بينما كانت الدول العربية تضع آخر اللمسات لإعادة النظام السوري إلى مقعد سورية في الجامعة العربية بدا لافتاً سلسلة التحركات الإيرانية “الاستثنائية” في العاصمة دمشق، والتي تكشفت بشكل أوضح في أعقاب الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي.
ووقّع رئيسي سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية، ودشن حسب وسائل إعلام إيرانية “مرحلة جديدة على صعيد العلاقة مع نظام الأسد”، وبعد أيام قليلة فقط أعادت الدول العربية للأخير مقعدة في “الجامعة”.
ويشير مقال تحليلي لموقع “ذا ناشيونال” نشر، اليوم الاثنين، إلى أن إيران وبقيادة رئيسي “أطلقت تكتيكاً جديداً ينطوي على تواجد أكثر ليونة في سورية”.
ويأتي ذلك “كجزء من جهود إعادة التصنيف التي تهدف إلى تحسين صورتها مع تعميق نفوذها في الوقت نفسه وتوسيع شبكة قوتها، وفقاً لاستراتيجية العنكبوت”.
وتتضمن هذه البراغماتية المكتشفة حديثاً الابتعاد عن لغة الدمار والفوضى القديمة واستبدالها بلغة التكيف وإعادة البناء.
وجاء في المقال: “كانت رسالة الرئيس الإيراني واضحة وذات شقين: إيران باقية في سورية، وطهران شريك في إعادة بناء سورية ومستقبلها”.
وأدرك النظام الإيراني أن مصالحه تقتضي منه التخلي عن أساليبها القتالية، لأنها لم تخدم أغراضه بشكل جيد.
وخلص إلى أنه “بحاجة إلى صقل خطابه السياسي وتعزيز حضوره الاقتصادي، لكنه في الوقت نفسه بحاجة إلى ترسيخ وجوده الأمني والعسكري بصمت”.
ويوضح المقال أن “رحلة رئيسي إلى سورية تؤكد عزم إيران على تلميع صورتها كشريك تجاري وحليف لسورية، مع الإصرار على البقاء منتشرين هناك عسكرياً وأمنياً وكراعٍ لوكلائها العاملين هناك، من حزب الله إلى مختلف الفصائل الفلسطينية”.
“فرصة ثمينة”
من الناحية الإستراتيجية، لن ينخفض نفوذ إيران في سورية، وهو ما تحتاجه كل من طهران ودمشق.
ويعود أصل قرارهم المشترك إلى رؤية طويلة الأمد لسورية، حيث يستمر وجود إيران طويل الأمد، ويتجاوز الوجود العسكري ليشمل التوسع في العلاقات التجارية والاقتصادية.
ويرى المقال التحليلي أن “هذا الدهاء في الدبلوماسية الإيرانية ينبع من تحول في سياساتها في أعقاب تقاربها مع المملكة العربية السعودية بوساطة الصين”.
وبينما يحتل اليمن موقع الصدارة في القضايا الإقليمية التي يناقشها الجانبان، مع تعهد طهران بالتعاون في حل الصراع من خلال تشجيع الحوثيين على الانخراط في عملية السلام، وضعت إيران سورية على رأس أولوياتها الإقليمية.
وتعتبر طهران “إعادة تأهيل العرب للأسد في سورية فرصة ثمينة”، وأنه “إذا نجحت الدول العربية في تجاوز العقوبات المفروضة على سورية وبدء عملية إعادة الإعمار، ستستفيد إيران كشريك في هذا المشروع، لا سيما وأن اقتصادها أصيب بالشلل بسبب العقوبات”.
“كل هذا يمكن تحقيقه من خلال الدبلوماسية الناعمة”.
ويشير المقال، بحسب ما ترجمت “السورية.نت” إلى أن “إنهاء العزلة الإقليمية لسورية هو مسعى مشترك لكل من إيران وبعض الدول العربية، وإن كان ذلك لأسباب ليست بالضرورة متطابقة أو متوافقة”.
ومع ذلك، لا تزال هناك شروط، وتتراوح تفاصيلها من المباشر إلى شبه المستعصي على الحل.
وإذا كانت بعض الدول العربية عازمة على حمل نظام الأسد على وقف تهريب حبوب الكبتاغون، فمن سيعوضها عن تجارة تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار سنوياً، وكيف؟.
علاوة على ذلك “إذا كانت إيران مصممة على الاحتفاظ بقواعدها السرية في سورية، فمن يضمن أن إسرائيل ستتسامح معها؟”.
ماذا عن الدول الأخرى؟
وتراقب الدول الأخرى المنخرطة في سورية الوضع بدرجات متفاوتة من الاهتمام أيضاً.
وتنتظر تركيا نتائج انتخاباتها الرئاسية هذا الشهر، بينما تبدو روسيا راضية عن الانخراط العربي الحالي لسورية والمحور الدبلوماسي الإيراني، طالما بقي وجود طهران في سورية أو حتى يتسع، بما في ذلك اقتصادياً.
في غضون ذلك، تنشغل الولايات المتحدة بقضايا أخرى تعتبرها أكثر أهمية من سورية، مثل الصراع الأوكراني وأزمة ديونها ومسألة تايوان.
من ناحية أخرى، تشعر الصين بالرضا عن نتائج رعايتها للاتفاق السعودي الإيراني، وعن أي شيء يمكن أن يسهل تنفيذ مبادرة الحزام والطريق – بما في ذلك التواصل الدبلوماسي الإيراني في المنطقة.
وكانت جامعة الدول العربية قد منحت النظام السوري عودة مشروطة إلى الجامعة، بعد أكثر من عقد من العزلة.
وهناك خارطة طريق معمول بها تتضمن الالتزامات المتبادلة والتنفيذ التدريجي.
وسيرسل نظام الأسد رسائل تشير إلى المرونة والتغيير الداخلي، ولن يبني تواصله على الدعوات الدولية الحالية لخارطة طريق لتقاسم السلطة، والتي رفضها وسيواصل معارضتها، لكنها قد يكون على استعداد للتنازل عن درجة صغيرة من السلطة.
ويوضح المقال التحليلي أنه “من المحتمل أن ترد دمشق بالإيجاب على المقترحات العربية والمواقف الإيرانية، لتبدو وكأنها مساومة ومتعاونة من أجل سورية”.
ومع ذلك، “لن تقوم بإصلاحات جذرية للنظام، بل ستخفف من سلوكها – وهو نهج يتوافق مع الاستراتيجية الإيرانية”.
بالإضافة إلى ذلك لن يقطع نظام الأسد العلاقات مع إيران أو “حزب الله”، وستبقى علاقاتهما القوية كما هي، وبالتالي “أي تغيير سيكون في النهج وليس في الجوهر”.
وفي الوقت الحالي فإن “استراتيجية العنكبوت” الإيرانية تقوم على نسج خيوط يتم من خلالها تنفيذ مبادئ وعقائد النظام في طهران، وهي تفعل ذلك دون اللجوء علانية إلى أساليبها المعتادة مثل التهديدات والاستفزازات.
ويرى البعض، حسب “ذا ناشيونال” أن الإخفاء هو أسوأ من القتال العلني لأنه يمكن أن يخفي تجاوزات النظام العميقة الجذور.
في المقابل يجادل آخرون بأن العادات المكتسبة في عصر اليوم قد تطغى على العادات المتأصلة بسبب فوائدها ومدى ترسيخها في نهاية المطاف.
وفي كلتا الحالتين، من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت إيران وشركاؤها سيجعلون نهج الإخفاء هذا أساساً لاستراتيجيتهم العميقة، أو ما إذا كانت العادات المكتسبة ستحسن عقليتهم تدريجياً، وربما تصلحها أيضاً.