تزايدت منذ مطلع العام الجاري وتحديداً في شهر إبريل/ نيسان الغارات الإسرائيلية ضد أهداف لإيران وأذرعها في سوريا، نتحدث عن عشر غارات خلال أربعة أشهر تقريباً، منها خمس خلال نيسان فقط ما يؤكد أننا أمام تغير نوعي وكمّي أيضاً في الهجمات الإسرائيلية، خاصة مع امتناع أو بالأحرى عجز إيران وأذرعها عن الردّ على تلك الهجمات أو حتى مجرد التهديد الكلامي بالردّ في ظل صمت مطبق تقريباً من الحشد الشعبي الإعلامي الناطق بالعربية وغيرها.
يمكن الحديث عن ثلاثة أسباب رئيسية تقف خلف هذا التزايد الملحوظ في الغارات الإسرائيلية تتمثل باغتيال قاسم سليماني الذي وجه ضربة مادية ومعنوية كبيرة لإيران، علماً أنه ترك وراءه فراغاً كبيراً تجد طهران صعوبة في ملئه وجائحة كورونا التي كشفت هشاشة النظام الإيراني وعجزه في مواجهتها، ناهيك عن فضح فشله في بناء دولة حديثة بمستوياتها المختلفة تحديداً الصحية منها، مع انشغاله بمشروعه التوسعي الاستعماري وأخيراً الحملة السياسية الإعلامية الروسية المنسقة ضد بشار الأسد وبطانته، واتهامه بالفساد والفشل في حلّ الأزمات التي يعاني منها النظام مع اتهامات ضمنية لإيران بمسؤوليتها عن الأمر، وحتى حماية وتغطية الواقع الكارثي في مناطق النظام.
اعتقدت إسرائيل طوال الأشهر الأربعة الماضية أن اغتيال سليماني فتح نافذة فرص أمامها لتوجيه ضربات قاصمة للمشروع الإيراني والإقليمي الذي يعتبر مهندسه وعرابه بما في ذلك، ما تصفه تل أبيب بالتموضع الاستراتيجي في سوريا، والسعي لإنشاء خط برّي واصل من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، خاصة أنه أي الاغتيال تزامن مع التظاهرات الشعبية الغاضبة ضد الهيمنة، بل الاحتلال الإيراني المقنع للعراق ولبنان. وتعتقد إسرائيل أن ثمة فترة انتقالية لا بد من استغلالها من أجل تدمير أسس مشروع إيران – سليماني كي لا يجد خليفته إسماعيل قاني ما يبنى عليه، علماً أن الصحفي الإسرائيلي تسفى يحزقيلى وثيق الصلة بالمؤسسة الأمنية، اعتبر-3 نيسان- أن الفرصة مثالية الآن لطرد إيران من سوريا بالمعنى العسكري، هنا يجب الانتباه إلى أن تل أبيب لم تمانع الوجود الإيراني بأبعاده المختلفة السياسية الاقتصادية الطائفية وحتى العسكرية منها المتعلق بحماية نظام الأسد وتجنيد الميليشيات للقتال إلى جانبه وترفض فقط التموضع ببعده الاستراتيجي الدائم الذي ترى أنه قد يمثل تهديداً عليها مع تصوير نفسها كضحية في سياق استغلال المشروع الإيراني التوسعي للفت الانتباه عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان وجرائمه المتعددة والمتواصلة ضد المنطقة وشعوبها.
أما السبب الثاني الذي يقف خلف تزايد الهجمات الإسرائيلية في سوريا فيتمثل بجائحة كورونا التي كشفت ضعف وهشاشة النظام الإيراني، وعمقت مأزقه الداخلي مع تزايد النقمة الشعبية ضده، وترى تل أبيب في ذلك فرصة مثالية لتوجيه مزيد الضربات لإيران دون قدرة لهذه الأخيرة على الرد أو الانخراط الجدّي في أي نزاع خارجي – التصعيد الكلامي ضد أمريكا يحمل جانب دعائي فقط – علماً أن الغارات الإسرائيلية هدفت دائماً وفي هذا الوقت بالطبع إلى تحريض الشارع الإيراني ضد النظام العاجز أمام كورونا والمستمر بإهدار موارده على مشروعه الخاسر في سوريا الذي يتلقى الضربات بشكل متواصل، إضافة إلى نقل منظومات أسلحة بملايين الدولارات لذراعه الإقليمي المركزي “حزب الله اللبناني”، وكان لافتاً في هذا الصدد ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز-13 نيسان- عن تقدير جهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد” القائل أن إيران لم تعد تشكل خطراً أمنياً داهماً على إسرائيل في ظل جائحة كورونا وتداعياتها الداخلية المدمرة.
إلى ذلك فقد شجعت الحملة الروسية ضد بشار الأسد ونظامه، خاصة أن جزءا منها يستهدف إيران التي تحرض بشار على مزيد من العناد، وعدم التجاوب ولو جزئياً مع المساعي الروسية لإيجاد حلّ سياسي للقضية السورية، ما دفع إسرائيل للمضي قدماً في الاستفراد بإيران، والقول أن هذه الأخيرة لا تحترم التزامات موسكو وتتنصل منها، وتقوم بالعمل والتواطؤ مع النظام من ورائها، علماً أن التفاهمات الإسرائيلية الروسية لا تزال سارية المفعول وتتضمن حرية إسرائيل في العمل ضد التموضع الإيراني الاستراتيجي فقط، ودون التعرض للنظام مقابل تعهد هذا الأخير عدم تشكيل خطر عليها أو السماح للآخرين بفعل ذلك.
في السياق نفسه بدا لافتاً وغير مفاجئ طبعاً الصمت الروسي المدوّي على الغارات الإسرائيلية الأخيرة، حتى إن موسكو كفّت عن إصدار تلك البيانات المنددة الخجولة، كما كانت تفعل في السنوات الماضية.
نوعياً، وفي الغارات الإسرائيلية الأخيرة، يمكن الحديث عن ثلاثة معطيات أساسية: أولها ادعاء تل أبيب استهداف- 5 أذار- ما قالت أنه سلاح كيماوي إيراني لتحريض روسيا وأمريكا، والمجتمع الدولي، وربط إيران بجرائم النظام الكيماوية الموصوفة والمثبتة ضد الشعب السوري؛ وثانيها استهداف أسلحة استراتيجية-27 نيسان- سعت إيران إلى تخزينها في سوريا، ما يتناقض مع التفاهمات الروسية الإسرائيلية، كما دور روسيا كعرّاب وحامي النظام، ومن منع سقوطه سياسياً وعسكرياً. أما الثالث فاستهداف-15 نيسان- ما تصفها تل أبيب بأسلحة ومعدات متطورة تنقلها إيران لحزب الله تحديداً فيما يتعلق بتطوير برنامج الصواريخ الدقيقة لديه.
إلى ذلك لا بد من الانتباه إلى كلام وزير الدفاع الإسرائيلية نفتالى بينيت الأسبوع الماضي عن إخراج إيران من سوريا عسكرياً بنهاية العام الجاري، وبعمل مستمر ضدها في أبعاد أخرى، ولكن دون تبني الغارات بشكل صريح، كما كان يفعل في السابق وكلامه هنا دقيق، حيث إن مصطلح الإخراج العسكري يتسق مع السياق العام للسياسة الإسرائيلية التي لم يرسمها بنيت أصلاً، وإنما سعى منذ توليه وزارة الدفاع إلى استغلالها سياسياً لصالحه في البازار المفتوح ضد خصومه في مربع اليمين زعيم الليكود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفرقاء آخرين بما فيهم سلفه أفيغدور ليبرمان، والكلام يعني أيضاً أن إسرائيل تستغل الفراغ الناتج عن اغتيال سليماني وجائحة كورونا والغضب الروسي لكيل مزيد من الضربات لإيران، لكن وفق الخطوط الحمر أو قواعد اللعب المرسومة أمريكياً وروسياً، حيث أن إخراج إيران من سوريا بالمعنى السياسي العام ليس مهمة إسرائيل، وهي غير قادرة على ذلك أصلاً.
إذن في السياق الإسرائيلي غابت نغمة التبني الصريح الفج والعلني للغارات التي سادت خلال العام الماضي عام الثلاث دورات انتخابية، حتى إن نتنياهو قال ساخراً بعد غارة منتصف شباط/ فبراير أنها قد تكون من فعل سلاح الجو البلجيكي، هذا جاء طبعاً بضغط من المؤسسة العسكرية الأمنية والتزاماً بالسياق العام للسياسات الإسرائيلية التقليدية في المنطقة خلال السنوات الماضية.
الأمر اللافت الآخر يتمثل بعجز إيران عن الردّ على عشرات الغارات التي أوقعت عشرات القتلى في صفوفها واختفت تقريباً لهجة التحدي لديها حتى إن الغارات نفسها لم تعد تحتل حيّزاً مهما لدى الأذرع والأبواق الإعلامية الإيرانية الناطقة بالعربية وغير العربية وكأنها باتت أمراً اعتيادياً وغير مستغرب.
عموماً، فقد رسمت الغارات الإسرائيلية المتزايدة ضد أهداف إيرانية أو للدقة عبرت عن المشهد العام المستجد في سوريا والمنطقة، حيث باتت إيران مكشوفة بعد رفع الغطاء الجوي الروسي عنها، وعاجزة عن الرد أو حتى التهديد به، أما النظام فلا حول له ولا قوة، ويفترض أنه فهم حقيقة عجز إيران عن حمايته أو منع مصيره المحتوم، وطبعاً من نافل القول الإشارة إلى أن الغارات نفسها لا تعطي شرعية لإسرائيل أو تحوّلها إلى صديق للشعب السوري الثائر ضد إيران وبشار، والاحتلالات الأجنبية التي جلبها في معركته اليائسة للبقاء.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت