فرنسا تحاكم مسؤولي النظام.. ما آثار القرار؟ وما الإجراءات المقبلة؟
خلال عقد من انتهاكات حقوق الإنسان في سورية وغياب المساءلة الدولية، اتجهت دول أوروبية إلى إجراء محاكمات فردية على أراضيها لأشخاص متورطين بارتكاب “جرائم حرب” في سورية، شملت ضباطاً وأطباء تابعين لنظام الأسد، في خطوات اعتبرها حقوقيون بداية نهاية الإفلات من العقاب.
إلا أن تلك المحاكمات، التي جرت في ألمانيا بشكل أكبر، لم تشهد أسماءً كبيرةً في أجهزة النظام، كتلك التي أعلن عنها القضاء الفرنسي، أمس الثلاثاء، والتي طالت ثلاثة من كبار المسؤولين في أجهزة المخابرات السورية، وهم: علي مملوك وجميل الحسن وعبد السلام المحمود.
إذ أصدر قاضيا تحقيق فرنسيان أمراً بمحاكمة المسؤولين السابقين أمام محكمة الجنايات، بتهمة قتل المواطنَين السوريين- الفرنسيين تحت التعذيب، وهما مازن الدباغ وابنه باتريك بعد اعتقالهما عام 2013.
ويواجه المسؤولون تهماً بارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” عبر عمليات الاعتقال القسري والقتل تحت التعذيب في سجون النظام.
حراك أوروبي ضد العربي
يرى الحقوقي المختص في القانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أن لهذا القرار أهمية قضائية كبيرة على اعتبار أن “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” لا تسقط بالتقادم، وبالتالي مهما طال الزمن ستتم محاسبة مرتكبيها في أي زمان ومكان.
وأضاف في حديثه لـ “السورية نت” أن القضاء الفرنسي يسمح بالمحاكمات الغيابية طالما صدرت لائحة اتهامات بحق المتهمين، وسيكون لذلك أثر كبير في استصدار أحكام غيابية بحق المتورطين الثلاثة.
وتحدث الكيلاني عن أهمية سياسية أيضاً للقرار، في ظل التطبيع العربي الساري حالياً مع نظام الأسد، مضيفاً أنه بمثابة “تأكيد على أنه لا تطبيع وإعادة علاقات مع مجرمي الحرب والمتورطين بارتكاب تلك الجرائم”.
من جانبه، قال المحامي والكاتب السياسي زيد العظم، إن التوقيت الزمني للقرار الفرنسي “مهم جداً”، خاصة مع اتجاه عدد من الدول العربية للتطبيع مع النظام ومحاولة إنعاشه.
وأضاف في حديثه لـ “السورية نت” أن “القرار رسالة واضحة بأنه لا يمكن التطبيع مع نظام متورط بجرائم ضد الإنسانية، قبل إجراء محاكمات دولية”.
واعتبر المحامي المقيم في فرنسا، أن توجيه لوائح اتهام لكبار المسؤولين في أجهزة النظام يُعمّق مسؤولية النظام الجنائية مستقبلاً.
وتحدث العظم عن حراك أوروبي لمحاسبة مرتكبي “جرائم الحرب” في سورية، عبر إجراء محاكمات وتوجيه اتهامات وإصدار أحكام، مضيفاً أن هذا الحراك يأتي ضد الحراك العربي لتعويم الأسد.
من متهمين إلى محكومين
بعد صدور القرار الفرنسي بمحاكمة المسؤولين الثلاثة في أجهزة النظام، سادت تساؤلات حول الخطوة المقبلة التي سيتم اتخاذها، والإجراءات المتعلقة بسير المحاكمة.
وبهذا الصدد، أوضح الحقوقي المختص في القانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أن القضاء الفرنسي يسمح بالمحاكمات الجنائية الغيابية، وبالتالي سيتم طلب المتهمين الثلاثة للمثول أمام القضاء، وفي حال لم يحضروا سيتم استصدار مذكرات توقيف دولية بحقهم.
وبعد ذلك، ستصدر أحكام قضائية جنائية غيابية بحقهم، بسبب التواطؤ بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب”.
وأكد على ذلك المحامي زيد العظم، مشيراً إلى أن الأثر الفعلي لهذه المحاكمة يكون عبر تحول المسؤولين الثلاثة من متهمين إلى محكومين.
وإلى جانب فرنسا، تتجه السلطات الألمانية، مؤخراً، إلى توقيف ضباط وأطباء تابعين لنظام الأسد ومحاكمتهم على أراضيها بعد لجوئهم إليها، استناداً إلى شهادة شهود عيان تعرفوا عليهم ووثقوا ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين المعارضين للنظام.
ويملك القضاء الأوروبي صلاحية المحاكمة على جرائم لم تُرتكب على الأراضي الأوروبية، وفق ما يُعرف بـ “الولاية القضائية العالمية”، وذلك في حال كان المتهم يعيش في إحدى دول الاتحاد، ويواجه قضية رفعها ضده أحد الضحايا، وهو ما حصل في قضية أنور رسلان وإياد الغريب.
ما قصة مازن الدباغ وابنه؟
تعود القضية إلى عام 2015، حين فتحت النيابة الفرنسية تحقيقاً أولياً بحادثة اعتقال أجهزة النظام لمازن الدباغ وابنه باتريك في دمشق عام 2013، بعد بيانات أدلى بها شقيق مازن، المدعو عبيدة الدباغ.
وصرح صهر مازن الدباغ، الذي اعتُقل معه في نفس الوقت ثم أفرج عنه بعد يومين، أن الرجلين نقلا إلى سجن المزة العسكري، الذي تحصل داخله عمليات تعذيب ممنهجة، بحسب تقارير حقوقية وشهادات معتقلين سابقين.
إلا أن النظام السوري أعلن وفاتهما عام 2018، وتُظهر شهادة الوفاة أن مازن توفي في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، فيما توفي ابنه في يناير/ كانون الثاني 2014.
ومازن الدباغ وابنه هما مواطنان سوريان يحملان الجنسية الفرنسية، وكانا يعيشان في العاصمة دمشق ويمارسان أعمالهما فيها.
إذ كان باتريك (مواليد 1993) يدرس علم النفس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بدمشق، فيما عمل والده مستشاراً تربوياً في المدرسة الفرنسية بدمشق وهو من مواليد 1956.