“كابوس يومي”.. الحرائق تفجع قاطني الخيام في إدلب (صور)
يقف عدنان المحمود مفجوعاً أمام بقايا أثاث تحوّل لرماد في خيمتيه الواقعتين في مخيم “الكنايس” في محيط مدينة إدلب، بعد أن خسر طفلته متأثرةً بحروق بالغة.
وخلال تأدية صلاة العشاء مساء يوم الثلاثاء 26 يوليو/تموز الجاري، تدافع رجال المخيّم من المصلّى الصغير، نحو الحريق الذي بدأ يلتهم خيمة المحمود، حين تعالت أصوات جيران الخيام المحترقة، بعبارة: “احترقت خيمة عدنان.. احترقت خيمة عدنان”.
لم يكن المحمود حاضراً بحانب عائلته حين وقع الحريق، وهو ما يزيد فاجعته التي غيّرت تفاصيل حياته، إذ لم تقتصر خسائره على طفلة وإصابتين بالغتين لدى طفليه الآخرين، إنما تحوّل ما لديه من أثاث وأشياء ومأوى لمجرّد رماد متطاير وسط المخيم الصغير.
وفي مساء يوم الحريق نقل جثمان الطفلة أنوار المحمود إلى الطبابة الشرعية، في حين وصل أخويها المصابين بحروق بالغة إلى مشفى العيادات في مدينة إدلب لتلقّي العلاج.
ويقول إبراهيم الموسى وهو طبيب الحروق في مشفى “العيادات” لـ”السورية.نت”، إنّ وضع الطفلين جيد. “أحدهما اقتصر على ضمادات خارجية وتمّ تخريجه في حالة جيدة، في حين كانت حروق الطفل الآخر أكثر شدةً في الطرفين العلويين، إذ يحتاج لعدة ضمادات، ومن شأنه أن يتحسن عليها دون الحاجة لعمل جراحي”.
وغدت الحرائق التي تضرب خيام النازحين في مخيمات إدلب، كابوساً يخيم على العائلات القاطنة فيها، إذ إنّ ثوانٍ قليلة تفصل الحريق عن حدوث فاجعة بحق ساكني الخيمة، فهي سريعة الاشتعال فضلاً عن كونها تغصّ بالأثاث المساعد على الاشتعال.
وتختلف مسببات الحرائق في خيام النازحين، فتحضر المدافئ البدائية شتاءً لتكون فتيل اشتعال الخيمة مع أي خطأ، كما تتحول بطاريات المستخدمة في توليد الطاقة والضوء، إلى خطر محدق مع ارتفاع درجات الحرارة.
واستجابت فرق الدفاع المدني السوري منذ بداية العام الحالي حتى أواخر يوليو/تموز، لأكثر من 1200 حريق في شمالي غربي سورية، نشب أكثر من 130 منها في مخيمات النازحين.
وأسفرت تلك الحرائق عن وفاة 13 شخصاً، بينهم 9 أطفال، فيما تم إسعاف وإنقاذ أكثر من 60 شخصاً على قيد الحياة.
من جهته، وثّق فريق “منسقو استجابة سورية”، ضحايا حرائق المخيمات فقط، منذ مطلع الجاري بـ 4 أطفال وإصابة 23 شخصاً بينهم 11 طفلاً و7 سيدات، كان آخرها أطفال عدنان المحمود.
“أسباب مجهولة”
لم يلحظ الواصلون إلى الخيام حين احتراقها في مخيم “الكنايس” أسباباً ملفتة لوقوع الحرائق، وإلى الآن لم يتمّ تحديد مسببات الحريق.
لكن أغلب الظنون تدور حول البطارية المغّذية لشبكة “الليدات” الموجودة داخل الخيمة، والتي غالباً ما شهدت انفجاراً نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
وامتد الحريق الذي أودى بحياة طفلة إلى خيمتين مجاورتين تعودان للمهجّر بسام الأحمد.
ويقول الأحمد لـ”السورية.نت”: “بينما سمعنا صوت المنادين عن الحريق وصلت ألسنة اللهب من خيمتي عدنان إلى خيامي أيضاً وبمدة لا تتجاوز 5 دقائق فقط”.
ويضيف: “استطعت أن أخرج عائلتي المكونة من زوجتي و5 أطفال، على اعتبار أنّ الحريق بدأ من خيمة عدنان.. نجوت خلال دقائق قليلة، لكن لم أستطع النجاة بأغراضي”.
ويتلفّت الأحمد المهجّر من قرية “الكنايس” بريف معرة النعمان الشرقي حوله ويبتسم مستسلماً.
ويضيف: “ما ضل شي.. ما ضل شي”، في إشارةٍ إلى فناء جميع أغراضه وخيامه من ملابس وفرش وأثاث، بسبب التهامها من النيران.
وباتت عائلة الأحمد في خيمة أخت زوجته، في حين لم يَنم هو على الإطلاق من هول الكارثة التي حلّت عليه وعلى جاره عدنان.
“أبرزها وسائل الطهي ومدخرات الطاقة”
يوضح شادي حسن، وهو متطوع في “الدفاع المدني السوري”، أنّ ومع “ارتفاع درجات الحرارة تصبح خيام النازحين أكثر خطورة”، لاسيّما في المخيمات القماشية المتلاصقة، التي تفتقد للحد الأدنى من إجراءات السلامة.
وبذلك تتحول الحرائق إلى كابوس يومي، يضاف إلى أخطار أخرى تلاحقهم من الأمراض والسيول وغيرها من المخاطر الأخرى في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة.
ويضيف حسن أن أبرز أسباب وقوع الحرائق في المخيمات يعود لـ”استخدام مواد خطرة في للحصول على مصدر حراري للطهي، كالبلاستيك والنايلون ومخلفات قماشية، نتيجة تردي أوضاع المدنيين الاقتصادية”.
وهناك أسباب أخرى تتعلق بـ”التدخين ورمي الأعقاب دون أية مسؤولية، وعندما تكون درجات الحرارة عالية تندلع النار فوراً في الخيام”.
وإضافة إلى ذلك هناك “الطهي داخل الخيام لغياب أماكن مخصصة للطبخ أو بسبب ماس كهربائي ناجم عن بطارية الإنارة، في ظل ضعف الخدمات في المخيمات و اكتظاظها”.
ويتابع المتطوع في “الدفاع المدني”: “أيضاً تنشب الحرائق لعدة أسباب منها انتشار الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب في المناطق الزراعية التي أقيمت عليها المخيمات، حيث يؤدي الارتفاع الكبير في درجات الحرارة لانفجارها”.
وزاد: “أيضاً فإن مدخرات الطاقة الكهربائية التي يستخدمها المهجرون للإنارة وإشعال المراوح تكون عرضة للانفجار بسبب الشحن الزائد لها، وعدم مراقبة فاصل الشحن عنها، وأيضاً الأسلاك المكشوطة التي تؤدي لوقوع تماس كهربائي يتسبب بالانفجار والحريق”.
“فرق على مدار 24 ساعة”
في غضون ذلك يشير حسن إلى أنّ “فرق الإطفاء في الدفاع المدني السوري تكون موجودة على مدار 24 ساعة للاستجابة لأي نداء من المدنيين، بينما تستجيب بالسرعة القصوى لأي حريق يتم الإبلاغ عنه أو مشاهدته”.
ويلفت إلى أنّ “فرق الإطفاء تجد فرق صعوبة كبيرة في الوصول للحرائق في المخيمات، لاسيما في المخيمات العشوائية، والتي تفتقد لطرقات تسمح بوصول سيارات الإطفاء، ما يؤخر الوصول للحريق، لاسيما إذا كان في عمق المخيم”.
وإلى جانب استنفار فرق الإطفاء، يوضح حسن أنّ الفرق تقدم توعيةً للمدنيين وتعرّفهم بمسببات الحرائق ومخاطرها وطرق الوقاية منها.
كما تعرفهم بأنواع أسطوانات الإطفاء وطرق استخدامها في الحريق الأولي، وضرورة الإبلاغ عن أي حريق في بدايته ليسهل السيطرة عليه، في حال عدم إمكانية السيطرة عليه وإخلاء مكان الحريق، ريثما تصل فرق الإطفاء إلى المكان، واستخدام طفايات الحريق اليدوية في الحرائق البسيطة.
“النقل نحو المساكن المؤقتة”
بدوره، يعتبر محمد حلّاج وهو مدير فريق “منسقو استجابة سورية” في حديث لـ”السورية.نت” أنّ “نقل المهجرين إلى المخيمات المنتظمة والوحدات السكنيّة والشقق من شأنه أن يحد من مأساة العائلات المهجرة الناتجة عن الحرائق”.
ويشير حلّاج إلى أنّ “ارتفاع درجات الحرارة في هذا التوقيت، إلى جانب غياب شبكات الكهرباء والطاقة المنتظمة يزيد من حالات الحرائق في المخيمات القماشية ذات العوازل المساعدة على الاشتعال”.
وترتبط أمنيات عدنان المحمود، الذي خسر طفلته أنوار بالحريق بما ذهب إليه حلاج بضرورة نقله إلى مسكن آمن ومستقر.
وفي وقتٍ تمنّى فيه نقل عائلته إلى منزل سكني لا يعرّضهم للحرائق مجدداً إلى جانب تعويض ما خسروه بـ”الحريق الذي أكل كل شيء” على حدّ قوله، يضيف لـ”السورية.نت”: “كنت بعيداً عنهم لأؤمن لهم معيشة كريمة.. عدت على خبر وفاة طفلتي وخسارة كل ما أملك”.