“قمة بغداد” والإمعان في الغرق اللبناني_السوري
تبدو سوريا ولبنان وكأنهما خارج الزمن والتاريخ. الغياب عن قمّة بغداد له أبعاد متعددة الاتجاهات، تؤشر إلى وجودهما في حجر سياسي إلى أجل غير مسمى. قد يكون الغياب نتيجة عدم الاعتراف بهما، أم فرض الشروط عليهما لتغيير السلوك بما يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة في المنطقة، أو ربما لأنهما محسوبان على إيران وهي حاضرة في القمة فتمثّلهما. حول لبنان هناك صراع رمزي سياسي تاريخي بين العراق وسوريا. أحد أبرز الرؤساء اللبنانيين كميل شمعون والذي وقع اتفاقية حلف بغداد وانضم إليه، كان يقول إن استشراف الأحداث في لبنان والمنطقة يبدأ من النظر إلى العراق وتطوراته. ولطالما شبّه الواقع اللبناني المصغّر للواقع العراقي الذي كان كبيراً. بعدها بسنوات تجذر الصراع أكثر فيما أصبح لبنان قريباً لسوريا بعد صراع البعثين الطاحن.
منذ سنتين، وتحديداً مع انفجار تظاهرات تشرين في العام 2019 في كل من العراق ولبنان، عاد تلازم المسارين في محاولة لكسر لبنان لقاعدة تلازم المسار والمصير عن دمشق. نجح العراقيون بفرض وقائع جديدة، وأنتجوا تسوية جاءت بمصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء كمطلب ينسجم مع مطالب المتظاهرين. فيما لم ينجح اللبنانيون بذلك، تأخر لبنان عن الالتحاق بالركب العراقي، فبدأت تنعكس عليه تجليات وقائع الانهيار السوري، فعاد إلى وحدة المسار والمصير. سيسير لبنان أكثر على الإيقاع السوري ولكن من دون الدخول في صراعات عسكرية على غرار ما حصل في سوريا بالسنوات الماضية، إلا أن البيئات اللبنانية المتشنجة ستتفاعل أكثر مذهبياً وطائفياً ومناطقياً. وفي الوقت الذي تبحث فيه دول المنطقة من خلال العراق إلى مد جسور التواصل، التي ستفرض وقائع جيوسياسية جديدة من خلال خطوط النفط والغاز، يغرق لبنان في صراعاته المناطقية والطائفية الضيقة والصغيرة، كما هو الحال بالنسبة إلى سوريا.
تعليقاً على القمة العراقية أيضاً، فلا بد من الإشارة أيضاً إلى التشابه في الموقفين العراقي والفرنسي. الطرفان يبحثان عن التأثير واستعادة الدور، من دون الارتكاز على منطلقات لهذا التأثير. فمثلاً فرنسا غير قادرة على التأثير كما هو الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا، كذلك بالنسبة إلى العراق الذي لا يمتلك قدرة تأثيرية على السياسة العربية والإقليمية فهو ليس بتأثير السعودية ومصر أو تركيا أو إيران في هذه المرحلة. بل يتمتع بقدرة التواصل مع جميع القوى المتشابكة، كما هو الحال بالنسبة إلى الدور الذي حاول أن يلعبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين إيران والغرب كنوع من إيصال رسائل متبادلة لاستعادة مفاوضات الاتفاق النووي.
هدف القمة هو خلق مناخ تهدوي وغير صدامي، فيتحول العراق إلى واحة للتواصل يبدأ من خلالها استعادة عافيته، واستنهاض مؤسساته، وهو ما يحتاج إلى مسار طويل، ما سيحيل سوريا ولبنان إلى الهامش، خصوصاً بعد استبعادهما من المشاركة في القمة، ما يعني عدم التعاطي معهما كدولتين طبيعيتين قادرتين على تمثيل مؤسساتهما وشعبهما. في مواجهة هذا التهميش، تعمد جهات لبنانية وسورية موالية لإيران إلى التركيز على مبدأ “مواجهة الحصار الأميركي” أو كسر هذا الحصار المفروض على البلدين، واستخدام أزمة البلدين في النفط والغاز والمحروقات في سياق كسر الحصار، لا سيما من خلال التركيز على أن واشنطن ستستمح بإدخال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، وهذا لا يحصل إلا باستثناءات من قانون قيصر، فيما تبحث دمشق ومن خلفها طهران عن قبض ثمن هذه الخطوة.
ولاستكمال المشهد، فلا بد أن يتلاقى ذلك مع حفلة فولوكلورية لبنانية مستدامة ومؤجلة تتعلق بإجراء وفد وزاري رسمي زيارة إلى دمشق وعقد لقاءات مع المسؤولين السوريين لتوقيع اتفاقية تمرير الغاز والكهرباء، في مشهد يشير إلى استعادة نظام الأسد لعافيته، وتمكنه من تعويم نفسه في ظل الكلام الأميركي عن انعدام السعي في واشنطن لإسقاط الأسد، مع تسجيل ملاحظة أن ذلك لا يعني وجود سعي أميركي لتثبيت حكمه. إنه جزء جديد من الإمعان في الغرق من دون البحث بشكل جدّي عن طوق النجاة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت