“قنابل موقوتة” في إدلب..مخلفات القصف تهدد استقرار السكّان وتحرمهم أرزاقهم
حوّل انفجار جسم صغير (ذخيرة غير منفجرة) سكونَ عائلة محمود ياسين، المهجّرة من قرية الطلحية شرقي إدلب، إلى فاجعةٍ بعد أن أودى الانفجار بحياة طفلَيه وإصابة طفلين آخرين.
وصل محمود مع عائلته إلى منزل مهجور وسط أراضٍ زراعية، في محيط قرية الصواغية شمالي شرقي إدلب، واستقرّ به هرباً من درجات الحرارة حيث المخيم القاطن فيه سابقاً، ولم يكن يعلم بمصير سيغير ملامح عائلته.
في يوم 24 أغسطس/ آب العام الجاري، وجد الطفلان مصطفى وعمار أبناء محمود الياسين، جسماً غريباً (يرجّح أنّه صاعق “كبسول تفجير”) في أرض زراعية مجاورة ونقلوه إلى غرفة صغيرة قرب غرفة العائلة، وأثناء اللعب فيه وبعد عدة ضربات، انفجر بهما قبل أن يفارقا الحياة ويصيب شقيقتيهما الطفلتين بجروحٍ خطيرة.
لم تكن عائلة محمود الضحية الوحيدة لمخلفات قصف النظام وحلفائه، فهي واحدة من آلاف الأسر التي تضررت جراء انفجار أجسام غريبة وقنابل من مخلفات حربية، إذ فقدت عائلات كثيرة، عدة أفراد منها أفراداً منها، على مدار سنوات القليلة الماضية.
وفي وقتٍ تستمر فيه هجمات قوات الأسد وروسيا على منطقة شمالي غربي سورية، لا يمكن الحديث عن انتهاء أمد أزمة “مخلفات الحرب” لأنها في تزايد وولادة جديدة مع استمرار حملات القصف، ما يصعّب مهمة الفرق الإنسانية العاملة في مجال إزالة الذخائر ومكافحتها على رأسها “الدفاع المدني السوري”.
وتمتد أزمة “مخلفات الحرب” إلى مالكي الأراضي الزراعية، وتهدد قوت عوائلهم بعد أن حال انتشار ذخائر غير منفجرة وقنابل عنقودية من حصاد مواسمهم أو قطافها، كما أودت في حياة أصحابها مثلما حدث في بعض الحالات.
أراض محرمة على أصحابها
يعاني قاطنو مناطق التماس مع قوات الأسد أو التي تشهد تصعيداً عسكرياً في حصاد الموسم أو قطاف المحصول، ويظهر جلياً في موسم قطاف التين الحالي في منطقة “جبل الزاوية” جنوبي إدلب، الممتدة على خط جبهة طويل مع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها، إضافةً إلى كون الأراضي الزراعية وكروم التين والزيتون تعجّ بمخلفات الحرب والقنابل العنقودية نتيجة القصف.
ومنذ حوالي 3 أشهر تشهد منطقة “جبل الزاوية” تصعيداً عسكرياً من قبل قوات الأسد وروسيا، بمختلف أنواع الأسلحة، تزامنت مع مواسم زراعية عديدة للأهالي، أبرزها الكرز والتين.
موسى الإبراهيم، من أهالي بلدة البارة جنوبي إدلب، يروي لـ”السورية.نت” معاناة عائلته في الوصول إلى أرضهم الزراعية التي لا تتجاوز الـ 2 دونم الواقعة على خطوط التماس في منطقة “جبل الزاوية”.
ويعترض موسى، عاملين رئيسيين هما “الألغام المنتشرة بكثافة في المنطقة، إضافةً إلى القنابل العنقودية من مخلفات الحرب”، ويشير إلى أنّ منطقتهم سجلت حالات عديدة لإصابة مدنيين أو مقتلهم بمخلفات الحرب، وهو ما سبّبَ خوفاً وذعراً لدى الأهالي.
وقالت فرق “الدفاع المدني السوري” إنها استجابت خلال شهر أغسطس/ آب، لـ 4 حوادث انفجار ألغام في “جبل الزاوية” أدت إلى مقتل مدنيين اثنين بينهم طفل، وإصابة ستة آخرين.
ومعظم الضحايا وفقاً لتوثيق “الدفاع المدني”، خلال عملهم في قطاف موسم التين أو رعي المواشي، اللذَين يعدان مصادر رزقٍ للأهالي.
ويتابع موسى الإبراهيم:”أرضنا من الممكن الوصول إليها لكن بخطر، إلا أنّ بعض المزارعين غير قادرين حتى الوصول إلى أراضيهم الزراعية بسبب وجودها بين مناطق نفوذ الفصائل وقوات الأسد، وبالتالي هم معرضون للاستهداف المباشر، علاوةً على مخاوف مخلفات الحرب والقنابل وغيرها”.
ويوضح أنّ “معاناة مزارعي المناطق الممتدة على خطوط التماس واحدة، ونحتاج إلى تحرك دولي حقيقي لحماية الأهالي ووقف الهجمات العسكرية على المنطقة، رغم اتفاق التهدئة الذي يستثني منطقة جبل الزاوية، على ما يبدو”.
ويؤكد موسى في حديثه لـ”السورية.نت”، على “أهمية الموسم الزراعي لسكان منطقة جبل الزاوية، على اعتباره مصدر الزرق الوحيد للأهالي، وهو الأمر الذي شجع السكان على العودة إلى المنطقة والإقامة تحت القصف، رغم استمرار الحملة العسكرية على قرى وبلدات جبل الزاوية”.
من جهته يقول نواف أبو زيد، وهو من سكان بلدة بليون في “جبل الزاوية”، إنّ “رحلة الخطر والمعاناة تبدأ فجراً، وهو التوقيت الذي يستغله الأهالي هرباً من رصد طائرة الاستطلاع الروسية، وبعد سماع صوت الطائرة يصبح لديك هاجساً أن تقضي واجبك وعملك في الأرض لترجع إلى المنزل، لأنه و بمجرد تصويرك من قبل طائرة الاستطلاع فأنت أصبحت هدفاً محتملاً”.
وتأتي بالمرحلة الثانية وفق حديث أبو زيد لـ”السورية.نت”:”مخلفات الحرب والقنابل العنقودية والألغام، فأنت مُعرّض بأي لحظة أن تكون ضحية انفجار ألغام، وبين الحين والآخر تسمع سيارة إسعاف متجهة نحو الأراضي الزراعية وكروم التين، لنكتشف أن لغماً أو مقذوفاً انفجر بمزارع”.
ويتابع:”الوضع مخيف جداً، يحتار المزارع هل يراقب طائرة الاستطلاع أم الحربي أم القذائف أم القنابل والألغام؟”.
قنابل موقوتة
يقول فضل عبد الغني مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إنّ “النظام وروسيا الوحيدين من أطراف النزاع السوري اللذان استخدما القنابل العنقودية خلال العمليات العسكرية، مئات المرات، أمّا الألغام فجميع أطراف النزاع استخدمتها عدا التحالف الدولي”.
ويضيف لـ”السورية.نت”، إن “أكثر بلد تم استخدام القنابل العنقودية فيه خلال السنوات الماضية، هو سورية، وهي عبارة عن خطر حقيقي يمتد لعقود وسنوات طويلة، لأنها قنابل موقوتة، بأي لحظة ممكن أن تنفجر مجرد المرور عليها أو آلية بجانبها، أو بحال مسّها طفل ستكون قابلة للانفجار”.
ويلفت أنّ أبرز صعوبات التعاطي مع ملف الألغام والقنابل العنقودية والذخائر غير المنفجرة، هي “صعوبة حصرها في منطقة معينة ومناطق زرعها وانتشارها، إذ إنّ القنابل العنقودية تنتشر على ما يقارب مساحة ملعب كرة قدم، وأحياناً تحدث هجمات متقاربة ما يصعّب مهمة تحديدها”.
وتعمل “الشبكة السورية” على إعداد خريطة عامة لسورية، توضح أماكن انتشار الألغام والقنابل العنقودية تمهيداً لعملية إزالتها.
ويشير عبد الغني إلى أن “إزالة مخلفات الحرب ليس أولويةً بالنسبة للقوى المسيطرة، إنما ملقاة على عاتق مؤسسات المجتمع المدنيّ، وبشكل أساسي فرق الدفاع المدني، ومع الأسف يتمّ اكتشافها على لحوم المدنيين”.
مراكز متخصصة
مع بداية عام 2016 عملت منظمة “الدفاع المدني السوري” على تدريب عدد من متطوعيها على كيفية التعامل مع الذخائر غير المنفجرة، وبدأت عملها في مركزين رئيسيين، وارتفعت اليوم إلى 6 مراكز، تعمل جميعها في منطقة شمال غربي سورية.
محمد سامي المحمد، منسق برنامج “الذخائر غير المنفجرة” في الدفاع المدني، يوضح أنّ “فرق البرنامج تقسم إلى قسمين، قسم المسح وهي مهمتها زيارة القرى وإجراء استبيانات مع السكان المحليين للتأكد من وجود مناطق ملوثة بالذخائر من عدمه، ورفع خرائط تحديد المناطق الملوثة لفرق الإزالة، أمّا فرق الإزالة، تكون مهمتها القيام بعملية التخلص النهائي من الذخائر في المناطق الملوثة وتحييد خطرها عن المدنيين وفق الآلية الدولية المتبعة”.
ويضيف المحمد، لـ”السورية.نت” أنّ الفرق “تمكنت منذ بداية عملها حتى اليوم من التخلص من أكثر من 22,500 ذخيرة متنوعة، معظمها قنابل عنقودية تم إلقاؤها من قبل قوات النظام والطيران الروسي على منازل المدنيين وحقولهم الزراعية وممتلكاتهم الشخصية”.
وفقدت فرق الدفاع المدني السوري 4 متطوعين، أثناء عمليات ميدانية للتخلص من الذخائر غير المنفجرة في إدلب وبعض أرياف حلب.
ولا تُغيّب فرق “الدفاع المدني” العامل التوعوي، إذ تُجري دورياً جلسات توعية مع السكان حسبما يؤكد محمد سامي المحمد بقوله:\”تكون مهمتنا إعطاء المعلومات الكافية للمدنيين لكيفية التصرف في حال مشاهدة أي ذخيرة أو أي جسم غريب من الممكن أن يكون كذلك، وضرورة تنبيه من حولهم وإخبار المختصين في الدفاع المدني السوري، حيث يتم تقديم تلك الجلسات عن طريق حملات مركزة تستهدف كافة شرائح المجتمع، وتركز بشكل أكبر على الاطفال والنساء”.