب عليها، وهي زوجة معتقل في سجون نظام الأسد منذ حوالي 10 سنوات، بين شغفها في العمل وطموحها في الحفاظ على أسرتها الصغيرة وطفلها الذي تحوّل إلى دافعٍ كبير لها للعيش وخوض غمارات الحياة الصعبة، حسب وصفها
وهبة من مواليد عام 1987 في مدينة أريحا جنوبي محافظة إدلب، تخرجت في جامعة حلب، تخصص كلية التربية عام (2009 – 2010)، وتخصصت خلال سنوات عملها الأخيرة في حماية المرأة والطفولة وتدريب السيدات وتوعيتهنّ.
وعملت هبة سمّاق معيدةً في جامعة إدلب مع انطلاقتها، كما كان لها تجربة عمل في صفوف مديرية التربية والتعليم في المحافظة، قبل أن تتجه للعمل في مجال الحماية الموجّهة للسيدات والأطفال، الذي بدأ مع منظمة “سيريا ريليف”.
تحدي جديد في “إحسان”
في يونيو/ حزيران 2018، انضمّت هبة لفريق منظمة “إحسان” كمشرفة “مساحة صديقة للطفل” في مدينة أريحا.
وكان الانتقال من مجال الحماية المخصص للسيدات، إلى حماية الطفل تحديًا لهبة، كما تقول، خاصة حينما تقلّدت مشروعاً جديداً في صفوف منظمة “إحسان” في مدينتها أريحا.
وتتابع لـ”السورية.نت”: “العملان ربما يعتبران متشابهان، لكن وضعت عدة أهداف لتكوين فريق متكامل، وتأمين جودة عالية من العمل رغم ظروف الوضع الأمني نتيجة القصف الجوي”.
نزوح متكرر
خلال عملها في مركز حماية الطفل بمدينة أريحا، استهدف قصفًا جويًا منطقة قريبة من المركز ما أدى إلى نقله لمكانٍ جديد، وهو تحدٍ كبير واجهته هبة في كل مرة كانت تضطر فيها للنزوح مع مركزها وفريقها خلال الحملة العسكرية الأخيرة على محافظة إدلب ومدينة أريحا.
تتحدث هبة عن لحظات القصف أثناء العمل، بقولها: “نكون في موقف لا نحسد عليه، علينا تأمين خروج آمن لكل طفل، والتوقيت المناسب كذلك، ومن ثمّ نلتفت لأنفسنا متى وكيف سنغادر المكان لمكان أكثر أمناً”.
وتضيف: “النزوح الأول للفريق كان إلى مركز آخر ضمن أريحا. كان عليّ أن أعيد جرد المواد وأحصيها وأعيد حالة الانطلاق ذاتها بدءاً من الصفر، كان الأمر مرهقاً لكن هي ضرورات العمل”.
وفي عام 2020 بدأت هبة بمشروع جديد وهو “إدارة الحالة” في صفوف منظمة “إحسان”، لكنه كان الأخير في المدينة التي تتعرض لقصف مستمر، الأمر الذي أدى إلى نزوح المركز من أريحا إلى مدينة إدلب وهي المحطّة الأصعب بحسب هبة، على اعتبار أنها كانت موازية لأكبر موجة نزوح من منطقة جنوبي إدلب.
عاشت هبة خلال عملها في مشروع “إدارة الحالة” ضغطاً كبيراً إلى جانب أعضاء فريقها، إذ إنّها كانت تعاني ويلات النزوح مع عائلتها الصغيرة، وتستجيب لنزوح الآخرين في ذات الوقت ضمن نشاطها الإنساني، فضلاً عن ضغوط إدارية كانت تعاني منها مع نقل كل مركز.
وخلال استجابتها مع الفريق في ظل الحملة العسكرية والعمل تحت تهديد القصف، كانت تتوارد أسئلة كثيرة لدى هبة وفريقها: “هل نعلّق العمل؟ أم نستمر ونعرّض الفريق للمخاطر؟ جميعها تناقضات يترتب على كل موقف منها خسارة معينة، إذ لا يمكن تعريض الفريق للخطر وأيضاً لا يمكن التخلي عن المستفيدين والفارّين من جحيم القصف، وكذلك متابعة الأنشطة”، تقول هبة.
“استجابة مباشرة”
تتابع هبة: “حينما غادرنا مدينة أريحا كان علينا إعادة ترتيب المركز على وجه السرعة، لنستجيب لنزوح الآخرين، ونجحنا في افتتاح المركز في اليوم الثاني تماماً لنزوحنا، كانت الأمور الإدارية تتمّ بمرونة إلا أن ضغطاً نفسياً وعملياً كانا حاضرين، وصل بنا الحدّ أننا داومنا 15 يوماً متتالياً دون أية عطلة أو انقطاع بسبب الأزمة الإنسانية حينها”.
وخلال موجة النزوح الأضخم في 2020 تحوّل عمل هبة وفريقها إلى استجابة مباشرة، تعتمد على تقييم حالة المستفيدين، وتقديم الخدمة بشكل مباشرٍ نظراً للظرف الإنساني الصعب.
توضح هبة أنّ “الفريق صب اهتمامه على الاستجابة المباشرة للمهجرين بتقديم الخيام والبطانيات والأغطية، لا فرق بين مدير وعضو.. الجميع يعمل لخدمة أهلنا النازحين دون تأخير”.
مسافات طويلة
تشقّ هبة كيلو مترات طويلة يومياً من مكان إقامتها في مدينة إدلب إلى أرمناز شمال غربي المحافظة، حيث محطة عملها الأخيرة في مركز حماية الطفل التابع لـ”إحسان”.
تقول هبة لـ”السورية.نت”، إنّ “الانقطاع عن العمل لأشهر والمسافات الطويلة التي أقطعها، مصرةً عليها رغم التعب الشديد لي كربّة أسرة وسيدة، لكن السبب الرئيسي هو تمسكي بالعمل بمنظمة إحسان التي وجدتُ فيها بيئة عمل مشجّعة ومحفّزة لتقديم الأفضل ومريحة من الناحية النفسية فضلاً عن فريق عمل متفانٍ”.
وتضيف: “تمكنت خلال التجربة الطويلة هذه أن أسسَ خبرة كبيرة في مجال حماية الطفل بمساعدة فريق عمل وإدارة متمكنة وكلي طموح أن أقدم نجاحات أكبر”.
رسالة وهاجس
تقول هبة إن “القيمة التي تحصدها من مساندة الأطفال والسيدات وتغيير واقع هاتين الفئتين، لا تعادلها أية قيمة مادية أخرى، وهذه القيمة هي الدافع والمحفّز للاستمرار في العمل رغم ما يترتب عليه من تعب وجهد”.
شمال سورية.. سيدات ينجحن بـ”مشاريع صغيرة” بعد رحلة “بناء القدرات”
وتشير إلى أنّ “قصة طفلها الذي كبر على غياب والده المعتقل كانت ملهمة لها في العمل، وهو ما انعكس إيجاباً على الخدمات التي تشرف على تقديمها لأطفال المركز المحتاجين لدعم ومساندة بمختلف أشكاله”.
وتعتبر في ختام حديثها أنّ “الهاجس الرئيسي لدى المعيلات لأسرهنّ كحالتها، هو توقف جهة العمل، وفي وقتٍ ترتبط الفرص الأوفر للعمل بالمنظمات الإنسانية، نتخوف من توقف مشاريع العمل وبالتالي انقطاع الدخل”.