مع بلوغ نهايته، تتفاوت كالعادة تقييمات العام المنصرم، اعتماداً على الزاوية التي تنظر منها، أو المكان الذي تقيم فيه، فالدول المنتجة للنفط، مثلاً، يمكنها اعتبار عام 2022 الأفضل، على الأقل منذ 2014 عندما انهارت أسعار الطاقة. الولايات المتحدة يمكنها أيضاً اعتبار حصيلة العام المنصرم إيجابية، إذ نجحت خلاله في تأكيد قيادتها العالمية وحشد حلفائها وراءها وإضعاف خصومها. وفوق ذلك، يعد اقتصادها، رغم مستويات التضخّم المرتفعة، الأفضل أداء بين الاقتصادات العشر الكبرى. تقييم ناس كثيرين عام 2022 إيجابياً أيضاً، انطلاقاً من أنّه عام الخروج من أزمة كوفيد 19، إذ تفوّقت إرادة الإنسان وعلوم الطب التي طوّرها على وباء فتّاك، ما أعاد الحياة إلى طبيعتها. كثيرون آخرون، في المقابل، يعتبرون العام المنصرم صعباً، حالكاً، يمهّد لآخر قد يكون أكثر صعوبة. إذا كنت مواطناً أوكرانياً، مثلاً، الأرجح أنّك ستعتبر العام 2022 الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، إذ تعرّضت البلاد للغزو وتدمير جزء كبير من بنيتها التحتية، ونزوح الملايين من سكانها، قبل أن تتحوّل المواجهة إلى حرب وكالةٍ بين حلف ناتو وروسيا، قد تنتهي بتدمير البلد على نحو كليٍّ، وقضم أجزاء كبيرة من أراضيه. كثيرون آخرون يشاركون الأوكرانيين تقييمهم، فأوروبا عاشت هذا العام أوضاعاً صعبة وباردة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وبلوغ التضخّم مستوياتٍ قياسية، وفيها صار المواطن الأوروبي أقل غنىً وإحساساً بالأمان. وهناك دول أوروبية عديدة تستعد لأزمة طويلة، قد تنهار فيها قطاعات اقتصادية حيوية، إذا استمرّ الكباش الروسي – الغربي.
وإذا كانت هذه حال دول الشمال الغني خلال عام 2022، فالوضع في دول الجنوب كان أسوأ، إذ دفع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والشحن والتضخّم والتغير المناخي، الذي تسبّب بموجات جفافٍ في بعض الدول وفيضانات في أخرى، فضلاً عن الفساد وسوء الإدارة، دفع ملايين العوائل المستورة إلى براثن الفقر. وقد جاءت هذه الأزمات، بعد عامين حالكيْن شلت خلالهما أزمة كورونا اقتصاد العالم، وقد نتج عن ذلك تفاقم أزمات الهجرة واللجوء وإعلان دول عن إفلاسها وأخرى عجزها عن تسديد ديونها.
جاء الأثر مضاعفاً في الدول التي تواجه عزلة وحصاراً، مثل إيران التي شهدت خلال عام 2022 أوسع وأطول موجة احتجاجات منذ عام 1979، وصار كارثياً في الدول التي تعيش صراعات وحروباً داخلية، وأكثرها في منطقتنا العربية، مثل اليمن والصومال والعراق والسودان وليبيا، إنما خصوصاً في سورية ولبنان. انهار الوضع الاقتصادي في لبنان تماماً، وأخذ معه العملة المحلية، محوّلاً أكثر من نصف اللبنانيين إلى فقراء. لكنّ القاع في العام 2022 كان سورياً بامتياز، لا يزاحمها على مكانتها فيه مزاحم، فمع طيّ صفحة المواجهات العسكرية الكبرى، وتقلص الدعم المقدّم من الحلفاء، نتيجة أزماتهم (روسيا وإيران خصوصاً) وتناقص حجم المساعدات التي تقدّمها المنظمات الدولية نتيجة عدم وفاء المانحين بتعهداتهم، أو تحوّل جهة الدعم نحو أزماتٍ أخرى، فضلاً عن اشتداد العقوبات الأميركية، دخلت سورية، في كلّ مناطقها، في حالةٍ من الانهيار الكامل، ما جعل 2022 أسوأ سنوات الأزمة، بما فيها سنوات الحرب. إذ انهارت العملة، وتعطّل النشاط الاقتصادي، بسبب ندرة مصادر الطاقة، وتوقفت خدمات الصحة والتعليم، وعادت أمراضٌ كنا نظنّها انقرضت (الكوليرا مثلاً)، وأغلقت المؤسّسات العامة والخاصة أبوابها لانعدام المواصلات. وقدّرت الأمم المتحدة أنّ 90% من السوريين باتوا يعيشون تحت خط الفقر و80% منهم يفتقدون إلى الأمن الغذائي ووسائل التدفئة، وهم على أبواب الشتاء. يحدث هذا كله والنظام ما زال يعيش في عالم من الوهم، صنعه لنفسه وبات حبيساً له، لا يغيّر ولا يتغيّر، إذ ما زال يصرّ على أنّه انتصر (معيار النصر كان دائماً يعني بقاءه، ولو على أنقاض)، وينتظر ما ينتظره المنتصر من خضوع المهزوم لإرادته، رافضاً الانخراط في أيّ تسويةٍ جدّيةٍ تخرج البلاد من واقعها الكارثي، مراهناً على الوقت وتغيّر الظروف، كما فعل دائماً لبلوغ مُراده، غير واعٍ أنه، وللمرّة الأولى ربما منذ وصوله إلى السلطة، تمضي “لعبة الوقت” في غير مصلحته، إلّا إذا استفاق فجأة من أوهامه، وتوقّف عن السير، آخذاً معه البلد، نحو حتفه.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت