في مقالة تحليلية ومقابلة مُطولة مع قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي الجنرال أمير بارام، رسم الكاتب في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عموس هارئيل الخطوط العريضة لتهديد الحرب والتوتر المتزايد بين إسرائيل من جهة، و”حزب الله” في لبنان، من جهة ثانية.
اللافت في كلام بارام هو التقويم الإسرائيلي للواقع اللبناني، ومعه النظرة إلى مشاغل “حزب الله” وأولوياته. وفقاً للرؤية الإسرائيلية هذه، بات الوضع اللبناني والأزمة الاقتصادية الداخلية وانعكاساتها على البيئة الشيعية، الشُغل الشاغل للتنظيم، وهي جميعها كفيلة بإحراجه ووضعه في مأزق لا يُحسد عليه، من دون طلقة واحدة باتجاهه. بحسب بارام، وصلت الأزمة الى حد انتحار شباب لبنانيين، يأساً من الواقع الحالي. ولـ”حزب الله” علاقة مباشرة بما آلت اليه الأمور، إذ يحمي الفاسدين ويتشارك معهم بوضوح في اللعبة السياسية، ما يُسبب احراجاً للتنظيم ويُضعفه ضمن بيئته وخارجها. لهذا يرى بارام أن من الضروري عدم دخول إسرائيل إلى الصورة، إذ لا علاقة لها بما آلت اليه الأمور في لبنان، بل من الضروري ترك الأمور تأخذ مجراها. لكن، وكما هي الحال في السياسة الأميركية والأوروبية، يجب ألا يُترك الانهيار ليصل إلى مستوى دراماتيكي بما يُضر بالأمن الإسرائيلي، كي لا يتدفق لاجئون لبنانيون بالآلاف الى الحدود جنوباً.
هذه الحالة البرزخية، أي أن يقبع لبنان بين الأزمة الاقتصادية الخانقة والانهيار الشامل، هي المساحة المُريحة للجانب الإسرائيلي، كما للطرف الأميركي، إذ تزيد منسوب الضغط على “حزب الله” وحلفائه في الطبقة السياسية، وتسبب شرخاً ضرورياً بين التنظيم وبيئته الشيعية. ذلك أن هذه الأزمة وليدة سياسات محلية وحوكمة فاسدة، ولم تقع نتيجة سياسة إسرائيل أو أي دولة أخرى. وبالتالي، لن يلوم المواطن اللبناني إسرائيل في هذه الأزمة، بل تتجه أنظاره الى المسؤولين في الداخل.
ونتيجة المأزق الداخلي أيضاً، لن يدخل الحزب في معركة الرد على تفجير مفاعل “نطنز” في إيران، أو على اغتيال قائد فرقة “القدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وربما حتى على قتل أحد عناصره في سوريا. لكن قائد المنطقة الشمالية واضح في كلامه أن على إسرائيل عدم التورط، وكأنه يُؤشر الى احتمال اقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مغامرة خارجية لانتشال نفسه من الورطة الداخلية، إذ ترتفع الأصوات ضده، إن كان لجهة الفساد في شراء القطع البحرية أو قبول زوجته سارة هدايا غير مُصرح بها. هارئيل ألمح في مقاله التحليلي اللاحق للمقابلة مع بارام، إلى تضارب ما بين امتلاك نتنياهو القرار في شأن الملف الإيراني، وبين مأزقه الداخلي، بما يؤشر الى خشية من استغلال محتمل للنفوذ. وهذا عامل ثان، منفصل عن قرار الحزب وايران عدم الرد والتورط في مواجهة.
يبقى أن التحليل الإسرائيلي عينه في خصوص استبعاد الحرب، ليس بعيداً عن وجهة نظر “حزب الله” نفسه، رغم أن الأخير يحيل أسباب ذلك الى الجانب المُقابل. في حديث تلفزيوني، نفى نعيم قاسم نائب الأمين العام لـ”حزب الله”، وجود إجابة عن السؤال حول الرد، بل مال إلى تأجيله واستبعاده بحجة أن “التهديدات الاسرائيلية لن تستدرجنا إلى موقف لا نريده”. ليس هناك ما يشي “بحصول حرب في ظل الإرباك الداخلي الإسرائيلي وتراجع الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الداخل”، وفقاً لقاسم.
المهم أن “حزب الله” ما زال ينتظر الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وما سيأتي منها، ويُحاول تفادي أي مواجهة محتملة. كان أمير بارام ونعيم قاسم على صفحة واحدة في خصوص الأولويات الحزب اللهية، أي الأزمة المالية وإطفاء حرائقها السياسية والأمنية والحفاظ على النفس وعلى ولاء البيئة الحاضنة للتنظيم، قبل الخوض في أي مقامرة خارجية.
نحن أمام محور يُقتل قائده بغارة أميركية وتُستهدف أراضي الدولة الأم فيه، أي إيران (تفجير مفاعل نطنز)، ومن ثم يُقتل عناصره على الأراضي السورية، ولا يصدر منه رد واحد حقيقي. المحور الإيراني اليوم في لحظة ضبط نفس طويلة الأمد، انتقل من هيئة بطل في المصارعة أو حمل الأثقال يصرخ ويُهدد ويُلوح ويستعرض على مدار الساعة عضلاته المفتولة بلا كلل ولا ملل، إلى “غاندي” ممانع، يجلس منتظراً ومتأملاً في المدى البعيد، مُركزاً على الداخل وحماية مكتسباته فيه. وحين يتلقى الصفعات المتتالية، تُحال أسبابها إلى مآزق داخلية لدى العدو … لا تستحق الرد.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت