في جديد العلاقات بين النظام السوري وإيران

الإعلان عن تأسيس بنك إيراني سوري مشترك. زيارة وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، سيد رضا أمين، دمشق. زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، (ونائبه) إيران. أخبار عن تأسيس ضاحية جنوبية في جنوب مدينة دمشق، في بلدة الست زينب، وتوسعتها لتصل إلى مطار دمشق الدولي.

هذه الأخبار جديدة على العلاقة بين الدولتين، وتأتي في حُمّى المحاور الجديدة في المنطقة، والتي تشير إلى تحييد إيران، ولن نقول عزلها، وبما يؤدّي إلى إعادة النظام السوري إلى محيطه العربي. أيضاً يأتي تعزيز هذه العلاقة مخالفاً للمصالح المتبادلة والعلاقات المتينة بين روسيا وإسرائيل، حيث سمحت موسكو لتل أبيب بمزيدٍ من العمليات العسكرية ضد المواقع الإيرانية، بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، موسكو أخيراً. يضاف إلى ذلك التصعيد الإسرائيلي ضد إيران على وقع المفاوضات النووية، والتململ الأميركي الواسع من السياسات الإيرانية، ورفض التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي رفض الخطوات المعلنة أخيراً بين دمشق وطهران.

تتعارض العلاقة الجديدة هذه، في وجهٍ منها، مع السياسة الروسية في سورية. الأخيرة تعتبر نفسها المهيمنة على النظام، وأن تطوير العلاقة بين النظام وإيران، ولا سيما بالشقّ الاقتصادي، أو محاولة السيطرة على مطار دمشق، وهو المقصود بالتأسيس لتلك الضاحية، لن تتقبّله موسكو. ربما يحاول النظام وإيران، بخطواتهما هذه، الضغط على روسيا، لإبعادها عن إسرائيل، والبحث عن جديدٍ في شراكة قوية معها بعيداً عن التضحية بمصالح إيران.

الحراك العربي الواسع لاستقطاب النظام، واعتماد سياسة الخطوة خطوة، لم تعد سياسة أميركية، بل وكذلك تستخدمها الدول العربية ضمن خطوات التطبيع. تأتي الأشكال الجديدة من العلاقة الإيرانية والنظام السوري معاكسة للخطوات العربية نحو الأخير، وهناك رفض أوروبي وأميركي للتطبيع معه، وبالتالي يخطئ النظام السوري وإيران باعتمادهما هذه الخطوة “التصعيدية”.

تهدف إيران إلى تقوية أوراقها التفاوضية، والاستمرار في سياسة حافّة الهاوية، مستفيدة من إعلانات أميركية سابقة، تفيد بالانسحاب من المنطقة، وتعتقد بنفسها أنها الدولة الأقوى إقليمياً، وتريد فرض نفوذها. وضمن ذلك، يمكن تحليل رفع مستوى العلاقة مع النظام السوري، إذ إنّ زيارة وزير الخارجية السوري، (ونائبه والوفد المرافق لهما)، تمّت بدعوة إيرانية، وضمن إطار السياسات الإيرانية، والتي تواجه ضغوطاً شديدة، وتبدأ بالمفاوضات النووية، والتي ترفضها إسرائيل، وتذمرت من وثيقتي إيران إلى المفاوضات كل من روسيا والصين، وتبدو أميركا غير متفائلة بالوصول إلى الاتفاق، كما تفيد تصريحات دبلوماسييها. ولا تعير سياسة إيران هذه انتباهاً إلى التغيير الكبير في السياسات الأميركية التي أكدت على بقائها في سورية، والوقوف إلى جانب رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ودعم الموقف الخليجي الرافض هيمنة حزب الله على لبنان.

ستستغل إيران السياسة الأميركية لتعزيز علاقاتها مع روسيا، وستدفع بالأخيرة إلى التشدّد أكثر فأكثر مع الولايات المتحدة، وهناك تأزماتٌ دوليةٌ بين الدولتين، وتتعلق بأوكرانيا أيضاً. إيران ستستغلّ ذلك كله، وستستمر بسياساتها ذاتها، ومنها الجديد في العلاقة مع النظام السوري. يخشى الأخير العلاقة الوثيقة بين الروس وإسرائيل. أما العلاقة التاريخية بين طهران ودمشق، فتدفعه إلى الاستجابة للسياسة الإيرانية، ومعاندة الروس والإسرائيليين، والضغط على المحور العربي الذي يشمل خطوط الغاز والكهرباء، وكذلك المحور الإماراتي ليقدّما مزيداً من التنازلات تجاهه، وألا تكون على حساب مصالحه مع إيران. تؤكد كثرة المتغيرات في المنطقة على تعدّدية المحاور، مع ضرورة التأكيد على عدم تبيّن هيمنة أحدها في الأشهر المقبلة.

لا تخطئ إيران بشكل كلّيٍّ، حينما لا ترى حرباً قادمة على طاولة السياسة الأميركية. إنها تستمر بالتمسك بالاتفاق النووي السابق، والوجود الإقليمي والصواريخ الباليسيتة، ورفع العقوبات، والحفاظ على التطوّر النووي الذي أحرزته بعد انسحاب أميركا منه في 2018. تتجاهل المواقف الإيرانية هذه، المستندة إلى ما سبق، أن إدارة بايدن تعلن أنها ستزيد العقوبات ضدها في حال أخفقت المفاوضات النووية. وهنا يأتي الدور الإسرائيلي الذي يُعلن جهاراً نهاراً رفضه الاتفاق النووي، وأنه أصبح مستعدّاً لضربات عسكرية قوية في الداخل الإيراني، ولن يكتفي في سورية.

تمعن إيران في مواقفها؛ ففي سورية شنّت، أخيراً، هجمات بطائراتٍ مسيرة على قاعدة التنف، والآن تعزّز علاقتها القوية مع النظام السوري، ولا تسعى نحو تخفيف الأزمة اللبنانية التي دخل على خطها الرئيس الفرنسي، ماكرون، عبر زياراته إلى الخليج واستقالة وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، وإجراء اتصال بين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي.

لا يتبنّى كاتب هذا النص احتمالاً واحداً للسياسات الإقليمية في المرحلة المقبلة، ولكن ما هو شديد الوضوح أن المواقف الأميركية والإسرائيلية ضد إيران ستتصاعد. أيضاً لن تقبل روسيا تقوية علاقة طهران بدمشق، على الرغم من المواقف الأميركية المستجدّة تجاه النظام السوري، والتي صارت تزيد عما ساد عدة سنوات، وتتحدّد بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتأمين الإمدادات الإنسانية، بالإضافة إلى مساءلة النظام السوري، والتمسّك بالقرارات الدولية من جديد، ولا سيما قرار مجلس الأمن 2254. أميركا وأوروبا تؤكّدان مجدّداً على رفض التطبيع مع النظام السوري، وغير مرحّبتين بالتطبيع العربي معه كذلك، والأخير سيجد نفسَه في موقف ضعيفٍ إذاً، ويزيد من ذلك مجاراته إيران في المشاريع الأخيرة.

لا تضع الإدارة الأميركية إسقاط النظام الإيراني ضمن أوراقها السياسية. ولهذا لن تتجه إلى دعم السياسة الإسرائيلية في مهاجمة إيران عسكرياً، وأيضاً ترفض ذلك روسيا، وبالتالي الممكن حالياً، ولا سيما أن المفاوضات النووية تتّجه نحو الفشل، أن تتضاعف العقوبات الاقتصادية على إيران، وربما تشنّ إسرائيل عمليات محدّدة، ومحدودة، ضد الصناعة النووية الإيرانية، بما يُبطئ من السرعة في الوصول إلى القنبلة النووية، وهذه العمليات لن ترفضها أميركا، وربما توافق عليها روسيا أيضاً.

قد يشجّع عدم الوصول إلى الاتفاق النووي أميركا وروسيا على خطواتٍ أقوى، لتحجيم الوجود الإيراني في سورية، وحصر إيران في إطار حدودها الطبيعية. وهذا يعني أن الأشكال الجديدة من العلاقة بين طهران ودمشق لن يُكتب لها النجاح، وربما تدفع روسيا وإسرائيل إلى التشدّد ضد النظام السوري نفسه، وهذا سيُقرّب بدوره من العلاقة الروسية الأميركية، والبحث عن صفقةٍ ما، يكون عنوانها تغييراً كبيراً في طبيعة النظام السوري، وتقليص الوجود الإيراني بشكل كبير.

في كل الأحوال، لا يمكن للمنطقة أن تذهب نحو علاقاتٍ أكثر استقراراً، وتسمح للمحاور الجديدة بالعمل ومحاربة الإرهاب الداعشي بشكل حاسم، من دون الوصول إلى حلٍّ سياسي في سورية، وتقليص الوجود الإيراني في سورية وفي كل المنطقة. الخلاصة أن الأشكال الجديدة من التدخل الإيراني في سورية تعدُّ سياسةً خاطئة، وتزيد من المواقف الدولية والإقليمية الرافضة لإيران وللتطبيع مع النظام السوري.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا