هل ستمتد أو تتوسع الحرب بين “إسرائيل” وحماس إلى مناطق أخرى؟ لماذا تعتبر إمكانية توسع الصراع إلى سوريا أمراً خطيراً للغاية؟ ما هي السيناريوهات المحتملة؟ لماذا يبدو أن كل شيء معقود بتركيا؟
يتسأل الجميع عن مدى تأثير الهجوم الذي شنته حماس على “إسرائيل” في السابع من تشرين الاول/ اكتوبر، في خلط أوراق منطقة الشرق الأوسط، فهل سيكون تأثير النزاع على الطرفين الفاعلين فيه فقط، أم سينتقل ويتسع نطاقه اقليمياً؟ هل سيكون لحزب الله وسورية وإيران والعراق نصيب من تأثيرات هذه الأحداث؟ إنها من الأسئلة الكثيرة التي تشغل أذهان المهتمين بالمنطقة، ولكن، يبقى خطر احتمال توسع النزاع لدولة أخرى وبشكل كبير هي سورية.
وفي يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي شنت فيه حماس هجوم “فيضان الأقصى”، كان لسورية اجندة مختلفة تماماً.
فبينما كانت أعين وأذان العالم كلها تتجه نحو غزة و”إسرائيل”، كانت سورية تعاني مشاكلها الداخلية، ومع ذلك، وبينما يدور مثل هذا الصراع بجوار حدودها مباشرة، فانه من الصعب لأي دولة أن تبقي نفسها وأراضيها بعيدة تماماً عن ديناميكيات الصراع هذه، وخاصة أن الصراع في غزة يميل لأن يصبح إقليمياً، الأمر الذي يجعل من سورية بشكل محتوم جزءاً من الأحداث.
ولكن المثير للدهشة أن هجوم حماس على “إسرائيل” والمذبحة التي ارتكبتها “إسرائيل” في غزة لم تمنع حتى الآن الديناميكيات الداخلية في سورية.
ربما يجب أن أقول “لا يزال” بدلاً من “حتى الآن”، ومع ذلك من المهم ألا نقلل من شأن ديناميات الصراع في سورية ومخاوف ومصالح الجهات الفاعلة في هذا الصراع، ففي الآونة الأخيرة يفكر الكثير منا في السيناريوهات، ويقوم بالتحليل لفهم ما سيحدث في المستقبل القريب، سأقوم بنفس الامر، ولكن أولاً سألخص ما حدث في الأسابيع الثلاثة الماضية.
قوة الديناميكيات الداخلية في سورية
لفهم الديناميكيات الداخلية القوية للغاية في سورية، لنعد إلى 6 تشرين الاول/ أكتوبر، قبل يوم واحد سابق لـ”عاصفة الأقصى”.
ففي ذلك اليوم، كانت القضية الرئيسية في أجندة سورية هي العمليات الجوية التي بدأتها تركيا ضد منظمة PKK/YPG “الإرهابية” في شمال شرق سورية، حيث بدأت تركيا استهداف PYD وYPG اعتباراً من 5 تشرين الأول/ أكتوبر بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في أنقرة في 1 تشرين الأول/ أكتوبر.
ومن البنود المهمة الأخرى في اجندة 6 تشرين الأول/أكتوبر هي تداعيات الهجوم على الحفل الذي أقيم في الكلية العسكرية بحمص، ففي الهجوم الذي وقع خلال الحفل الذي أقيم في حمص في 5 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ما يقرب من 100 من أفراد “الجيش السوري” والمدنيين، من بينهم ضابطان وأصيب ما يقرب من 300 شخص، وبدأت روسيا بقصف إدلب بعد غيابها لفترة طويلة في 5 تشرين الأول/أكتوبر الماضي لاعتقادها أن هذا الهجوم من تنفيذ “هيئة تحرير الشام” في إدلب.
لكن من فضلك لا تقل “هذا يحدث دائماً في إدلب”، ربما كان القصف الذي بدأ في 5 أكتوبر/تشرين الأول هو الأعنف ضمن سلسلة الهجمات خلال العامين الماضيين، ففي الفترة ما بين 5 و6 تشرين الأول/أكتوبر فقط، توفي 32 مدنياً وكان بينهم 10 أطفال و4 نساء وأصيب 167 آخرون في إدلب، ولم تركز الطائرات الروسية والميليشيات الموالية لإيران و”الجيش السوري” على الطريق السريع M4 في جنوب إدلب فحسب، كما فعلوا مرات عديدة من قبل؛ بل هذه المرة، تعرضت أيضاً مناطق المخيمات التي يسكنها المهجرين الذين لجأوا إلى الشمال مثل “ترمانين ودارة عزة والدانا” للقصف بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة، وتدفق مئات الأشخاص إلى الطرق من إدلب إلى عفرين.
وبينما استمرت الغارات الجوية الروسية التي تستهدف كل منطقة في محافظة إدلب، اندلعت الاشتباكات مرة أخرى في العاشر من الشهر بين “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” في شمال سورية.
في الفترة من 10 إلى 14 تشرين الأول/ أكتوبر، تغير الوضع في منطقة درع الفرات، حيث سيطرت “هيئة تحرير الشام ” عبر حلفائها على جزء كبير من الطريق الممتد بين جنوب بلدة الراعي (شوبان باي) والباب، والبلدات المجاورة وحتى بعض مناطق ريف جرابلس، ولو كانت وقعت هذه الأحداث في وقت عادي لتحولت كل أنظار تركيا إلى هنا، ولكن طغت اخبار مجزرة غزة على الحدث.
باختصار، في الفترة من 7 إلى 14 تشرين الأول/ أكتوبر، برز الصراع ومقتل المدنيين والهجرة القسرية إلى الواجهة، وهو ما يمكن أن نقول عنه “مشاكل سورية تكفي سورية”، ولن أنسى أن أذكر أن اشتباكات هيئة تحرير الشام -الجيش الوطني السوري انتهت في 14 من الشهر ولم يتوقف قصف الطائرات الروسية و”الجيش السوري” بالصواريخ وقذائف الهاون على المدنيين، حيث قصفت الطائرات الروسية إدلب 149 مرة خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ولفهم حجم هذا الرقم، أذكركم أنه اقرب مرة لهذا الرقم كانت في أيلول/ سبتمبر 2021، ففي ذلك الوقت تسبب القصف بخطر هجرة كبير وتهديد بتصعيد الصراع، لدرجة أن العملية لم تتوقف إلا من خلال اجتماع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
نقل الصراع إلى سورية
بعد أيام قليلة من شن “إسرائيل” غاراتها الجوية على غزة بدأت نشرات الأخبار تتحدث عن سورية، ففي 11 تشرين الأول/ أكتوبر تم إطلاق عدة صواريخ على “إسرائيل” من جنوب سورية، وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر، قصفت إسرائيل مطار دمشق الدولي، يعني أن أولى الأمثلة التي تثير القلق من احتمالات توسع الصراع في غزة بدأت تتجسد في 12 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن العيون المتأنية رأت أن ذلك قادم من خلال نشاط إيران في الميدان.
في 9 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد يومين من “طوفان الأقصى”، بدأت بعض مجموعات الميليشيات الشيعية المقربة من إيران والمتمركزة في دير الزور بالتحرك في مجموعات صغيرة نحو مناطق جنوب سورية القريبة من الحدود الإسرائيلية. وبطبيعة الحال، لم تكن المجموعات الكبيرة تتحرك في هذه المرحلة، ولكن من السهل أن نفهم أن إيران ستقدم الدعم اللوجستي لمجموعات الميليشيات عبر دمشق، ثم بعد ذلك، في الرابع عشر من شهر تشرين الأول/ اكتوبر قام حزب الله بهجوم صاروخي على “إسرائيل” من جنوب سورية وبدا كأنه لإظهار رغبته في توريط سورية، وردت “إسرائيل” وضربت مطار حلب.
ومن قبيل الصدفة، أن القبائل العربية التي ثارت ضد حزب الاتحاد الديمقراطي في دير الزور بداية شهر أيلول/سبتمبر، تحركت في 13 تشرين الأول/ أكتوبر، وفي 15 تشرين الأول/أكتوبر بدأت العشائر بتوجيه ضربات قاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي في بعض البلدات التي كانت مركز انتفاضة دير الزور قبل بضعة أسابيع.
كل هذا الخطوات المتبادلة كان لا بد أن تُوصل إلى مكان ما، ونتيجة لذلك، تم إنشاء مجموعة من الحشد الشعبي تحت اسم “المقاومة الإسلامية في العراق” وبدأت هذه المجموعة باستهداف الولايات المتحدة الأمريكية في سورية والعراق. دعنا نترك الجزء العراقي لموضوع مقال آخر، لكن هذه المجموعة شنت هجمات على الجنود الأمريكيين في سورية، والجانب المثير للاهتمام هو أن 22 هجوماً (بناءً على تاريخ كتابة هذا المقال) التي تمكنت من تحديدها، حدثت 3 منها في أماكن قريبة قليلاً على الأقل من إسرائيل، أما الباقي فكانت في شرق وشمال شرق سورية، أي في منطقتي دير الزور والجزيرة السورية. ورداً على هذه الهجمات، ضربت الولايات المتحدة الجماعات الموالية لإيران عدة مرات، لكنها لم تتخذ أي إجراء واسع النطاق.
وكما ترون، فقد امتد الصراع نحو سورية إلى حد ما، ومع ذلك، فمن السابق لأوانه القول بأن الصراع قد انتقل إلى سورية، والآن لنتحدث عن أسباب ذلك وتوقعاتي في المستقبل القريب.
ما مدى احتمال أن يمتد الصراع في غزة إلى سورية؟
اولاً، من الضروري التأكيد على نقطة مهمة، أنه ليس لدى “الحكومة السورية” النية ولا القدرة على المشاركة أو التورط في صراع في فلسطين، حتى انها تدرك أنها إذا دخلت في مثل هذا الصراع قد تنقلب عليها السهام فجأة، ففي الوقت الذي وضع فيه العالم الغربي مشروع تغيير النظام في سورية على الرف، فإن آخر ما تريده حكومة سورية هو أن تكون في مرمى النيران فجأة، ولا أعتقد أن روسيا تريد أن ينتقل الصراع إلى سورية ايضاً، فلطالما كانت الأمور تسير إلى حد كبير بالطريقة التي أرادتها روسيا، فلماذا ستريد فجأة البدء بعملية محفوفة بالمخاطر؟
وهناك مسألة أخرى: التصريحات القادمة من روسيا تجاوزت البعد المأساوي، ففي اليوم الذي قال فيه المسؤولون الروس إن “المذبحة التي ترتكبها “إسرائيل” ضد المدنيين في غزة “غير مقبولة” كانت الطائرات الروسية أيضاً تصيب أو تقتل عشرات المدنيين في إدلب، هذه الانتهازية لها ما يصفها باللغة العامية، ولكن لا يمكن كتابته هنا.
إذاً، ما هي العوامل التي يمكن أن تنقل الصراع إلى سورية؟
أولاً، يجب ان ترغب إيران في ذلك بشكل جدي، قد أكون مخطئاً، ولكنني لا أعتقد أن إيران سوف تنخرط في صراع مباشر ضد المذبحة التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ البداية، حتى انه لدي شكوك قوية حول مدى رغبتها في إشراك الميليشيات الأقرب إليها في هذا الصراع.
إذا تأثرت سورية بشكل كبير بالنزاع في غزة، فإن الطريق لذلك يمر بحزب الله، فطالما لم يفتح حزب الله جبهة واسعة النطاق في شمال “إسرائيل” سيبقى التأثير على سورية بالحد الأدنى من الصراع على المدى القصير، وإذا شن حزب الله هجوماً على “إسرائيل” من جنوب لبنان أو أطلق هجوماً صاروخياً بحجم ومدة لا يمكن لإسرائيل أن تتحملهما، فإن هذا الوضع سيكون له بالتأكيد تداعيات على سورية.
ثانياً، يتعين على إسرائيل أن ترد على هجوم حزب الله بهجوم مضاد أو بدعم من حليف قوي، لقد تعلمت إسرائيل الكثير من حرب عام 2006، فبعد أن وجدت نفسها في موقف صعب امام حزب الله في ذلك الوقت، تم تشكيل اللجان وإجراء دراسات، ولهذا السبب لا أعتقد أن إسرائيل ستحاول فتح جبهة ثانية ما لم يدخل حزب الله الحدود الإسرائيلية ويبدأ في الاستيلاء على البلدات والقرى، بل على العكس من ذلك هناك احتمال أقوى بأن تتم محاولة تقليص القدرة الهجومية لحزب الله بدعم من حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، وبصريح العبارة إذا قام حزب الله بضرب إسرائيل بقوة فإن البحرية الأمريكية ستضرب حزب الله أيضاً.
العامل الأخير الذي يمكن أن ينقل الصراع إلى سورية، هو قيام الميليشيات الموالية لإيران بشن هجوم مباشر وقوي على الولايات المتحدة الامريكية، ويمكن أن تزعج الصواريخ والطائرات بدون طيار الانتحارية التي أطلقت خلال أسبوعين الولايات المتحدة الامريكية، لكنها لا يمكن أن تهدد وجودها في سورية، وإذا وصل الأمر إلى قيام الميليشيات الموالية لإيران في سورية بشن عملية لإخراج الولايات المتحدة من المنطقة، فإن العراق سيتأثر بشكل أسوأ، بمعنى آخر في هذه الحالة لن تقتصر منطقة الصراع على سورية، بل ستصل إلى العراق أيضاً.
هل ستهاجم إيران “إسرائيل” عبر حزب الله والميليشيات؟
لنفترض، أن إيران تخلت عن التصرف العقلاني، ودخلت في صراع مع الولايات المتحدة الامريكية أو الغرب عبر إسرائيل، باستخدام جميع الشبكات التي نسجتها لسنوات في الشرق الأوسط. هيا، دعنا لا نذهب إلى أبعد من ذلك، ونفترض أن إيران بدأت حرب استنزاف باستخدام حزب الله والميليشيات في العراق وسورية لإفشال إسرائيل في غزة، ماذا ستكون نتيجة ذلك؟
سأجيب مرة اخر باستخدام الاسلوب الشعبي “سينفجر القرع على رأس الأسد” لا تزال روسيا تخوض صراعاً صعباً في أوكرانيا، وعلى الرغم من أن “الجيش السوري” في وضع أفضل من حيث القوة البشرية مقارنة بالماضي إلا أنه لا يزال غير قادر على السيطرة على البلاد بمفرده، ويسيطر مع الميليشيات الإيرانية على المنطقة الممتدة من شرق دمشق إلى دير الزور ومناطق تمتد من جنوب الرقة إلى حلب، فاذا هم حاولوا إنهاك إسرائيل من خلال شن حرب ضدها عبر لبنان، فقد يصبحون هدفاً مباشراً للولايات المتحدة الامريكية ويفقدوا سيطرتهم في هذ المناطق.
يعتمد الوجود الإيراني في سورية بشكل كبير على مصادر اجنبية للقوى البشرية، أي أن معظم المسلحين في مجموعات الميليشيات يأتون من أماكن مثل العراق، واليمن وأفغانستان وباكستان، فقد تواجه إيران صعوبة كبيرة في تعويض خسائرها هنا وقد يحتاج لوقت طويل لتعويضه. فإذا تمت إضافة إغلاق قنوات القوى البشرية الإيرانية إلى حرب روسيا المحاصرة فستبدأ أجراس الخطر تدق مرة أخرى بالنسبة لدمشق.
بالطبع، دمشق هنا صفة رمزية، الحلقة الضعيفة في السلسلة هي حلب، لم تفقد مجموعات المعارضة السورية أبداً أملها في استعادة حلب، إذا واجهت هجوماً مضاداً في حلب وهي تقول إنها ستفتح جبهة ضد إسرائيل، فعندئذٍ سيحدث تغيير جدي في سورية.
ماذا عن تركيا؟
هل تدرك بأن الموضوع مرة أخرى معقود على تركيا؟ تريد تركيا أن ينتهي الصراع في أسرع وقت ممكن، وهي تعارض بشدة انتشار النزاع في المنطقة، فاحد اهم الاسباب لذلك هو التجارب التاريخية، حيث إن كل صراع اندلع في الشرق الأوسط خلال العشرين سنة الماضية جلب معه ميلاً إلى الانتشار، وقد أدى هذا إلى خطر تغير حدود الدول، وفي الوقت الراهن، الأولوية هي التوصل إلى حل في فلسطين؛ وإضفاء الطابع الإقليمي على الصراع سوف يؤدي لخلق مشاكل جديدة بدلاً من الحل، ويستند موقف تركيا تجاه الصراع في غزة إلى أسباب إنسانية وأخلاقية بحتة.
ولكن عندما يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، فسيتعين على جميع الاطراف الفاعلة التي تريد تحويل المجازر الإسرائيلية إلى ميزة لتوسيع مصالحها في الشرق الأوسط أن تعيد تقييم الموقف، ومن أجل تجنب الوصول إلى هذه النقطة، أعتقد أنه يجب أن يكون للنزاع تأثيراً أقل في سوريا.
إذا امتدّت الحرب إلى سورية، يمكن أن نعود إلى الأوقات التي كان يُعتقد فيها أن أيام “الحكومة السورية” معدودة عام 2014، ولهذا السبب فإن تكلفة امتداد الصراع إلى سورية تدفع جميع الجهات الفاعلة العقلانية إلى كبح جماحه.
ولكننا جميعاً نفكر في نفس السؤال، ماذا لو لم تكن الدول عقلانية كما نعتقد؟
نُشر هذا المقال لأول مرة باللغة التركية بتاريخ 9 تشرين الاول 2023، على موقع ” FIKIRTURU “.
ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”