سكانٌ بلا منازل..تحركاتٌ لمنع “كارثة” انتشار الوباء بمخيمات الشمال
مئات آلاف السوريين يراقبون بحسرة إجراءات الحجر المنزلي في دول العالم
حملات كثيرة دعت الناس حول العالم لالتزام منازلهم، وعدم الخروج منها إلا للضروة القصوى، في مواجهة جائحة “كورونا”، لكن تلك الحملات كان وقعها مختلفاً على سكان المخيمات، الذين هم بطبيعة الأحوال دون منازل، حتى أنها لم تجبرهم على البقاء في خيامهم على أقل تقدير.
في الشمال السوري تحديداً، الذي يضم مئات المخيمات، وجد النازحون أنفسهم في مواجهة مع إجراءات مختلفة عما اعتادوه نسبياً، فالحركة لم تعد كما كانت، والمنظومة التعليمية عادت إلى المحك، والفعاليات الإنسانية أخذت منحى مختلفاً عن السابق، مع تكثيف حملات التوعية المتعلقة بالنظافة الشخصية والعامة.
إجراءات “خجولة” ومصاعب في ضبط الحركة
رغم عدم الإعلان عن أي إصابة بفيروس “كورونا” في الشمال السوري، الخارج عن سيطرة نظام الأسد، شهدت مخيمات النزوح إجراءات وتدابير وقائية، لمنع وصول الفيروس وانتشاره بين الأهالي، وسط تحذيرات دولية من عواقب “كارثية” في حال وصل الفيروس إلى المنطقة.
مدير منظمة “إحسان للإغاثة والتنيمة”، براء صمودي، تحدث لموقع “السورية نت” عن بعض التدابير الوقائية المُتّبعة في مخيمات الشمال، ملخصاً إياها بتعقيم المرافق العامة وتنظيم حملات التوعية فقط، إضافة إلى تخصيص أنشطة إغاثية تساهم في الحد من انتشار الفيروس.
وأضاف صمودي أن حركة تنقل الأهالي في المخيمات طبيعية نوعاً ما، إذ يُسمح لهم بمغادرة المخيم والعودة إليه دون إجراءات حظر تجول، مشيراً إلى أنه من الصعب ضبط حركة سكان المخيمات المكتظة، دون قرار رسمي بحظر التجول.
وأكد عضو المكتب الإعلامي لمنظمة “الدفاع المدني” في إدلب، فراس خليفة، عدم وجود أي إجراءات لحظر التجول في مخيمات الشمال أو إجبار الناس على البقاء في الخيام من قبل إدارات المخيمات، مشيراً في حديث لـ”السورية نت”، إلى أن الناس بدأت تلتزم بنصائح تخفيف التنقلات والتجمعات نسبياً، بـ “حافز شخصي” منها وليس بموجب قرارات إلزامية.
وأضاف: “حتى اليوم لا تزال إجراءات التنقل على حالها، إذ لم يتم إغلاق أي مخيم أو فرض حظر تجول فيه أو فصل المخيمات عن بعضها”، مردفاً “الناس تتنقل بشكل طبيعي دون إجراءات رسمية”.
التعليم.. رهن الإمكانيات
حاله كحال جميع القطاعات الخدمية، تأثر قطاع التعليم في سورية وفي معظم دول العالم، بانتشار فيروس “كورونا” وتبعاته، حيث توقفت العملية التعليمية بالكامل في بعض الدول، فيما لجأت دول أخرى إلى آلية “التعليم عن بُعد”.
في مخيمات الشمال السوري، توقفت حركة التعليم المباشر بشكل كُلّي، حسبما قال مدير منظمة “إحسان للاغاثة والتنمية”، براء صمودي، مشيراً إلى وجود بعض المبادرات الإنسانية التي توجهت إلى التعليم عن طريق الهواتف الذكية.
إلا أن تلك الطريقة “ليست مُستدامة ومضمونة بالكامل”، برأي صمودي، الذي أشار إلى أن شبكة الانترنت، اللازمة للتعليم عن بُعد، ليست متوفرة في جميع المخيمات، كما أن بعض الأهالي لا يملكون الأجهزة الذكية التي تُرسل عبرها الدروس المصوّرة من قبل الأساتذة، لافتاً إلى أن بعض المنظمات التعليمية لا تملك التمويل اللازم لإجراء تلك العملية.
وكذلك أكد عضو المكتب الإعلامي للدفاع المدني، فراس خليفة، وجود مبادرات للتعليم عن بُعد في مخيمات الشمال، موضحاً أن بعض المدرسين يرسلون لأهالي الطلاب مقاطع مصورة للدروس، عن طريق برنامج “واتس آب”، ثم يقوم الأهالي بإرسال الواجبات التي كتبها الطلاب للمدرسين مجدداً.
ويواجه التعليم أساساً مصاعب كبيرة في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، خاصة في مخيمات النزوح، نتيجة ضعف التمويل المُقدّم للمنظمات الإنسانية العاملة في الشمال، خلال العامين الماضيين.
وتشير الأرقام الصادرة عن “وحدة تنسيق الدعم” إلى وجود أكثر من 1,712,468 طفلاً في سنّ المدرسة في شمال غرب سورية، منهم 34% (582,239 طفلاً) خارج المدرسة، وذلك حسب دراسة صادرة عن الوحدة في مارس/ آذار الماضي.
وتبین خلال الدراسة أن نسب التسرب ضمن المخیمات دائماً تکون أعلى من التسرب ضمن المدن والبلدات، وذلك یشمل کافة المراحل التعلیمیة ویشمل کلا الجنسین.
إجراءات الحجر الصحي “غير واردة حالياً”
يصف المسؤول في “الدفاع المدني”، فراس خليفة، الحالة اليومية لسكان المخيمات بـ “الحذرة”، مضيفاً خلال حديثه لـ”السورية نت”، إلى أن الناس يترقبون ما ستؤول إليه الأوضاع بخوف، على اعتبار أن المخيمات مزدحمة ومكتظة بالسكان، وبالتالي فإن آثار انتشار الوباء فيها سيكون “كارثة”.
خليفة أضاف أنه “في حال انتشر الفيروس في مخيمات الشمال، لا قدّر الله، فإننا سنواجه كارثة إنسانية أكبر من أزمات القصف والنزوح التي مرت علينا، لأن الناس بالمخيمات مكتظة وعلى احتكاك مباشر مع بعضها”.
كل ذلك يجعل من الضروري تجهيز معدات ومستلزمات الحجر الصحي، بحسب العاملين في الشمال السوري، خاصة في أماكن التجمعات، إلا أن مدير منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، براء صمودي، يرى أن مخيمات النزوح غير مؤهلة حالياً لأي إجراءات متعلقة بالحجر الصحي، نظراً لاكتظاظ السكان وعدم توفر الأماكن اللازمة للحجر، مشيراً إلى أن التحركات الحالية تُركز على التعقيم والتوعية وتوزيع سلل غذائية ومواد التنظيف.
في حين أشار عضو المكتب الإعلامي لـ”الدفاع المدني”، فراس خليفة، إلى أن التقصير بإجراءات الحجر الصحي نابع من عدم تسجيل أي إصابة بفيروس “كورونا” في الشمال السوري، لافتاً إلى إجراء أكثر من 60 فحصاً لأشخاص ظهرت عليهم الأعراض، إلا أن النتائج جميعها “سلبية”.
فعاليات مدنية تسعى لإنقاذ الوضع
سلكت بعض المنظمات الإغاثية والإنسانية العاملة في الشمال السوري منحىً توعوياً في مواجهة فيروس “كورونا” المستجد، الذي تفشى حول العالم مسجلاً عدد إصابات فاق المليون ونصف المليون إصابة، حتى الآن، ما حمّل تلك المنظمات أعباء إضافية في كبح الفيروس قبل وصوله إلى المناطق الشمالية من سورية، والتي تعاني بالأساس أوضاعاً إنسانية سيئة.
الفعاليات المُنظمة ركزت بمجلها على التوعية وطرق الوقاية، ثم توفير الأدوات اللازمة للوقاية، حيث نظمت منظمة “إحسان” نشاطات توعوية في معظم المخيمات في الشمال السوري، ركزت خلالها على عدم التجمع والأخذ باحتياطات السلامة، حسبما قال مدير المنظمة براء صمودي لـ “السورية نت”.
مدير المنظمة أشار إلى أن النشاطات التوعوية تتم وفق إجراءات مشددة، إذ تتم التوعية عن طريق تنبيه الناس إلى ضرورة عدم التجمع وترك مسافة فيما بينهم، وارتداء الكمامة والقفازات، والاهتمام بالنظافة الشخصية، وذلك بشكل فردي أو لمجموعة أشخاص لا يزيد عددهم عن أربعة، منعاً للتجمع.
وأضاف أن منظمته عملت خلال الفترة الماضية، على توزيع مياه صالحة للشرب في المخيمات، وزيادة كمية المياه الصالحة للاستخدام من أجل توفير مستلزمات النظافة، وتوزيع السلل التي تحوي مواد التنظيف والتعقيم، فضلاً عن المساعدات الغذائية والعينية، خاصة للأسر التي فقدت مورد رزقها بسبب تفشي الفيروس، مؤكداً أن المنظمة علّقت كافة المشاريع المعتمدة على الأنشطة الجماعية.
أما “الدفاع المدني السوري”، فقد اعتمد آليتين في نشاطاته داخل المخيمات، الأولى حملات لرش المواد المطهرة في المرافق العامة والمدارس والمساجد والمنشآت العامة، شملت مخيمات النزوح أيضاً، حسبما قال فراس خليفة، عضو المكتب الإعلامي في المنظمة.
وأضاف أن حملات تعقيم المرافق العامة بدأت منذ 22 مارس/ آذار الماضي، وتستمر حتى ثلاثة أشهر مقبلة، مع التركز على المخيمات، حتى العشوائية منها.
والآلية الثانية تضمنت حملات توعية للأهالي، من أجل منع التجمع والتجول لغير الضرورة، وحث الناس على التزام منازلهم وخيامهم، وتوخي النظافة الشخصية وإجراءات الوقاية من الفيروس، بحسب خليفة، مشيراً إلى أن تلك الحملات تتم بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة التركية، إلى جانب المنظمات الطبية ومديريات الصحة العاملة في الشمال السوري.
ووصف خليفة استجابة الناس لتلك الحملات بأنها “جيدة نسبياً”، لأن الناس على دراية بأن انتشار الفيروس في الشمال السوري سيتحول إلى “كارثة”، على حد تعبيره، وذلك في ظل هشاشة القطاع الصحي نتيجة القصف والدمار الذي لحق بمؤسساته.