قانون “مصارف التمويل الأصغر”..ما الجدوى ولماذا الآن؟
في ظل اتجاه الأوضاع الاقتصادية نحو مزيدٍ من التردي، وعدم وجود خطة واضحة من حكومة النظام لمواجهتها، باستثناء ما يقدمه الوزراء من وعود بتحسن الأوضاع مستقبلاً، تحاول حكومة الأسد كبح المزيد من التهاوي، عبر قراراتٍ لا يبدو واضحاً مدى نجاعتها.
ومن هذه التحركات مناقشة مجلس الشعب، أمس الأربعاء، لمشروع القانون الجديد للاستثمار، الذي يحاول النظام من خلاله تشجيع المستثمرين، للدخول إلى السوق السوري، إضافة إلى إصدار رئيس النظام بشار الأسد، في 20 فبراير/ شباط الماضي، لقانونٍ يسمح بتأسيس “مصارف التمويل الأصغر”.
ويهدف قانون تأسيس المصارف، بحسب وكالة “سانا”، إلى “تأمين التمويل اللازم لمشاريع شريحة صغار المُنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ومحدودي ومعدومي الدخل عبر منحهم قروضاً تشغيلية وذلك من أجل تأمين دخل إضافي لهذه الشريحة وخلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة”.
ويعرف “التمويل الأصغر” بأنه قروض مالية تمنح من قبل المصارف إلى أصحاب الدخل المحدود، وللعائلات التي لا تستطيع الحصول على هذه القروض من المصارف الكبرى بسبب شروطها، و”يهدف هذا القانون إلى تحقيق النفاذ المالي لأكبر شريحة ممكنة من ذوي الدخل المنخفض أو معدومي الدخل وممن لديهم القدرة على ممارسة نشاط اقتصادي، ولا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المالية المصرفية وذلك من خلال تقديم المنتجات والخدمات المالية المختلفة في مجالات الائتمان والادخار والتأمين”.
وحدد القانون الحد الأدنى لرأسمال المصرف، بخمسة مليارات ليرة سورية، على أن يقدم خدمات مثل ”قبول الودائع بالعملة السورية، والتمويل والمنتجات المالية والقروض الأصغر بضمان أو دونه وفتح الحسابات الجارية وحسابات التوفير، والاستثمار في الأوراق المالية الحكومية، والأوراق المالية التي يصدرها مصرف سورية المركزي”.
ثلاثة أسباب وراء تأسيس المصارف
وأثار قرار المصارف الجديد، تساؤلاتٍ حول الجهة التي ستُقدم على فتح مصارف، في بيئة تعاني عقوبات اقتصادية أمريكية- أوروبية، وغير مستقرة، وتعاني من التضخم وتدهور ليرتها التي وصل سعر صرفها أمام الدولار إلى أربعة آلاف ليرة سورية هذه الأيام.
ويقف وراء إنشاء هذه المصارف عدة أسباب، حسبما ما قال باحثون ومحللون اقتصاديون لـ”السورية. نت”، أولها الهروب من العقوبات الاقتصادية، بحسب الباحث الاقتصادي مناف قومان، الذي قال إنه “لا شك أن همّ النظام اليوم ليس في تنمية الاقتصاد، بقدر ما يتركز في محاولة الهروب من العقوبات وتأمين تمويلات لأبسط احتياجات المواطن الأساسية”.
وأضاف أن “التمويلات الصغيرة والمتناهية الصغر، قد تبعد أنظار الدول التي تعاقب النظام عن الانتباه لهكذا تمويلات ومشاريع صغيرة، وهو ما يسمح للنظام عن طريق هذه المصارف، النفاذ إلى النظام المالي العالمي وتمويل احتياجات ومواد أساسية وغيرها”.
من جهته اعتبر المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، أن مصارف التمويل الأصغر ليست تحايل على العقوبات وإنما تخفيف عبئها على النظام، الأمر الذي يعطيه مرونة ووقت أكبر للتفاوض والمناورة، إذ أن المصارف تستطيع خلق بيئة اكتفاء ذاتي من السلع والخدمات، في حال تم إدارتها بالشكل السليم والمخطط، وهذا يعتمد على وجود نشاط وعمل اقتصادي.
وأرجع الكريم تأسيس المصارف إلى ثلاث أسباب، الأول يعود إلى البيئة الاقتصادية المنهارة حالياً، إذ أن “مصارف التمويل الأصفر” يتم انشاءها عادة مع المجتمعات التي تنهار بها القدرة الشرائية، وبالتالي يعجز الأفراد من الحصول على التمويل من البنوك التقليدية، فتأتي المصارف الصغيرة لتحل مكانها.
أما السبب الثاني، فيعود إلى إعادة نظام الأسد ترتيب البيئة الاقتصادية، خاصة وأن “رامي مخلوف وكثير من الجمعيات والشركات التابعة له كانت تعمل بشكل غير رسمي كمصارف التمويل الأصغر، وتقدم المنح والمساعدات لطبقة كبيرة من المواطنين ما خلق طبقة موالية لهم”.
واعتبر ذات المتحدث، أن القانون الجديد ينظم عمل هذه الجمعيات والشركات، وبالتالي يعمل من خلالها النظام ببناء طبقة موالية له، من خلال احتكار تقديم المساعدات إلى الفئات المحتاجة.
والسبب الثالث، يعود إلى استفادة نظام الأسد من خلال المنح والمساعدات التي تُقدم إلى هذه الجمعيات من المانحين والدول، إذ أن النظام يحاول الحصول على كم كبيرٍ من أموال الأمم المتحدة وأموال المانحين والجمعيات غير الحكومية، كون هذه الشركات هي الوحيدة المخولة بتقديم هذا النوع من الأموال.
أثار المصارف
وبعد ساعات من صدور القانون، ضجت وسائل إعلام النظام بالحديث عن أهميته وأثاره الإيجابية، عبر لقاء محللين وخبراء ومسؤولين اقتصاديين، إلى جانب تصريحات رسمية تتحدث عن أهمية هذ القانون.
وقال “مصرف سورية المركزي” في تصريح لصحيفة “الثورة” الحكومية، إن “القانون سيكون له أثر مهم على الواقع الاقتصادي، ويمثل نقلة نوعية هامة في البيئة التشريعية المصرفية من خلال العمل على النفاذ المالي وإيصال التمويل إلى مستحقيه ولاسيما منهم الشرائح المستهدفة الشاملة للأشخاص الأكثر حاجة من معدومي أو منخفضي الدخل”.
من جهته وصف الرئيس التنفيذي لـ”المؤسسة الوطنية للتمويل الصغير”، منير هارون، القانون بأنه “نقلة نوعية لجهة دعم تمويل المشاريع الصغيرة وتوسيع شريحة المستفيدين من الإقراض”، مؤكداً إطلاق قرض فوري يطبق لأول مرة في سورية وهو “قرض خدمي استهلاكي فوري بقيمة مليون ليرة سورية دون ضمانات سوى الراتب وهو مخصص لذوي الدخل المحدود حيث سيحصلون على القرض في أقل من 24 ساعة وبفائدة 13%”.
لكن رغم ذلك، يقول الباحث المساعد في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، مناف قومان:”ليس هناك آثار إيجابية على مستوى الاقتصاد سواء على المستوى القريب أو البعيد”.
وبرأيه أنه و”رغم الدور الكبير الذي تلعبه الأعمال الصغيرة والمتوسطة في رفد الاقتصاد بالقيمة من حيث الناتج والعمالة، إلا أن الوضع في سورية مختلف بسبب ظروف الحرب وعدم الاستقرار، هناك عوامل كثيرة تحول دون جني فوائد هذا القانون بسبب الحرب وعدم الاستقرار السياسي وحجم الدمار في البنى التحتية والعقوبات والتضييق والفقر والبطالة وعوامل كثيرة أخرى”.
وأكد قومان أن “التمويلات من هذه المصارف تؤدي غالباً إلى رفد الاقتصاد المحلي بإنتاج السلع والخدمات وضخ منتجات محلية في الأسواق وتصديرها خارج البلد، وهو ما يساعد عملة البلد والأسواق، لكن إذا ضخت هذه الأموال في أسواق دون ظهور أعمال ومشاريع وإنتاج، فقد تسهم في زيادة الكتلة النقدية في البلد وبالتالي ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار وضعف الليرة”.
إيران والمصارف
وقد ورد في المادة الرابعة، من القانون الجديد أنه “يمكن أن تؤسس المصارف من قبل جمعيات أو مؤسسات خاصة سورية أو مؤسسات غير سورية تمتلك الخبرة والكفاءة بهذا النوع من النشاط”.
واعتبر يونس الكريم أن هذا البند هو “تنفيذ لاتفاق عماد خميس (رئيس الحكومة السابق) مع حكومة إيران، حول إنشاء مصرف إيراني في سورية”، كما أن “هذا النوع من المصارف يعتبر نوعاً من تقليص لدور قطاع الاتصالات والبنوك بالتحكم بالسيولة لصالحهم”.
وقال نفس المتحدث، إن “إيران طلبت إقامة بنك لها في سورية، لكن هناك تيار داخل النظام رفض ذلك إضافة إلى رفض روسي وحتى الدولي، في حين الآن بعد إصدار القانون تستطيع طهران الدخول وإنشاء مصارف في سورية، خاصة وأن “هذه المصارف لها دور هام في غسيل الأموال، ويستطيع تجار وأمراء الحرب نقل أموالهم من مكان إلى آخر”، واصفاً الأمر بأنه “كارثة مالية مستقبلية على سورية”.