تمر الذكرى السنوية التاسعة لأبشع هجوم بالأسلحة الكيميائية عرفه الشعب السوري منذ انطلاقة الثورة السورية حتى اليوم، هذه الذكرى المؤلمة المرسومة في عقولنا جميعا لن يستطيع أحد أن يمحوها إطلاقا؛ ليس لأن القاتل ما زال طليقا ويحكم سوريا بالحديد والنار حتى اليوم فحسب؛ بل لأنه تجرأ على ابتكار أساليب أخرى للقتل والتدمير، كالبراميل المتفجرة وغيرها من أدوات الإجرام المبتكرة.
ففي مثل هذا اليوم، 21 أغسطس/آب، ارتكب نظام الأسد عام 2013 مجزرة بحق الإنسانية، وصفت بأنها أفظع مجازر قتل المدنيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث استخدم نظام الإجرام غاز السارين في الغوطة الشرقية، مما أدى إلى ارتقاء عدد كبير من الضحايا من النساء والأطفال وكبار السن قارب 1461 شهيدا، حسب توثيق المنظمات الحقوقية الدولية. كما يصادف هذا اليوم أيضا “اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب وإجلالهم” الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017.
9 أعوام مرت على استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة، ولا تزال صور الضحايا والمقابر الجماعية التي دفنوا فيها عالقة في عقولنا، هذه الحقيقة التي لا لبس فيها، التي وثقتها تقارير رسمية وأممية، مؤكدة أن نظام الأسد استخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين أكثر من 216 مرة على الأقل، في عموم سوريا حتى عام 2018.
إرهاب الدولة المنظم هذا الذي قام به نظام الأسد ضد الشعب السوري في العديد من المجازر -في داريا، ونهر قويق، وحمص المدينة، والقصير، ودوما، ودرعا، وغيرها من المناطق التي لا تحصى- علّمنا أنه من الممكن في أي لحظة أن يتحول أي فرد أو جماعة أو مؤسسة إنسانية إلى ضحية من ضحايا الإرهاب، فهذا النظام -الذي وصف بأنه عدو للإنسانية- لا يأبه بحماية المدنيين، بل يمثل خطرا حقيقيا على الشعب السوري والمنطقة بأكملها.
أما عن مواقف المجتمع الدولي، فكانت مخزية وغير متناسبة مع هول الكارثة، إذ لم تكن لخطوط أوباما الحمراء وتهديداته أي أهمية، بل سعى جاهدا لعقد صفقة بوساطة روسية تقتضي تسليم أداة الجريمة والسماح للقاتل بأن يبقى طليقا.
لم يستوعب المجتمع الدولي أن ما كان محرما لعقود تجرأ نظام الأسد على الإقدام عليه ببساطة، ولم يكونوا جاهزين لدعم التغيير الديمقراطي في سوريا، وسعوا جاهدين لتجاهل هول الكارثة والتركيز على سلاح الجريمة فقط، من دون حساب فعلي للقاتل، رغم العديد من المطالبات المستمرة من حقوقيين ومنظمات تدعو لوضع آلية قانونية دولية عادلة قادرة على محاسبة المجرمين من طرف النظام ومنع حمايتهم أو تقديم أي غطاء سياسي لهم، ودون ذلك سيظل النظام الإرهابي وصمة عار على جبين الإنسانية والمجتمع الدولي.
الدول الفاعلة في مجلس الأمن اليوم مطالبة بإعادة إحياء الملف السوري والإمساك بزمام الأمور من جديد، بعيدا عن الابتزاز الروسي، والضغط على المجرمين والدول الداعمة لهم لوقف الإجرام الممنهج الذي يتعرض له الشعب السوري، والعمل معا للوصول إلى صيغة سلام شاملة في سوريا، مع تطبيق جميع القرارات الأممية ذات الصلة، والتي تدعو لتشكيل هيئة حكم انتقالي وانتقال سلمي للسلطة وتحقيق الحرية والعدالة.
نحن اليوم في المنتدى السوري -بوصفنا منظمات مجتمع مدني سورية- معنيون بشكل أساسي بتشكيل تحالف حضاري إنساني، يهدف إلى الضغط على الدول والمنظمات الدولية لحماية المدنيين من الإرهاب المنظم الذي بدأ عام 2013 ولا يزال مستمرا حتى اليوم، ليس من نظام الأسد وحلفائه وحدهم، بل من كل التنظيمات والتشكيلات الإرهابية التي كانت من صنيعته في كل الأراضي السورية، مثل تنظيم “بي كيه كيه” (PKK) وقوات “بي واي دي” (PYD) المشتقة عنه، التي مارست كل أشكال الإرهاب ضد إخوتنا الكرد أولاً وبقية مكونات الشعب السوري في كل المناطق التي يسيطرون عليها، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة ومشتقاته من داعش وغيرها ممن أفرزهم نظام الأسد، وعمل لسنوات من خلالهم على تشويه صورة الثورة السورية واتهامها بالإرهاب الأسود، ولكنه فشل في ذلك حتما.
ختاما، علينا اليوم كمنظمات حقوقية وإنسانية سورية العمل معا، والضغط على المجتمع الدولي والدفع باتجاه وضع آليات قانونية لتعويض ضحايا الإرهاب وعائلاتهم، والتشديد على أهمية محاسبة مجرمي الحرب على ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، فقد آن الأوان لنعمل معا وجميعا على تحالف إنساني يهدف إلى تحقيق الاستقرار العادل.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت