انشغل كثيرون في لبنان خلال الأيام الماضية، في تتبع آثار عقوبات قانون “قيصر” على لبنان ومسؤولين ورجال أعمال فيه على صلة بالنظام السوري. هذا صحيح. الأرجح أن يطال القانون من يُواصل العمل في لبنان مع النظام السوري أو مسؤولين فيه في المجالات المذكورة في “قيصر”، من الهندسة والانشاءات وموادها ومجال النفط، إلى الشراكات المالية المختلفة وعمليات الدعم العسكري.
وما نراه في العلن لبنانياً لجهة مراجعة الحكومة اللبنانية العلاقات الاقتصادية القائمة حالياً مثل شراء الكهرباء من سوريا، ينطبق على دول كثيرة في المنطقة وخارجها تُعيد النظر في روابطها المالية. وتماماً كما حصل مع المصارف اللبنانية في تنفيذ العقوبات الأميركية، سنرى إجراءات احترازية من قبيل الغاء كل التعاملات لتجنب الوقوع في أفخاخ مستقبلية. ذلك أن دولاً عربية استأنفت علاقاتها التجارية مع سوريا خلال السنتين الماضيتين، لن تُخصص موارد بشرية ومالية للتدقيق في الشركات السورية المتعاملة معها، بل الأرجح أنها ستُقفل هذه البوابة تماماً. من الحتمي أن يُؤدي القانون الى تراجع في الصادرات السورية بعدما سجلت ارتفاعاً بنسبة 21 في المئة العام الماضي، وفقاً لأرقام النظام السوري. بيد أن النسبة الضئيلة لهذا التبادل مع العالم الخارجي والمجاور، لن تُحفز أحداً على المخاطرة بل ستدفع الدول الى المقاطعة التامة تجنباً لأي إجراءات عقابية.
كيف سينعكس ذلك على الاقتصاد السوري؟
سيرتفع سعر صرف الدولار (الى الليرة السورية)، وستصير القدرة الشرائية للمواطن السوري شبه معدومة. عملياً، سيُعاني السوريون بنسبة عالية، في حين يبقى النظام على حاله، تماماً كما حصل في فنزويلا وكل الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية. المواطنون يعانون، والأنظمة تستمر. سعر صرف الليرة السورية (تماماً كاللبنانية) مرتبط بغياب العملات الصعبة لدعمها، وأيضاً بالعجز في الميزان التجاري، وهو انخفض العام الماضي مقارنة بالسنة السابقة (من 5.9 إلى 4.6 مليارات يورو). بالمحصلة، كان يخرج من سوريا حوالى 6 مليارات يورو عام 2018، وانخفض ذلك الى 4.6 مليارات عام 2019. الأرجح أن الرقم سيعاود الهبوط بعد قانون قيصر ووقف الصادرات السورية. ذلك أن العقوبات أشد وقعاً من الحرب على الاقتصاد السوري. والدليل أن سنوات الحرب (2011-2017) شهدت خسائر أقل في قيمة الليرة السورية من فترة الأزمة الممتدة من كانون الثاني (يناير) الماضي وحتى اليوم. خلال الشهور الماضية، خسرت الليرة السورية 120 في المئة من قيمتها. واحتياطي العملات الصعبة أيضاً تقلص من عشرين ملياراً قبل الحرب، إلى مئات الملايين، وهذه أيضاً في طريقها إلى التبخر.
قانون قيصر سيُكمل هذا المسار. يتوهم من يعقد بأن الأزمة في العلاقات الأميركية-الصينية ستدفع بكين إلى تحدي واشنطن اقتصادياً في هذا المجال. ما زال التبادل التجاري بين هاتين القوتين في أعلى قائمة شركاء الصين في العالم.
الأرجح أن القانون سيُساهم في خفض قيمة الليرة السورية بشكل أكبر، وربما بوتيرة متسارعة مقارنة بالشهور الماضية. حينها، قد يشهد الاقتصاد السوري انهياراً أكبر وأسرع مما حصل خلال السنوات الماضية. والتدخل الخارجي لمساعدة النظام السوري مستبعد حالياً، إذ لا الصين تبدو مستعدة لمواجهة مع واشنطن على هذا المستوى، ولا إيران قادرة مالياً في ظل تراجع صادراتها وأسعار النفط معاً.
على لبنان ألا يكون قلقاً على عقوبات تطال فرداً هنا أو حزباً هناك. هذه نتيجة حتمية، وحُسمت خلال نقاش القانون نفسه في واشنطن. يجب أن يتركز القلق على احتمال وفود أعداد متزايدة من اللاجئين الى بلد مُفلس وعلى شفير الانهيار.
فنزويلا، وتحت وطأة العقوبات والإدارة المالية السيئة والفساد (والنظام السوري يجمع هذه السمات أيضاً)، دفعت أزمتها المالية والاقتصادية والسياسية خمسة ملايين مواطن فنزويلي إلى الهجرة. الأرجح أن الأزمة السورية في طورها الاقتصادي، ستصنع موجة جديدة من اللاجئين، وسيكون على لبنان إضافتها إلى كومة من الأزمات المتفاقمة يصعب مع ارتفاعها رؤية الضوء.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت